منذ أكثر من ثلاثة عقود، قيل لنا إن التاريخ وصل إلي محطته الأخيرة. وإن الحروب الكبرى أضحت من الماضي. وإن السوق المفتوحة، والديمقراطية الليبرالية، ستقود العالم نحو سلام دائم. فمع نهاية الحرب الباردة. بينما العالم، بما فيه الغرب. كان يعيش تحت وطأة تأثير الأفول السريع للكتلة الشرقية، وغياب الاتحاد السوفيتي. وانكسار الأيديولوجية الاشتراكية. حيث وصل التاريخ إلي نهايته، لصالح الليبرالية الغربية. فقد أعلن فرنسيس فوكاياما، أن التناقضات الأيديولوجية وصراع الأيديولوجيا، قد ولي دون رجعة. وبشر بأن الديمقراطية الليبرالية، تشكل منتهي التطور الأيديولوجي للإنسانية. غير أن ما نراه اليوم، يبوح بأحداث مختلفة تماما. الحروب عادت، والقوة الصلبة تتقدم من جديد. الجغرافيا السياسية، تستعيد دورها. الدولة القومية تعود لاعبا مركزيا، بعد سنوات من التهميش. من شرق أوروبا إلي الشرق الأوسط إلي أفريقيا إلي الكاريبي. العالم يعيش لحظة إعادة تشكل عميقة. حيث تتفكك العولمة، وتتصاعد الحمائية، وتعاد كتابة قواعد القوة. فهل فعلا فشلت نظرية نهاية التاريخ؟ وهل نحن أمام نهاية النظام الليبرالي نفسه كما عهدناه؟ وما البديل الذي يتكون في هذا العالم المضطرب؟.

جوهر نظرية “نهاية التاريخ”، هو الإعلان السياسي، عن انتصار نموذج الليبرالية الغربية، بوصفها الأفق النهائي للتاريخ الإنساني.

سقوط جدار برلين، تفكك الاتحاد السوفيتي، وانفراد الولايات المتحدة بقيادة النظام الدولي. كلها غذت وهما، بأن الصراع قد انتهي. وأن السوق المفتوحة والديمقراطية الليبرالية، قادرتان وحدهما علي تدجين القوة، واخضاع السياسة لمنطق الاقتصاد. بيد أن التاريخ، كما يبدو لم يقبل أن يختصر في نموذج واحد. مع بداية القرن الحادي والعشرين، تصدع البناء الليبرالي الغربي. ظهرت أزمات مالية ضربت قلب الرأسمالية. حروب تشن باسم القيم، ودول تدمر باسم نشر الديمقراطية. ثم جاءت الحروب الكبري، من أوكرانيا إلي غزة، لتكشف أن منطق القوة، لم يغادر المسرح. بل كان ينتظر لحظة العودة. 

الدولة القومية التي قيل إنها تراجعت عادت لا عبا مركزيا، والسيادة التي قيلت إنها ذابت في العولمة، عادت خطا أحمرا. أما الديقراطية الليبرالية، فلم تعد تقاس بقدرتها علي تحقيق السلام. بل بقدرتها علي تبرير الحروب. 

فهل كانت نهاية التاريخ، قراءة خاطئة، أم كانت تعبيرا أيديولوجيا، عن لحظة تفوق مؤقت؟ اليوم يبدو أن العالم، لا يسير نحو نموذج واحد. بل يعود إلي التعددية ذات طابع صراعي. حيث تتنافس أنماط الحكم. وتتصادم القوي، وتختبر القيم في ميادين النار ودوائر القرار. والسؤال هنا، ليس لماذا فشلت نظرية نهاية التاريخ، بل هل كان التاريخ يوما قابلا لأن ينتهي؟.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version