نشرت وزارة الأوقاف، نص خطبة الجمعة القادمة عبر موقعها الرسمي الرقمية بعنوان « مظاهر عناية الإسلام بالطفولة»، موضحة أن هدف الخطبة هو التوعية بمظاهر رعاية الإسلام للطفولة واهتمامه بها في ضوء سيرة النبي عليه الصلاة والسلام وكيفية حماية الأطفال من الألعاب الإلكترونية.
وجاء نص الخطبة القادمة كما يلي:
نص خطبة الجمعة القادمة بعنوان “مظاهر عناية الإسلام بالطفولة”
الحمدُ للهِ الذي جعل الطفولةَ أمانةً مصونة، ونفحةً ربانية، وغرسًا مباركًا؛ إن صَلُح أثمر، وإن أُهمِل انكسر، وجعل في رعاية الصغار قُربةً، وفي الإحسان إليهم عبادةً، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ نبيّ الرحمة، وإمام الإنسانية، الذي مسح على رؤوس الأطفال، وعلى الصحب والآل؛ أما بعد:
فإن الطفولةَ صفحةٌ بيضاء، وقلبٌ غضٌّ نديّ، إن كُتِب فيه خيرٌ دام، وإن زُرِع فيه إيمانٌ قام، وقد جاء الإسلامُ بمنهجٍ ربانيٍّ يرعى الطفلَ رحمةً وتربية، ويحفظ له حقَّه كرامةً وعناية، فبنى الإنسانَ من بدايته، وأصلح المجتمعَ من جذوره.
عناية الإسلام بالطفل قبل ولادته
١- جعل من حقِّه على أبيه وأمه حُسن اختيار شريك الحياة
إذ إنَّ الأسرة هي البيئة الأولى التي تتشكَّل فيها شخصية الطفل نفسيًّا وأخلاقيًّا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: “تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا؛ فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ”. [متفق عليه]
وعن السيدة عائشة رضي الله عنها، قالت : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ، وَانْكِحُوا الْأَكْفَاءَ، وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِمْ” [رواه ابن ماجه]، فهذا التوجيه النبوي لا يحمي الزوج فحسب، بل يحمي الأبناء من بيئةٍ فاسدةٍ أو مضطربةٍ تُفسد نشأتهم وسلوكهم.
٢- حق الحياة وتحريم الاعتداء
كما أحاطته الشريعة بأحكامٍ دقيقة، وقرَّرت له حقوقًا ثابتة، في مقدِّمتها حقُّه في الحياة والرعاية، وحرَّمت الاعتداء عليه بأي صورةٍ من صور الأذى أو الإجهاض بغير حق، صيانةً للنفس التي عظَّم الله شأنها، فقال سبحانه: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الأنعام: ١٥١]، وبيَّن القرآن الكريم عناية الله بالجنين، وتمام علمه بخلقه في أطوار تكوينه، فقال جلَّ وعلا: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ} [الزمر: ٦]؛ ليدلَّ ذلك على أنَّ هذا الجنين مخلوقٌ مُكرَّمٌ، معلومٌ عند ربِّه، محفوظٌ بعنايته.
حقوق تتعلق بعد ولادته
١- الاسم الحسن
وذلك لما للاسم من أثرٍ نفسيٍّ بالغ في تكوين شخصيته وثقته بنفسه، فعن أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ، وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ، فَأَحْسِنُوا أَسْمَاءَكُمْ» [رواه أبو داود].
وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم استبدال الأسماء القبيحة أو ذات المعاني المؤذية، بالأسماء الحسنة، فعن الإمام عَلِيٍّ رضي الله عنه، قَالَ: لَمَّا وُلِدَ الْحَسَنُ سَمَّيْتُهُ حَرْبًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: ” أَرُونِي ابْنِي، مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟ ” قَالَ: قُلْتُ: حَرْبًا. قَالَ: ” بَلْ هُوَ حَسَنٌ ” فَلَمَّا وُلِدَ الْحُسَيْنُ سَمَّيْتُهُ حَرْبًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: ” أَرُونِي ابْنِي، مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟ ” قَالَ: قُلْتُ: حَرْبًا. قَالَ: ” بَلْ هُوَ حُسَيْنٌ ” فَلَمَّا وُلِدَ الثَّالِثُ سَمَّيْتُهُ حَرْبًا، فَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: ” أَرُونِي ابْنِي، مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟ ” قُلْتُ: حَرْبًا. قَالَ: ” بَلْ هُوَ مُحَسِّنٌ “. [رواه أحمد].
٢- الرضاع والرعاية الجسدية
لقد نظَّم الإسلام شأن الرضاع تنظيمًا بالغ الدقَّة، يراعي مصلحة الطفل الجسدية والنفسية معًا، فجعل له أحكامًا واضحة تحفظ حقه في التغذية والرعاية والطمأنينة منذ اللحظات الأولى من حياته، قال الله تعالى: وَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: ٢٣٣]، فدلَّت الآية على أن مدة الرضاع الكاملة عامان، وهي المدة التي تكتمل فيها حاجة الطفل إلى لبن الأم، بما يحمله من غذاءٍ متوازن، وحمايةٍ مناعية، وأثرٍ نفسيٍّ عميق في بناء شخصيته واستقراره العاطفي.
ولم يقف التوجيه القرآني عند حدّ التغذية، بل شمل توفير البيئة الآمنة للرضيع، فقال سبحانه في السياق نفسه: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ٢٣٣]، إشارةً إلى أن استقرار الأم وطمأنينتها ونفقتها من مسؤولية الأب، لأن ذلك ينعكس مباشرة على صحة الطفل ونموه.
وجاءت السنة النبوية مؤكدةً لهذا المعنى، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “كفى بالمرء إثمًا أن يضيّع من يقوت” [رواه أبو داود]، وفيه تحذير شديد من التفريط في حقوق الصغار، ومن أعظمها حقهم في الرعاية والرضاع.
٣- حقوق مالية
ولم تقف عناية الإسلام عند حفظ حياته فحسب، بل أثبتت له حقوقًا مالية، فقرَّرت له حقَّه في الميراث، فيُحفظ نصيبه ويُنتظر أمره حتى يولد، تأكيدًا لاعتبار وجوده الشرعي وهو لا يزال في رحم أمِّه.
٤- التعليم من حقوق الطفل الأساسية في الإسلام
– فقد أولى الله العلم منزلة عظيمة، فقال تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: ١]، وهي أول كلمة نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم، تأكيدًا على أن التعلم حق لكل إنسان منذ الصغر، والآيات الدالة على طلب العلم وفضل أهله كثيرة، وأكد النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الحق فقال: ” طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ” [رواه ابن ماجه].
فشمل بذلك الأطفال أيضًا، وجعل واجبًا على الأهل توفير البيئة المناسبة للتعليم، والتعليم في الإسلام يشمل العلوم الدينية والدنيوية، ويهدف إلى بناء شخصية الطفل، وتنمية عقله، وتمكينه من معرفة الحق والواجب، وهو من أعظم وسائل صلاحه في الدنيا والآخرة.
– ومن أوجب الواجبات: تشجيع الطفل على قراءة القرآن وحفظه، وربطه بمعاني الآيات التي تنظم حياة المسلم.
– وكذلك أيضا: تعزيز حب اللغة العربية لدى الأطفال: فالقرآن الكريم هو مصدر اللغة العربية الفصحى وأساسها. عندما يتعلم الطفل القرآن، يزداد ارتباطه بلغته الأم، ويكتسب مهارات لغوية تُساعده على التعبير بشكل أفضل في مختلف مجالات الحياة.
٥- التربية الصالحة القويمة:
– من حقوق الطفل في الإسلام أن يُربَّى منذ صغره على القيم الفاضلة والعبادات، فالتربية على الصلاة، وحفظ الحقوق، وغرس الفضائل في القلب منذ الصغر، من أعظم ما يضمن له سعادة الدنيا والآخرة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» [رواه أبو داود]، فالتعويد على الطاعات يبدأ بالقدوة واللين، ويُكمل بالتوجيه والمثال الحسن.
– كما يجب غرس الرحمة والصدق والعدل في نفسه، ليكبر طفلًا صالحًا، يتعامل مع الناس بالحق، ويكون عضوًا فاعلًا في مجتمعه، لأن الطفل الذي يُرشد منذ الصغر إلى الخير، يكون حصنًا من الفساد، وجيلًا يحمل نور الإسلام في حياته وأفعاله.
– وكذلك تحصين الأطفال من الأفكار الدخيلة؛ فيربى الطفل على التفكير السليم والقدرة على التمييز بين الحق والباطل في ظل وجود العديد من الأفكار والمغريات.
تعامل الجناب النبوي المعظم صلى الله عليه وسلم مع الأطفال
١- كان صلى الله عليه وسلم عطوفا رحيما بالأطفال
وذلك لدرجة تلفت النظر، في البيئة العربية، يصحب معه في المسجد أمامة بنت أبي العاص، ابنة ابنته زينب، تقام الصلاة، فيحملها ويقف، ويقرأ فإذا ركع وضعها على أرض المسجد، يخشى عليها أن تقع منه عند الركوع، ويسجد بجوارها، فإذا قام للركعة الثانية حملها، وهكذا حتى يكمل صلاته، وابنة ابنته على كتفه وصدره، وأمام الوفود، وأكابر القوم يقبل الحسن والحسين، ابني فاطمة، فيعجب الكبراء ويقولون: أهكذا تقبلون أطفالكم؟ فيقول: نعم، فيقول أحدهم: إن لي عشرة من الأبناء، ما قبلت واحدا منهم، فيقول صلى الله عليه وسلم: وماذا أفعل؟ وما ذنبي، إذا كان الله قد نزع من قلوبكم الرحمة؟ أما نحن فقد غرس الله الرحمة في قلوبنا. صلى الله عليه وسلم.
أما حفيدته أمامة بنت أبي العاص؛ فعَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُصَلِّي وَهْوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلأَبِي الْعَاصِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا”. [رواه البخاري]
وأما الحسن والحسين: فعن شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِحْدَى صَلَاتَيِ الْعَشِيِّ – الظُّهْرِ أَوِ الْعَصْرِ – وَهُوَ حَامِلُ الحَسَنِ أَوْ الْحُسَيْنِ فَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَهُ، ثُمَّ كَبَّرَ لِلصَّلَاةِ، فَصَلَّى، فَسَجَدَ بَيْنَ ظَهْرَيْ صَلَاتِهِ سَجْدَةً أَطَالَهَا، فرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا الصَّبِيُّ عَلَى ظَهَرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَرَجَعْتُ فِي سُجُودِي، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ، قَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّكَ سَجَدْتَ بَيْنَ ظَهْرَيِ الصَّلَاةِ سَجْدَةً أَطَلْتَهَا، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ، أَوْ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْكَ؟ قَالَ: ” كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ، وَلَكِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي، فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ “. [رواه أحمد]
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى سُوقٍ مِنْ أَسْوَاقِ الْمَدِينَةِ، فَانْصَرَفَ فَانْصَرَفْتُ فَقَالَ: «أَيْنَ لُكَعُ» ثَلاَثًا «ادْعُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِىٍّ» فَقَامَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ يَمْشِى وَفِى عُنُقِهِ السِّخَابُ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ هَكَذَا، فَقَالَ الْحَسَنُ: بِيَدِهِ هَكَذَا، فَالْتَزَمَهُ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّى أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ». قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَىَّ مِنَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِىٍّ بَعْدَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا قَالَ. [رواه البخاري]
لكع: معناه الصغير
السخاب: القلادة من طيب ليس فيها ذهب ولا فضة أو هي من خرز أو قرنفل.
(فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بيده هكذا) بسطها كما هو عادة من يريد المعانقة.
(فقال الحسن بيده هكذا) بسطها.
٢- ولقد كانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ على عظيم قدره، وعلو منزلته، هو الذي يبدأ بالسلام على الأطفال
وذلك حباً لهم، ورِفقاً بهم، وتلطفاً معهم، ولإشعارهم بمكانتهم وإعطائهم الثقة بأنفسهم، وقد مدحهم وأثنى عليهم، قال أَنَس بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُخَالِطُنَا حَتَّى يَقُولَ لِأَخٍ لِي صَغِيرٍ يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ. [رواه البخاري]
وفي رواية: قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ قَالَ أَحْسِبُهُ فَطِيمًا وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَالَ يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ نُغَرٌ كَانَ يَلْعَبُ بِهِ فَرُبَّمَا حَضَرَ الصَّلَاةَ وَهُوَ فِي بَيْتِنَا فَيَأْمُرُ بِالْبِسَاطِ الَّذِي تَحْتَهُ فَيُكْنَسُ وَيُنْضَحُ ثُمَّ يَقُومُ وَنَقُومُ خَلْفَهُ فَيُصَلِّي بِنَا. [رواه البخاري].
وفي رواية “فكان إذا جاء لأم سليم يمازحه” وعند أحمد “يضاحكه” وفي رواية “يهازله” وعند أبي عوانة “يفاكهه” زاد في رواية “فجاء يوماً وقد مات نغيره، الذي كان يلعب به” زاد في رواية “فوجده حزيناً” وفي رواية “فسأل عنه، فأخبرته” وفي رواية “فقال: ما شأن أبي عمير حزيناً” وفي رواية “فقالت أم سليم: ماتت صعوته التي كان يلعب بها، فقال: أي أبا عمير. مات النغير؟ ” وفي رواية “فجعل يمسح رأسه ويقول: أبا عمير. ما فعل النغير” و”النغير” مصغر، وهو طير صغير معروف، يشبه العصفور، له منقار أحمر، واحده “نغرة” وجمعه “نغران”. [فتح الباري]
وعَنْ سَيَّارٍ قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ فَمَرَّ بِصِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، وَحَدَّثَ، أَنَّهُ كَانَ يَمْشِي مَعَ أَنَسٍ فَمَرَّ بِصِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ،، وَحَدَّثَ أَنَسٌ ” أَنَّهُ كَانَ يَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَرَّ بِصِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ “. [رواه البخاري وأحمد واللفظ له].
ولفظه عند النسائي والبغوي: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يزور الأنصار ويسلم على صبيانهم ويمسح برؤوسهم.
٣- وكان لا يأنف من الأكل معهم، ومع ذلك لو رأى منهم مخالفة للأدب، فكان ينصح لهم ويأمرهم بما يصلحهم
فقد نصح عمرو بن أبي سلمة بآداب الطعام بلين ورفق ورحمة، لما رأى منه مخالفة الأدب، فعن عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ قال: كُنْتُ غُلَامًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا غُلَامُ سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ. [رواه البخاري]
فهنا يحدثنا عمر بن أبي سلمة ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حادثة وقعت له قبل التاسعة من عمره حافظ بمقتضاها على آداب الطعام والشراب، كان يأكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلت يده تروح وتغدو في مواطن متعددة من الإناء، وأخذ يأكل من نواحي القصعة ولعله لم يسم الله عند ابتداء الأكل، ولاحظ الرسول عليه الأكل بالشمال فقال له: يا غلام قل بسم الله الرحمن الرحيم وكل بيمينك دون شمالك وكل مما يليك وما يقرب منك ولا تمدن يدك إلى موضع يد الذي يأكل معك، قال عمر: فسمعت ووعيت وأطعت وحافظت على النصيحة والعمل بها منذ سمعتها. [المنهل الحديث].
٤- وكان من عادة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا وُلِد لأحد منهم ولد أن يأتي به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأخذه النبي ويقبله، ويضمه إليه، ويدعو له بالبركة
فعَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه- قَالَ: وُلِدَ لِي غُلاَمٌ فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَسَمَّاهُ إِبْرَاهِيمَ، فَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ، وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ، وَدَفَعَهُ إِلَيَّ وَكَانَ أَكْبَرَ وَلَدِ أَبِي مُوسَى. [رواه البخاري]
وعَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُؤْتَى بِالصِّبْيَانِ فَيُبَرِّكُ عَلَيْهِمْ وَيُحَنِّكُهُمْ». [متفق عليه]
٥- وكان رحيما عطوفا على على أطفال غير المسلمين:
فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: “كَانَ غُلاَمٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ: أَسْلِمْ. فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهْوَ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَسْلَمَ. فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهْوَ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ”.
٦- فما أعظم أخلاقه صلى الله عليه وسلم، وما أشد تواضعه،
يحمل الأطفال، ويضعها في حجره، ويحنكها ويباركها، ويدعو لها، أما الأطفال الذين هم فوق سن الرضاعة فكان يمازحهم، ويتبسط معهم ويكنيهم، ويداعبهم، ويدعوهم بقوله: يا بني.
فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: ” قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا بُنَيَّ ” [رواه مسلم]
الخطبة الثانية
حماية الأطفال من الألعاب الإلكترونية
إن الألعاب الإلكترونية لم تعُد مجرد وسيلة ترفيه عابرة، بل تحولت– خاصة عند الأطفال– إلى إدمان حقيقي يهدد التربية، ويؤثر في صحة الأطفال وسلوكهم وتعليمهم، وربما تدمر طريقة تفكيرهم وتصيبهم بسطحية الفكر وتغرس بذور العنف في نفوسهم.
الإسلام يدعو إلى الترويح عن الأطفال
الألعاب التي يباشرها الأطفال إن كانت تساعده في تنمية الملكات أو توسعة القدرات الذهنية، أو في أي وجهٍ من وجوه النَّفع المعتد بها شرعًا وعُرفًا، أو كانت وسيلة للترويح عن النَّفس، شريطة أن لا يحتوي على محرَّم كالقِمَار مع ضرورة مراقبة ولي الأمر لهم عن كثبٍ حتى لا تؤثر بالسلب على الطفل نفسيًّا أو سلوكيًّا، ويختار له من الألعاب ما يناسب عُمُره وحاله، ويفيد في تربيته، وبنائه عقليًّا وذهنيًّا وأخلاقيًّا، ويكون ذلك في أوقات محددة كي لا ينشغل الأطفال بها عن أداء واجباتهم المنوطة بهم، أو يؤثر على صحتهم؛ لأن الإسلام دين يعطي كل ذي حقه من الجسد والروح؛ فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «…، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا» [رواه البخاري].
وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم هذا النوع من الألعاب، وشجَّع عليه؛ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَدْخُلُ عَلَيْنَا وَلِي أَخٌ صَغِيرٌ يُكْنَى أَبَا عُمَيْرٍ وَكَانَ لَهُ نُغَرٌ يَلْعَبُ بِهِ، فَمَاتَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَرَآهُ حَزِينًا، فَقَالَ: «مَا شَأْنُهُ؟» قَالُوا: مَاتَ نُغَرُهُ، فَقَالَ: «يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟» [متفق عليه].
ويجب على الوالدين أن يكون صنيعهم مع أطفالهم هذا في إطار الرفق واللين، وحُسن التوجيه؛ فعن أبي هريرة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم قال: «عَلِّمُوا، وَلَا تُعَنِّفُوا؛ فَإِنَّ الْمُعَلِّمَ خَيْرٌ مِنَ الْمُعَنِّفِ». [رواه البيهقي في “شعب الإيمان”].
الألعاب الضارة أو غير المفيدة على الأطفال
أما إذا كانت هذه الألعاب التي يلعب بها الأطفال فيها ضرر على عقولهم أو أبدانهم، أو تحتوي على محظورات ومخالفات منهي عنها كالمقامرة أو تُشجِّع على ارتكاب الرذيلة، أو تنشر الإباحية الجنسية، أو تُروج لأمور مُخلَّة بالقيم والأعراف الاجتماعية والوطنية، أو تهدم الـهُوية، وتمس المقدسات الدينية، أو تحث الأطفال على القتل والعُنف والعدوان، أو انتهاك خصوصيات الآخرين، أو تنشر مفاهيم مخالفة للإسلام ومبادئه السمحة؛ فلا خلاف على حرمتها ومنعها قولًا واحدًا.
واجب الوالدين في توجيه الأطفال للابتعاد عن الألعاب غير المفيدة
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: ٦].
قال علي بن أبي طالب، ومجاهد، وقتادة: «معناه: عَلِّمُوهُمْ مَا يَنْجُونَ بِهِ مِنْ النَّارِ». [المجموع شرح المهذب]
وعَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهُ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ أَحَفَظَ أَمْ ضَيَّعَ؟!» [رواه ابن حبان].
من هنا وجب على الآباء أن يربوا أطفالهم على قوة العزيمة، والتقليل من هذه الألعاب شيئًا فشيئا، وشغل أوقاتهم فيما يفيدهم كحفظ القرآن الكريم أو مطالعة قصص متنوعة تناسب أعمارهم، وأن يضعوا لهم برنامجًا يوميًّا يسيرون عليه، وفق خُطة محكمة؛ قال أَبِي الدَّرْدَاءِ: «الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَالْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، وَمَنْ يَتَحَرَّ الْخَيْرَ يُعْطَهُ وَمَنْ يَتَوَقَّ الشَّرَّ يُوقَهُ». [رواه البيهقي في “شعب الإيمان”].
كما أن هناك بعض الألعاب الإلكترونية يؤدي إدمانها، والتفاعل معها إلى مخاطر جسيمة؛ لأنها قد تسبب الانتحار أو الإلحاد أو تشجع على الإباحية المُطلقة والشذوذ الجنسي؛ لذلك يجب الإلمام التام بالمواقع والمواد التي يستخدمها الأطفال؛ لحمايتهم من أضرارها، وتجنب تصفحها السيئة.
إجراءات عملية لمواجهة “الألعاب الإلكترونية غير المفيدة للأطفال”
– تعليم الأطفال الفرق بين الألعاب المفيدة والمضرة، وأثر الإدمان على التحصيل الدراسي والصحة النَّفسية.
– رصد علامات الإدمان أو التشتت الناتج عن الألعاب ومتابعتها تربويًّا.
– تحديد أوقات استخدام الأجهزة الإلكترونية؛ بوضع “جدول زمني مرن” لا يتجاوز ساعة إلى ساعتين يوميًا، مع إشراف مباشر من الأهل.
– اللعب المشترك بين الآباء والأبناء؛ ليشعر الطفل بالمشاركة والرقابة في آنٍ واحد، مع النقاش حول سلوكيات اللعبة وأفكارها.
– تقديم بدائل واقعية مشوقة؛ مثل الرحلات القصيرة، والأنشطة الرياضية، والألعاب الجماعية الحقيقية التي تُغني عن العالم الافتراضي.
– الرقابة التقنية؛ باستخدام برامج “التحكم الأبوي (Parental Controlلتقييد الألعاب الضارة ومراقبة الوقت والمحتوى.
– إجراء فحوصات دورية للأطفال المدمنين على الألعاب؛ للكشف المبكر عن اضطرابات النوم والتركيز والسلوك العدواني


