أكد السياسي والاقتصادي والأمين العام السابق لحزب العمال الاشتراكي، توماس غوميز، في تصريحات له حول دراسة اقتصادية حديثة عن سوق التبغ في أن السياسات الحالية في إسبانيا المتعلقة بمنتجات التبغ والنيكوتين لم تشهد الابتكار الكافي مقارنة ببقية السياسات الصحية العامة.
وأوضح أن التشريعات المعمول بها، والتي تعتمد على الرفع المستمر للضرائب وتشديد القيود على منتجات التبغ دون تمييز بين التقليدي والبدائل، تنطلق من منطلقات أيديولوجية أكثر منها علمية، ما يجعلها أقل فعالية في تحقيق أهداف الصحة العامة.
وأشار غوميز إلى أن معدل استهلاك التبغ القانوني ارتفع في إسبانيا خلال عام 2024 إلى 1,400,000,000 وحدة، بزيادة بلغت 52,000,000 وحدة عن العام السابق، ما تسبب بخسائر مالية تجاوزت 263,000,000 يورو في الإيرادات الضريبية.
وأضاف أن تجارة السجائر غير القانونية في فرنسا وصلت إلى 18,700,000,000 وحدة، منها 7,800,000,000 سجائر مقلدة، فيما سجلت هولندا تضاعف التهريب بنسبة 14٪ خلال عام واحد فقط.
ولفت غوميز إلى نتائج الدراسة الاقتصادية التي أظهرت أن منتجات النيكوتين الخالية من الدخان، مثل السجائر الإلكترونية والتبغ المسخن وأكياس النيكوتين، تقلل المخاطر الصحية بنسبة تتراوح بين 70٪ و90٪ مقارنة بالتدخين التقليدي، كونها تقضي على معادلة الاحتراق وتقلل التعرض للمواد السامة.
وأكد أن هذه البدائل تحد أيضاً من التأثير السلبي على المحيطين بالمستهلك، محذراً من أن التعامل معها بنفس صرامة السجائر التقليدية يفقد التشريعات معناها العلمي والمنطقي.
وشدد غوميز على أن صياغة سياسات ناجحة تتطلب نهجاً مزدوج المسار: أولهما مسار الوقاية الصارم لمنع وصول القاصرين إلى أي من منتجات النيكوتين عبر رقابة صارمة وتوعية مجتمعية، وثانيهما مسار التنظيم العلمي للبالغين، بما يتيح لهم الوصول إلى بدائل أقل خطورة ضمن إطار رقابي شفاف يشجع الابتكار والبحث العلمي. وأشار إلى أن التجارب الدولية من السويد إلى اليابان أثبتت أن الاستثمار في الحد من المخاطر لا يقلل من الصحة العامة بل يعززها، مع حماية الشباب ومساعدة المدخنين على الانتقال إلى بدائل أقل ضرراً، إلى جانب دعم الاقتصاد الذي يقدر بمليارات اليوروهات سنوياً.
وأوضح غوميز أن السياسات القائمة على المنع الشامل لمنتجات التبغ لم تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية للصناعة، التي تعتبر من أقدم الصناعات في إسبانيا منذ عام 1880، وتشكل اليوم نحو 21.4٪ من قطاع التصنيع، و2.6٪ من الناتج المحلي الإجمالي.
وأضاف أن تجاهل هذه الحقائق الاقتصادية في سن تشريعات صارمة يؤدي إلى نتائج كارثية، بالرغم من أن حماية الصحة العامة واجب لا جدال فيه.
وأشار إلى أن تجارب ثمانينيات القرن الماضي في غاليسيا، شمال غرب إسبانيا، أظهرت كيف أدى تشديد القوانين على تهريب التبغ إلى انتقال العصابات نفسها لتجارة الممنوعات الأخرى، لأن العقوبة كانت واحدة بينما تضاعف الربح، وهو درس يؤكد أهمية الموازنة بين التنظيم الفعال وحماية الاقتصاد والمجتمع.
ولفت غوميز إلى أن الدول التي اعتمدت مقاربة الحد من المخاطر، مثل السويد والمملكة المتحدة واليابان، نجحت في تقليل معدلات التدخين بشكل كبير. ففي السويد، التي أتاحت منتجات النيكوتين البديلة ضمن لوائح دقيقة،
انخفضت معدلات التدخين إلى أقل من 5٪، وهو أدنى معدل في أوروبا، مما يبرهن على أن الابتكار المبني على الأدلة يمكن أن يحمي الصحة العامة أكثر من سياسات المنع الصارمة وحدها.
وأكد غوميز أن صياغة السياسات الذكية في مجال التبغ يجب أن توازن بين حماية الشباب ومنع وصولهم إلى منتجات النيكوتين، وتمكين المدخنين البالغين من استخدام بدائل أقل خطورة، مع تعزيز ثقافة المواطنة المسؤولة والاختيار الواعي.
وقال إن هذه الاستراتيجية لا تقتصر على الصحة العامة فقط، بل تحافظ على التنافسية الاقتصادية لقطاع يقدر بمليارات اليوروهات سنوياً، وتحد من نمو السوق السوداء التي تغذيها سياسات المنع الشامل.


