تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا يقول صاحبه: خرج زوج شقيقتي واستقل سيارته ربع نقل مع رفيقه -متوكلًا على الله- لينقل بعض الأثاث مقابل أجر، وبعد خروجه بنصف ساعة انقلبت السيارة ووافته المنية وهو في السيارة بسبب الحادث؛ فهل يعتبر شهيدًا؟ وما هي درجته؟
 

وأجابت دار الإفتاء عن السؤال قائلة: قرر الفقهاء أن الشهيدَ الكَاملَ هـو شهيد الدنيا والآخرة، وهو المسلم المكلف الذي قتله أهل الحرب أو أهل البغي، وكان موتـه فور إصابته بأن لم يباشر أمرًا من أمور الدنيا بعدها، وحكمه أن لا يكفن ولا يصلى عليه ولا يغسل.

وتابعت: أما شهيد الآخرة فقد قال العلامة ابن عابدين: إنهم نحو الثلاثين، وزادهم بعض الفقهاء إلى نحو الأربعين؛ منهم: الغريق والحريق والغريب، ومن مات في سبيل طلب العلم، وقد نص العلامة ابن عابدين في “حاشيته” على أن من سعى على امرأته وولده وما ملكت يمينه يقيم فيهم أمر الله تعالى ويطعمهم من حلال كان حقًّا على الله تعالى أن يجعله من الشهداء في درجاتهم يوم القيامة. وهؤلاء يغسلون ويكفنون ويصلى عليهم.

لماذا لا تؤدى صلاة الجنازة على الشهيد

أوضح الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، حقيقة الحكم الشرعي المتعلق بعدم الصلاة على الشهيد، مبينًا أن هذا الأمر يرتبط بمكانة الشهيد في الإسلام وطبيعة حياته بعد الاستشهاد، مؤكدًا أن الشهداء لا يُعدّون أمواتًا بالمعنى المتعارف عليه، بل لهم حياة خاصة في البرزخ، فهم أحياء عند ربهم يُرزقون.

وخلال تفسيره لآيات سورة آل عمران من الآية 169 حتى الآية 171، والتي يقول فيها الله تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾، أكد الدكتور علي جمعة أن هذه الآيات الكريمة تكشف بوضوح سبب عدم إقامة صلاة الجنازة على الشهيد، موضحًا أن الصلاة إنما تُؤدَّى على من فارق الحياة، بينما الشهيد حيٌّ في ميزان الله.

وبيّن أن الشهداء ينعمون بحياة برزخية خاصة، مستشهدًا بما ورد في الأحاديث النبوية الشريفة التي تذكر أن أرواحهم تكون في حواصل طير خضر في الجنة، تسرح وتأكل وتشرب وتتنعم بما أعده الله لهم من فضل، وهو ما يؤكد أنهم قد سبقوا إلى الرحمة والنعيم.

وأشار مفتي الجمهورية السابق إلى أن صلاة الجنازة شُرعت في الأصل للدعاء للميت بالمغفرة والرحمة، بينما الشهيد قد نال الرحمة بالفعل، ولذلك فهو غير محتاج إلى هذا الدعاء، بل إن الأحياء هم الأحوج إليه.

كما أوضح الدكتور علي جمعة أن للشهيد منزلة عظيمة يوم القيامة، حيث يكون من الشفعاء، فيشفع لأهله وأقاربه وأحبابه، وفسّر قوله تعالى: ﴿عِندَ رَبِّهِمْ﴾ بأن لفظ «عند» يُستخدم للدلالة على المكان أو الزمان أو الحكم، والمعنى هنا أنهم في حكم الله واعتباره في نعيم دائم ورزق مستمر.

وتحدث عن حال الشهداء، مؤكدًا أنهم في فرح وسرور بما آتاهم الله من فضله، ويستبشرون بإخوانهم الذين لم يلحقوا بهم بعد، حاملين لهم رسالة طمأنينة مفادها أنه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. كما بيّن أن استبشار الشهداء يتضمن دعاءً ورجاءً بأن يُلحق الله الأحياء من إخوانهم بما هم فيه من نعمة وفضل.

وفي السياق ذاته، أشارت دار الإفتاء المصرية في فتاوى سابقة إلى أن الشهداء في الإسلام ليسوا نوعًا واحدًا، موضحة أن هناك شهيد الدنيا والآخرة، وهو من يُقتل في المعارك في سبيل الله، وهذا لا يُغسل ولا يُكفن ولا تُصلّى عليه صلاة الجنازة. 

وفي المقابل، هناك شهداء الآخرة فقط، مثل الغريق والمبطون وصاحب الهدم، وهؤلاء يُغسلون ويُكفنون وتُقام عليهم صلاة الجنازة، رغم نيلهم أجر الشهادة في الآخرة.

وأكدت الإفتاء أن الأصل في شهيد المعركة عدم الغسل أو الصلاة عليه، بينما من اعتبرهم الشرع شهداء في الآخرة لأسباب أخرى، فإنهم يُعاملون بالأحكام الدنيوية المعتادة، مع ثبوت فضل الشهادة لهم عند الله.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version