هناك أمر واحد بات شبه مؤكد في الحرب الروسية الأوكرانية، وهو أنه لن يكون هناك منتصر ومهزوم خلال الأسابيع أو الشهور، وربما السنين المقبلة، بحسب المتخصص الأميركي في الشؤون العسكرية والأمن القومي توبين هارشو.
وفي تحليل نشرته وكالة بلومبيرغ للأنباء، يقول هارشو إنه لا أحد حتى الآن يعرف شكل الانتصار الذي يمكن أن يحققه أي طرف، مشيرا إلى أن ماكس هيستنغس، المراسل العسكري المخضرم وكاتب المقالات في بلومبيرغ، كتب منذ حوالي عام “في وقت من الأوقات، كان الإصرار على إنهاء الحرب بالنصر يعدّ دليلا على الشجاعة والعزم، وكان لهذه الكلمة صداها القوي لدى القادة السياسيين والعسكريين على مر التاريخ.. لكن الوصول إلى هذه النتيجة في صراعات القرن الـ21 يبدو بعيد المنال”.
وفي تحليله، نشر هارشو مقابلة مع صامويل شارب عالم السياسة المرموق في مؤسسة راند الأميركية والمؤلف المشارك لكتاب “الجميع يخسرون.. أزمة أوكرانيا والسباق المدمر في منطقة أوراسيا بعد الاتحاد السوفياتي”، والذي عمل في إدارة التخطيط السياسي بوزارة الخارجية الأميركية في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، ونشر مقالا ذاع صيته في العدد الأخير من مجلة “فورين أفيرز” الأميركية بعنوان “حرب بلا منتصر” عن الصراع في أوكرانيا.
وردا على سؤال هارشو عما إذا كان قد تصور منذ 15 شهرا أن أوكرانيا ستستطيع الصمود بهذه القوة وأن الغرب سيدعمها بهذا الشكل، قال شارب: بالطبع لا. فلا أحد كان يستطيع التنبؤ بالموقف الحالي. والجميع داخل الإدارة الأميركية والمحللون الإقليميون المستقلون كانوا متفقين على أن روسيا ستتمكن من استغلال تفوقها العسكري الكاسح وحسم الصراع في وقت قصير.
نقاط القوة والضعف
وأشار شارب إلى أن الأسلحة التي قدمها الغرب لأوكرانيا في بدايات الصراع كانت أسلحة للمقاومة الشعبية وليست للجيوش النظامية مثل صواريخ ستينغر وجافلينز المحمولة على الكتف.
وبحسب شارب، فقد كان الافتراض هو أن روسيا ستطيح بسرعة بالحكومة الأوكرانية المنتخبة، لكن أداء الأوكرانيين العسكري فاق كل التوقعات، كما أن الروس في المقابل ارتكبوا سلسلة من الأخطاء الكارثية أفقدتهم كل نقاط تفوقهم وقوتهم.
وردا على سؤال عما إذا كان قلقا من أن يحقق الهجوم المضاد الأوكراني الحالي نجاحا فائقا يرفع طموحات الأوكرانيين ليحاولوا استعادة كل أراضي إقليم دونباس، وربما شبه جزيرة القرم التي استولت عليها روسيا في 2014، قال الخبير الإستراتيجي شارب “أعتقد أن احتمال حدوث ما يسمى بالنجاح الكارثي للأوكرانيين ضئيل، لكن لا يمكن استبعاد حدوثه تماما. بمعنى آخر، استعادة أوكرانيا حدودها المعترف بها دوليا نتيجة غير محتملة للهجوم الحالي”.
ويقول هارشو إن تاريخ الحروب يقول إن أي حرب استمرت أكثر من عام، تستمر لعقد كامل، فهل إطالة أمد الحرب يخدم روسيا في ضوء مساحتها الضخمة وقاعدتها الصناعية القوية نسبيا؟ وهل يمكن أن تتحول ببساطة إلى صراع جديد من “الصراعات المجمدة” لبوتين مثل الصراع مع مولدوفا ومع أوسيتيا الجنوبية-أبخازيا؟
يرى صامويل شارب أن السؤال عن الجانب الذي يلعب الوقت لصالحه بالغ الأهمية، وفي الوقت نفسه بالغ الصعوبة، لأن كل شيء يتوقف على الفترة الزمنية المقصودة. فالفترة من 12 إلى 18 شهرا قد تخدم طرفا في الصراع، لكن عندما تمتد إلى ما بين 18 و24 شهريا، تصبح ضد هذا الطرف.
وفي الوقت نفسه، من المهم القول إنه إذا ظلت لدى الغرب الإرادة السياسية لمواصلة دعم أوكرانيا، ستجد روسيا نفسها تقاتل أوكرانيا ومعها الموارد العسكرية والاقتصادية للغرب.
“الصراع المجمد”
أما بالنسبة للصراع المجمد، فإن تعريفه أمر مهم. وهو يعرف الصراع المجمد بأنه موقف يتوقف فيه إطلاق النار دون وجود تسوية سياسية بين الطرفين المتحاربين. لذلك ففي مولدوفا لم يتم إطلاق رصاصة منذ 30 عاما، ولكن لا توجد تسوية سياسية، الأمر نفسه ينطبق على شبه الجزيرة الكورية على مدى 70 عاما.
وبالنسبة للصراع الحالي، فإذا وصلنا إلى انتهاء المرحلة الساخنة، حيث يتوقف الهجوم الروسي على أوكرانيا، فسيكون ذلك إنجازا أكثر منه نتيجة سلبية.
ويواصل شارب حديثه فيقول إن الموقف ينطوي على عاملين شديدي الأهمية، الأول أنه لا روسيا ولا أوكرانيا في موقف يتيح لأي منهما احتلال عاصمة الدولة الأخرى والإطاحة بنظام الحكم فيها أو تدميرها عسكريا، لذلك فكلا الجانبين سيخرج من الحرب ولدى كل منهما قدرات عسكرية يمكن أن تمثل تهديدا للطرف الآخر في المستقبل.
والعنصر الثاني هو أنه من غير المحتمل أن يتمكن أي طرف من تحقيق أهدافه بالنسبة للاستيلاء على الأرض. ولن يعترف أي طرف بالخط الفاصل القائم عندما تصمت المدافع، باعتباره حدودا شرعية. لذلك ستظل الدولتان في حال مواجهة ممتدة بعد انتهاء مرحلة الحرب الساخنة، وهذان العاملان سيكونان أكثر أهمية من خط المواجهة الدقيق في تحديد طبيعة الحرب.
وأخيرا، وردا على سؤال عما يمكن أن يرغم بوتين على الجلوس إلى مائدة التفاوض، قال صامويل شارب إنه سمع هذا السؤال في العديد من عواصم دول حلف شمال الأطلسي “ناتو” (NATO) خلال الفترة الأخيرة، والجواب المختصر هو أنه لا أحد يعرف الإجابة، ويجب أن نتحلى بالتواضع بشأن قدرتنا على التنبؤ بقرارات شخصية أوتوقراطية.
وهذا التحدي يضاف إلى حقيقة أنه لا توجد حتى اللحظة الراهنة مائدة مفاوضات معروضة عليه، كما أنه لا الغرب ولا أوكرانيا حاولوا منذ مايو/أيار 2022 اختبار مدى استعداد بوتين أو ممثليه للجلوس إلى مائدة التفاوض إذا عرضت عليه.
وفي هذه اللحظة، يتابع شارب بالقول إن الموقف الغربي يرى ضرورة إعطاء الحرب فرصة حتى تحسن أوكرانيا موقفها قبل الحديث عن مائدة مفاوضات. ورأيي أنه يجب فتح قنوات اتصال الآن حتى نعرف ما إذا كان مستعدا للمحادثات أو متى سيكون ذلك.