قبل يومين، قدم المسؤول في وزارة الخارجية الأميركية جوش بول استقالته بسبب تعامل إدارة الرئيس جو بايدن مع الحرب الدائرة في قطاع غزة، ووصف سلوك واشنطن بأنه “رد فعل متهور” قائم على “الإفلاس الفكري”.
وأمس الخميس، قال توم بورتيوس نائب مدير البرامج في هيومان رايتس إن على الدول الغربية إذا كانت تريد إقناع بقية العالم بتصديق ما تقوله حول القيم وحقوق الإنسان والقوانين الدولية التي تحكم الصراع المسلح، أن تطبق المبادئ العالمية نفسها إزاء استهتار إسرائيل الوحشي بحياة المدنيين في غزة، “على غرار ما تفعل مع روسيا وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)”.
وعليه، فإن الفعل الذي يكون جريمة بشعة في منطقة، يكون حقا مشروعا ودفاعا عن النفس في منطقة أخرى، والمسؤول الذي يتحدث بألم أمام قتل المدنيين في إحدى الدول، لا يحس بأدنى حرج يمنعه من تأييد القاتل والتضامن معه في دولة أخرى.
وفيما يلي 5 أدلة على أن المسؤول الغربي يمتلك لسانين لكل واحد منهما مناسبته الخاصة به:
1 – جئتكم بصفتي يهوديا
في 20 من أغسطس/آب الماضي عبر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن عن حزنه وألمه إزاء مقتل 7 أشخاص في قصف شنته روسيا على تشيرنيهيف شمالي أوكرانيا.
وكتب بلينكن على منصة إكس “ندين بأشد العبارات هجوما مروعا آخر بالقذائف على مدنيين أبرياء في تشيرنيهيف”، داعيا روسيا إلى “إنهاء حربها الوحشية الآن”.
وفي 12 أكتوبر/تشرين الأول الجاري بلينكن نفسه زار إسرائيل التي قتلت في عدوانها الحالي على غزة نحو 4 آلاف مدني معظمهم من النساء والأطفال.
وهنا تحدث بينكن بلسانه الثاني وقال إنه يقف إلى جانب إسرائيل، وإنه يزورها بصفته يهوديا، وتعهد بتوفير كل ما تحتاجه من أسلحة وأموال. ولم يتحدث عن الجرائم البشعة والوحشية التي تقترفها بحق الأبرياء العزل.
2 – هذا حلال وهذا حرام
في 13 أبريل/ نيسان 2022 دان الرئيس الأميركي ما سماها إبادة ترتكبها القوات الروسية في أوكرانيا.
وقال إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “يحاول القضاء على فكرة أن يكون المرء أوكرانيا”.
وقد دعم بايدن إصدار الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق بوتين انطلاقا من كونه متهما بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا.
وعندما بدأت إسرائيل عدوانها الأخير على غزة وصبت الجحيم على رؤوس الأطفال والنساء، لم يتذكر مصطلحات الإبادة الجماعية وجرائم الحرب وترويع المدنيين.
لقد تحدث بلسانه الثاني، وقال إن حركة حماس “قطعت رؤوس الأطفال الإسرائيليين” أثناء شنها عملية طوفان الأقصى، وهي العملية التي جاءت ردا على جرائم الاحتلال بحق المدنيين وتدنيسه المتكرر للمسجد الأقصى المبارك.
ولاحقا تراجع البيت الأبيض عن اتهام حركة حماس بقتل الأطفال.
وبعد أيام تحدث بايدن أيضا بلسانه الثاني وقال إنه لن يطلب من إسرائيل وقف إطلاق النار في غزة، بل ذهب أبعد من ذلك وقال إن لديه معلومات بأن المقاومة هي التي ارتكبت مجزرة المستشفى المعمداني في غزة، ترديدا للرواية الإسرائيلية.
3 – موت النبرة الإنسانية
وفي أبريل/ نيسان 2022، بدا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون غاضبا جدا إزاء “قتل روسيا مدنيين في بلدة بوتشا الأوكرانية”.
وقال الرئيس الفرنسي بلسانه الأول إن ثمة “أدلة واضحة جداً” تشير إلى أن القوات الروسية مسؤولة عن جرائم حرب في أوكرانيا، ودعا لفريض المزيد من العقوبات على موسكو.
في أكتوبر/تشرين الأول الجاري أدلى ماكرون بعدة تصريحات حول الصراع العربي الإسرائيلي، ولكنه تحدث هذه المرة بلسانه الثاني.
ففي الوقت الذي وصف فيه حركة حماس بأنها إرهابية، لم يدن قتل إسرائيل للمدنيين وتدميرها للمنازل على رؤوس ساكنيها، ولم يتلفظ بمصطلحات ومفردات الوحشية والبربرية والإبادة الجماعية وجرائم الحرب.
4 – هذه جريمة وهذا دفاع عن النفس
في الثالث من أبريل/نيسان 2022، حث المستشار الألماني أولاف شولتس على تسليط الضوء على “الجرائم التي ارتكبها الجيش الروسي في بلدة بوتشا الأوكرانية”.
وقد شدد المستشار الألماني على “وجوب محاسبة مرتبكي هذه الجرائم ومن خطط لها”، مطالبا بإفساح المجال أمام منظمات دولية لدخول المنطقة “لتوثيق هذه الفظائع”.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول الجاري زار المستشار الألماني إسرائيل وأدلى بتصريحات عديدة حول عملية طوفان الأقصى والحرب الإسرائيلية على غزة.
ولكنه هذه المرة كان يصرّح بلسانه الثاني، فقد أكد وقوفه إلى جانب إسرائيل في “الدفاع عن نفسها”، وحث أجهزة الأمن الألمانية على عدم التسامح مع أي تظاهرة تشهد تضامنا مع المقاومة الفلسطينية التي تكافح الاحتلال الإسرائيلي.
أما الجرائم البشعة في غزة، فلم يدنها ولم يطالب بتوثيقها ولم يتحدث عن هدنة إنسانية ولا عن أي شيء يعكس أنه شعر بالحزن والألم اللذين أحس بهما إزاء المدنيين الأوكرانيين.
5 – إني معكم وأقف إلى جانبكم
في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، وأثناء حضوره قمة العشرين في إندونيسيا، شن رئيس الوزراء البريطاني ذي الأصول الهندية ريشي سوناك هجوما لفظيا على روسيا ووصفها بالدولة المنبوذة نظرا لما “تقترفه من جرائم في أوكرانيا”.
وفي مقال كتبه لصحيفة ديلي تلغراف، قال سوناك إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “مسؤول عن الكثير من إراقة الدماء في أوكرانيا”.
وفي 19 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وصل سوناك إلى إسرائيل وهي تواصل قصف المستشفيات والمساجد والكنائس في غزة.
ولكنه لم يدن هذه الهجمات، ولم يقل للمسؤولين إن قتل 4 آلاف مدني تصرف همجي وإن عليهم التوقف.
لقد تحدث بلسانه الثاني وقال لهم: “إني معكم وأقف إلى جانبكم”.