تباينت مواقف المسؤولين الأميركيين بخصوص استهداف المستشفيات والبنية التحتية والمدنيين والصحفيين خلال الحرب الروسية الأوكرانية، والهجمات الإسرائيلية الوحشية على قطاع غزة والتي أدت حتى الحين لسقوط أزيد من 9 آلاف شهيد فلسطيني معظمهم من النساء والأطفال.
ففي حين لا يتردد مسؤولو الحكومة الأميركية في توجيه الاتهامات لروسيا وإدانتها ومحاصرتها بفرض عقوبات قاسية عليها بسبب الحرب في أوكرانيا، يتخذون موقفا معاكسا فيما يتعلق بالهجمات الإسرائيلية على غزة.
ويدلي المسؤولون الأميركيون بتصريحات تؤكد وقوفهم إلى جانب إسرائيل ويصفون حركة حماس بـ”الإرهابية” رغم أنها حركة تحررية تقاوم الاحتلال، وفقا للمواثيق والشرائع الدولية.
ورغم أن عدد الضحايا المدنيين في قصف إسرائيل لمستشفى المعمداني في غزة كان أكبر بكثير من خسائر استهداف روسيا لمستشفى التوليد في ماريوبول، الأوكرانية في 9 مايو/أيار 2022، فإن الإدارة الأميركية لم تظهر نفس رد الفعل القاسي تجاه تل أبيب بعكس ما قامته به ضد روسيا، بل وتهربت من تحميل إسرائيل مسؤولية القصف.
في نظر بايدن.. إسرائيل بريئة وبوتين مجرم
وفي تعليقه على استهداف المستشفى في ماريوبول، قال الرئيس الأميركي جو بايدن إن هذا ظلم، وعار على العالم بأسره، فالعالم كله متحد من أجل دعم أوكرانيا وجعل (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين يدفع ثمنا باهظا.
بالمقابل، قال بايدن بشأن الهجوم الإسرائيلي على مستشفى المعمداني بغزة “حزنت كثيرا على الانفجار في المستشفى، وغضبت كثيرا، وبحسب ما رأيت فإن المسؤول عن ذلك لستم أنتم (إسرائيل) وإنما الطرف الآخر”، محاولا تبرئة إسرائيل رغم عدم امتلاكه أي دليل يثبت ذلك.
كما وصف بايدن ما حدث في أوكرانيا بأنه “إبادة جماعية”، بينما غادر مؤتمرا صحفيا عند سؤاله بشأن إسرائيل.
ووصف بايدن المقابر الجماعية التي عثر عليها في منطقة بوتشا الأوكرانية بأنها “إبادة جماعية”. وقال “أصبح من الواضح أكثر فأكثر أن بوتين يحاول القضاء على فكرة أن يكون المرء أوكرانيا، ويزداد حجم الأدلة مع مرور كل يوم، وتتوالى المزيد من الأدلة على الأشياء الفظيعة التي ارتكبتها روسيا في أوكرانيا”.
ولدى عودته من زيارته لتل أبيب عقب الهجوم على غزة، سأله أحد الصحفيين بشأن ما إذا كان الإسرائيليون يتصرفون في إطار قانون الحرب؟ ليرد عليه بجواب غريب متجاهلا السؤال، وقائلا: “كان من الجميل التحدث إليكم جميعا”. وأدار ظهره وغادر.
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي يشن الجيش الإسرائيلي حربا على قطاع غزة، أسفرت عن استشهاد أزيد من 9 آلاف مدني معظمهم من النساء والأطفال، إلى جانب إصابة 22 ألفا وتسببت بوضع إنساني كارثي.
بلينكن يرى بعين إسرائيلية
أما وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن فبقي صامتا حيال الهجوم الإسرائيلي على مستشفى المعمداني بغزة، لكن في تعليقه على استهداف روسيا لمستشفى ماريوبول، أكد أن روسيا تستهدف المسارح والمستشفيات.
وقال يومها “الرئيس بايدن مؤمن بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا، وأنا أوافقه على ذلك، فاستهداف المدنيين عمدا هو جريمة حرب”.
وبالمقابل، تجنب بلينكن إدانة الهجوم على مستشفى غزة، ولم يصدر عنه أي تصريح بشأن الموضوع رغم مرور نحو أسبوعين على الهجوم.
وفي مؤتمر صحفي في 20 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لم يتطرق بلينكن إلى مسألة “جريمة الحرب بخصوص المدنيين الذين قضوا في المنطقة، وحمّل حركة “حماس فقط المسؤولية عن سقوط المدنيين الذين قتلوا في هجمات إسرئيلية”.
وفي 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، قال بلينكن إن “بوتين يواصل الحرب ضد المدنيين بسبب هزيمته عسكريا، عبر تدمير البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا وقطع الكهرباء والتدفئة والمياه”.
وأكد “ضرورة قيام جميع الدول بمساعدة أوكرانيا من أجل إعادة إصلاح البنية التحتية المدمرة”.
وفي كلمة أخرى في نفس اليوم، قال بلينكن “بينما تواصل أوكرانيا اكتساب الزخم في ساحة المعركة، يوجه بوتين غضبه ونيرانه نحو المدنيين في أوكرانيا، وجرّت روسيا الملايين إلى البر والظلام عبر قصفها ثلث نظام الطاقة في أوكرانيا”.
وعلى النقيض من ذلك، تجنب بلينكن التطرق إلى قطع إسرائيل الكهرباء والوقود والمياه عن غزة، وحمّل حماس مسؤولية استهداف إسرائيل للبنى التحتية في القطاع، واتهمها باستخدام المدنيين كدروع بشرية.
البيت الأبيض.. مسرح التناقض
واتخذ مسؤولو البيت الأبيض مواقف متباينة بشأن الهجمات على المستشفيات في أوكرانيا وفي غزة.
وبخصوص قصف مستشفى ماريوبول، وصفت المتحدثة باسم البيت الأبيض آنذاك، جين ساكي، القصف الروسي بأنه “مرعب وهمجي”. وأشارت إلى أن ذلك يشكل جريمة حرب.
ولكن بخصوص قصف مستشفى المعمداني في غزة، لم تصدر أي إدانة من مسؤولي البيت الأبيض على الهجوم، فيما اكتفت المتحدثة باسم المجلس القومي للبيت الأبيض، أدريان واتسون، بالقول إن “المعلومات التي بين أيديهم تشير إلى أن إسرائيل غير مسؤولة عن الهجوم على المستشفى”.
وكذلك، ظهر اختلاف واضح في رد فعل المسؤولين الأميركيين تجاه روسيا وإسرائيل فيما يتعلق باستهداف الصحفيين.
فعقب مقتل الصحفي الأميركي برنت رينود في أوكرانيا، قال متحدث الخارجية الأميركية آنذاك نيد برايس “نشعر بالصدمة جراء مقتل وجرح الصحفيين ومنتجي الأفلام على يد قوات الكرملين، رغم أنهم لم يكونوا يقاتلون على الأرض”.
وبالمقابل، لم يدن متحدث الوزارة الحالي ماثيو ميلر إسرائيل بشأن مقتل 36 صحفيا حتى اليوم جراء القصف الإسرائيلي، ولم يوجه لها أي اتهامات بهذا الصدد.
واكتفى ميلر، في مؤتمر صحفي في 26 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بالقول إن “حكومة واشنطن تولي أهمية للصحفيين” وإنهم في حداد بسبب مقتل هؤلاء الصحفيين.
وقد أعلنت منظمة “مراسلون بلا حدود” أن التحليل الباليستي للحادث الذي قُتل فيه مصور وكالة رويترزعصام عبد الله على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، أظهر وقوع هجوم متعمد من إسرائيل، لكن ذلك لم يلقَ أي إدانة أميركية.