توفي في الساعات الأولى من صباح اليوم الأحد الكاتب والروائي الكبير حمدي أبو جليل عن عمر ناهز 56 عامًا، وفقًا لما أعلنته ابنته هالة أبو جليل على صفحتها الشخصية فيسبوك.
حصل حمدي أبو جليل على جائزة نجيب محفوظ من الجامعة الأمريكية عام 2008 بعد إصداره رواياته الشهيرة تسمى “الفاعل”، حيث أعاد المثقفون اليوم نشر كلمته خلال تسلمه الجائزة، والتي ننشرها في السطور التالية.
نص كلمة حمدي أبو جليل
شكرًا للجائزة واللجنة والجامعة، يا لها من مفاجأة ويا له من فرح، شكرًا لتفهم الانحراف عن الأستاذ في جائزة الأستاذ، لا ليس الانحراف وإنما العجز.. شكرًا لتشجيع العجز، نعم العجز وليس التجاوز، التجاوز يعني القوة، يعني القدرة الجبارة على استيعاب قيمة جمالية وفكرية ثم تجاوزها ببساطة، وتطور الكتابة ـ كما أفهمه ـ يعود في جانب منه إلى الضعف، العجز عن الوفاء لشروط النماذج السابقة، أقصد طبعا النماذج العظيمة السابقة. دون كيخوته ـ الإخوة كرامازوف ـ البحث عن الزمن المفقود ـ الغريب ـ الحرافيش ـ رباعيات الأسكندرية ـ نصف حياة ـ كتاب الضحك والنسيان ـ تاريخ حصار لشبونة، إلى آخره عبر تاريخ الكتابة هناك أعمال حالفت الخلود، أعمال تجاوزت الزمن، ولم تؤثر في حضورها المتجدد المتغيرات الثقافية والحضارية، بل أن مرور الزمن يضاعف حضورها وقيمتها، ويكشف كوامن تفردها مثل الجواهر بالضبط. تلك الأعمال تدفع الكتابة دائما للتطور وارتياد آفاق جديدة ليس من خلال تجاوزها، ولكن من التسليم باستحالة تجاوزها، فالعجز عن الوفاء لشروطها القاسية، شروطها الجبارة، يؤدي إلى البحث عن مناطق جديدة، دائما أتخيل مسار الكتابة على هيئة مجرى مائي به ربوات عالية، راسخة، وعجز الماء عن المرور فوقها أو تجاوزها يدفعه الى مسارات جديدة تماما بل أحيانا مناقضة لمجراه القديم.
حمدي أبو جليل ودوافع الكتابة
وأضاف حمدي أبو جليل: العجز دافع لتطور الكتابة، لاندفاعها في مسارات جديدة، هناك دوافع أخرى بالطبع كاختلاف ظروف الحياة والوعي بها، ولكن العجز ربما لقسوته يحتل مكانة الدفاع الأوجه، العجز عن الوفاء لنموذج سابق يدفع لإنجاز خطوة ما، ترتاد منطقة جديدة وتؤكد العجز في نفس الوقت، خطوة تجمع بين الفرح بجدتها ومغايرتها والحسرة من وضوح عجزها. ربما يتضح ذلك أكثر في المادة، الحاجة أم الاختراع، الحاجة ضعف، الحاجة عجز عن الصبر أو التلاؤم مع أوضاع تعايشت معها الأجيال السابقة دون ألم، من اخترع المروحة مثلا هو ذلك الشخص الذي عجز عن مواصلة التعايش مع الحر مثل كافة الأجيال التي تعاقبت قبله، ومن فكر في اختراع سيارة أو طائرة هو بالتأكيد ذلك الشخص الكسول الذي تخاذل عن المشي أو السفر على ظهور الماشية مثل الجبابرة السابقين، ومن فكر في البندقية هو ذلك الجبان الذي ارتعب من مبارزة الفرسان. هذا لا يعني مطلقا التقليل من شأن إضافات الكتابات الجديدة، بل هو إشادة بها، البندقية بالطبع أكثر فتكا من السيف، وبدون جهود ذلك الشخص الذي عجز عن مواجهة الحر لظلت الإنسانية تصطلي بناره للأبد، وبدون الروائي الذي عجز عن الوفاء لشروط النماذج السابقة لتوقفت الكتابة الروائية عند سرفانتس ورابيليه.
حمدي أبو جليل.. التصالح مع العجز
واستطرد: ربما التصالح مع العجز هو الذي يجعلني أنظر بنوع من الحسد والحسرة إلى أولئك الكتاب الذين يخططون لإنتاج كتابة متجاوزة ويطمحون لارتياد مناطق جديدة، هؤلاء أقوياء حقا على الأقل بالنسبة لي، فمشكلتي التي ربما تدفعني للتوقف نهائيا عن الكتابة هي قصور قاموسي اللغوي عن التعبير عن فكرة أو حدث أو مشهد ما، لا داعي للتواضع، فاللغة بشكل عام قاصرة عن التعبير أو نقل الأشياء والأفكار بالشكل الأمثل والدقيق، كلمة شجرة مثلا هل تكفي لنقل حضور الشجرة التي أراها أمامي الآن، أم أنه لابد أن آخذك من يدك وأضعك أمامها مباشرة، وهل في هذه الحالة ستظل شجرتي أما أنها ستصبح شجرتك، دائما هناك فكرة أو مشهد أو شجرة، ودائما لا توجد اللغة الجديرة بتجسيدها.