خاص-الوثائقية
“الطريقة الوحيدة لاكتشاف الممكن هي تجاوزه إلى المستحيل”. هكذا يرى الأمور كاتب الخيال العلمي “آرثر سي كلارك”، وهو الذي تنبأ قبل 50 عاما بالتكنولوجيا التي نعيشها اليوم.
ويبدو أن البحث عن المستحيل يفرض نفسه على البشرية مجددا، ففي فيلم “حقيقة الأطباق الطائرة” الذي بثته الجزيرة الوثائقية، تحقيق دقيق في موضوع كان يُوضع دائما في خانة الخيال العلمي، قبل أن يؤكد مسؤولون في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) وعلماء فيزياء وفضاء ورجال استخبارات أن الأطباق الطائرة المجهولة موجودة.
“هذا الجسم الطائر الذي رأيناه ليس من هذا العالم”
في 16 ديسمبر/كانون الأول عام 2017، نشرت مقاطع -التقطتها قوات البحرية الأمريكية- الذعر بين الأمريكيين، ثلاثة مقاطع فيديو صورتها طائرات “أف-18” لأجسام طائرة مجهولة الهوية ظلت حتى ذلك التاريخ مُصنّفة على أنها مسألة أمنية بالغة السرية، إلى أن نُشرت أخيرا وصودق عليها من قبل البنتاغون في أبريل/نيسان عام 2020.
ويعود تاريخ الفيديو الأول إلى نوفمبر/تشرين الثاني عام 2004، وقد صوّر من قبل دورية كانت تحلق قرب حاملة الطائرات الأمريكية “نيميتز”، ويظهر في الفيديو جسم له شكل الكبسولة، ويقوم بمناورات تتحدى قوانين الجاذبية.
وفى اليوم ذاته رصدت رادارات طرادة صواريخ “يو أس أس برنستين” عدة أجسام طائرة، وعلى الفور أرسل سرب من طائرات “أف-18” إلى الموقع لتقوم بتصوير ما يتعارف عليه اختصارا باسم “UFO”، أو الأجسام الطائرة مجهولة الهوية (Unidentified Flying Object).
وبالتوازي مع ذلك تسربت أنباء إلى وسائل الإعلام أن البنتاغون تمتلك برنامجا سريا لإجراء الأبحاث على الأجسام الطائرة المجهولة، وأُطلق عليه اسم “برنامج التحديد المتقدم للتهديدات الفضائية” (AATIP)، وخصصت عشرات الملايين من الدولارات للمشروع من قبل زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ آنذاك السيناتور “هاري ريد”، وتصدرت القصة عناوين وسائل الإعلام المختلفة.
يروي “ديفيد فريفر” -وهو أحد طياري “أف-18” التي كانت تُحلّق أثناء حادثة نيميتز- لمحطة “سي أن أن” ما شاهده قائلا: أول ما لاحظته هو أن الجسم الطائر بدون أجنحة.. فقلت في نفسي إنها طائرة عمودية، إلا أنه لم يكن له طوافات على سطح الماء.. لقد كانت حركاته مفاجئة وسريعة أشبه بحركة كرة تنس طاولة ترتد من مكان لآخر وتغير اتجاهها كليا، ومن ثم كان قادرا على التحليق بالقرب من سطح الماء والصعود عموديا من ارتفاع صفر إلى 12 ألف قدم والتسارع في أقل من ثانية والاختفاء.. كان هذا شيئا لم أر مثله في حياتي، فهذا الجسم الطائر الذي رأيناه ليس من هذا العالم.
بالنسبة للخبراء كانت رواية شاهد العيان هذه أمرا مذهلا، كما أعطت مقطع الفيديو مصداقية، وحتى تلك اللحظة كان من النادر أن يُدلى الجيش برأيه، إلا أن تحولا كبيرا طرأ في الولايات المتحدة، وبحسب زعيم الأغلبية السابق السيناتور “هاري ريد”، فإن القوات المسلحة الأمريكية رأت أنه لا حاجة لإبقاء كل ذلك سريا، وعليه يمكن للضباط التبليغ عن هذه الظواهر دون خشية من منع ترقيتهم، ويمكنهم الكشف عن ذلك لغير العسكريين، في حين لم يكن بمقدورهم فعل ذلك في السابق.
المركز الوطني الفرنسي لأبحاث الفضاء.. أوروبا على الخط
لم يكن الأمريكيون وحدهم من يدرس هذا الموضوع بجدية، فقد أنشأت عدة دول مؤسسات أو برامج تختص بإجراء الأبحاث على الظواهر الجوية غير المعروفة، ففي فرنسا تقوم لجنة “سيغما 2” -التي تضم طيارين حربيين ومهندسين ومسؤولين عسكريين ورواد فضاء- بدراسة أكثر هذه الحوادث مصداقية مثل “حادثة نيميتز”.
يقول “لوك ديني” رئيس لجنة “سيغما 2”: حاولت اللجنة أن تعيد محاكاة ما شوهد أثناء التدريبات البحرية التي كانت تجري حول نيميتز ما بين 10-13 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2004، حيث رُصد عدد من المشاهدات المتكررة على أجهزة الرادار على مسافة 8-20 ميلا جنوبي جزيرة كتالينا قبالة كاليفورنيا على ارتفاع 80 ألف قدم، وتتحرك بسرعة 100 عقدة تقريبا، والحقيقة أن سرعة 100 عقدة منخفضة للغاية بالنسبة لطائرة تُحلق على مثل هذا الارتفاع.
ويرى المدير السابق لمركز الفضاء في غويانا الفرنسية “بيير بيسكون” أنه لا يتفق مع العلماء الذين يسارعون بالقول بأن هذا هراء، فإذا كانت المشاهدات قد وقعت من قبل أولئك الذين يقتضي عملهم المراقبة كالطيارين الحربيين، فإن ما رأوه ليس هراء، ربما لم يفهم العلماء ما حدث في ذلك الوقت، لكنهم سيفهمون حقيقة الأمر بعد إجراء الدراسات اللازمة.
وتعمل لجنة “سيغما 2″ بشكل وثيق مع المركز الوطني الفرنسي لأبحاث الفضاء المعروف اختصارا باسم (CNES)، وتعمل مع أحد فروعه مجموعة دراسات الظواهر الجوية غير المعروفة، المدعوة اختصارا بـ”غايبان” (GEIPAN)، وهم يحاولون تسليط الضوء منذ أكثر من 40 عاما على الظواهر الجوية غير المعروفة.
أبراج المراقبة.. سرعات خيالية سرعة تفوق الطيران
كان “جان جاك فيلاسكو” مديرا لمشروع “غايبان” لمدة 21 عام، ويتذكر بوضوح تلك الحادثة المجهولة التي مهدت لإنشاء المجموعة، حيث يقول إن طيارين حربيين لاحظوا في عام 1951 جسما يتحرك بنفس سرعة حركة طائرتهم فوق مدينة أورانج، وحين تحركوا بالقرب منه لاعتراضه قام بزيادة سرعته فجأة وطار بسرعة رهيبة. ويشير “فيلاسكو” إلى أنه على إثر هذه الحادثة، جرت التوصية بإنشاء وكالة فرنسية لجمع وتحليل البيانات حول الظواهر الجوية المجهولة.
وعن حادثة موقع نيميتز، يقول “لوك ديني” رئيس لجنة “سيغما 2” إنهم أرسلوا بعثة استطلاع أولى لاحظت خطا من الرغوة عند مستوي سطح البحر، لذلك قامت إحدى طائرات “أف-18” بحركة غوص سريعة نحو منطقة الرغوة، وكان هناك جسم قام بتغير مساره وبدأ بالصعود، قبل أن ترسل بعثة استطلاع أخرى، إلا أنهم لم يتمكنوا من التقاط تلك الصور الشهيرة للجسم إلا بعد إرسال البعثة الثالثة من طائرات “أف-18” التي كانت مجهزة بالأشعة تحت الحمراء.
ويؤكد مدير الاستخبارات السرية الخارجية الفرنسية السابق “آلان جوييه” أن هذه الأجسام لا يمكن إنكارها، فقد شاهدها الطيارون وجرى تصويرها، كما رصدتها أبراج المراقبة.
أما رئيس “غايبان” السابق “جان جاك فيلاسكو”، فيوضح أن هذه الأجسام الطائرة تتفاعل مع الطائرات، مشيرا إلى تسجيل نحو 2000 حالة تفاعل مع الطائرات على مستوى العالم، وتنطبق على 240 حالة منها المواصفات النمطية التي وقع التبليغ عنها منذ عام 1947، وهي أجسام تبدأ من سرعة صفر إلى 20 ألف كم في الساعة رصدتها الرادارات، وتلك سرعات خيالية ومستحيلة مطلقا بالنسبة للطائرات، كما أنها تدور بشكل عمودي وبعد ذلك تبتعد بشكل أفقي.
لكن السيناتور “هاري ريد” يضيف بعدا آخر للأمر، فهذه الأجسام لا تظهر في الجو فقط، فهناك حوادث غير اعتيادية في مياه المحيط أيضا، وقد أبلغ البعض عن أشياء تحدث للسفن وانقطاع مفاجئ للاتصالات.
“الكتاب الأزرق”.. تهديدات ما بعد الحرب العالمية الثانية
ما زال الخوف يراود العلماء والاستخبارات، لكن المؤكد أن تلك المخاوف ليست حديثة، فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية أنشأت السلطات الأمريكية عدة لجان للتحقيق في مثل هذه الظواهر، وأشهرها مشروع “الكتاب الأزرق” الذي كان مستشاره العلمي رائد الفضاء الشهير “جي آلن هاينيك” الذي لم يكن يؤمن بوجود الأجسام الطائرة، ولكن بعد عدة سنوات من الدراسة بدأت تراوده الشكوك، ومن ثم صادق أخيرا على وجود هذه الظاهرة غير المُفسّرة.
منذ ذلك الحين وربما من قبل ذلك، تستشعر القوات الجوية الأمريكية ضرورة تحديد وتحليل أي شيء في الأجواء من شأنه تشكيل خطر أو تهديد على الولايات المتحدة، وكان من نتيجة ذلك إطلاق برنامج “التحديد المتقدم للتهديدات الفضائية” (AATIP) الشهير.
ويشير مدير الاستخبارات السرية الخارجية الفرنسية السابق “آلان جوييه” إلى اعتقاد كثير من الأمريكيين بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية أن الروس هم من كانوا وراء الأجسام الطائرة بعد أن اكتشفوا تقنيات جديدة، وأنهم يختبرونها للتجسس عليهم، لكنه يستدرك قائلا: إذا كانت هذه الأطباق الطائرة من فعل أمريكا أو روسيا أو الصين، فمن المؤكد أن الأمر سيصل إلى أجهزة الاستخبارات الأخرى، وهو ما لم يحدث.
وما دام الأمر كذلك، فسيظل السؤال المحير “ماذا يحدث؟” يتردد في آذاننا، ومن هنا جاءت مهمة شبكة “موفون” التي قامت منذ خمسينيات القرن الماضي بجمع كثير من روايات شهود العيان من أرجاء الولايات المتحدة وأوروبا، وتمتلك شبكة هائلة من المحققين في كل ولاية، كما تحظى باهتمام الحكومة الأمريكية.
يقول “جان هرزان” رئيس شبكة “موفون”: بناء على قاعدة بيانات الشبكة، موّل الكونغرس برنامج “إيتب” (AATIP) قبل عشر سنوات كاملة من الكشف عنه في 16 ديسمبر/كانون الأول عام 2017، ليتحول الحديث آنذاك عن كونها ظاهرة حقيقية تبدأ في الاستحواذ على اهتمام الناس.
“المصارحة”.. تجهيز الشعب الأمريكي للمفاجأة
منذ عام 2017 بات المسؤولون العسكريون والسياسيون يظهرون على وسائل الإعلام بشكل دوري للحديث عن الظاهرة، ولذلك يصف “لوك ديني” الأمر بـ”المصارحة”، فمن الصعب تخيل إدلاء مسؤولين عسكريين بتصريحات متتالية بحرية، دون أن يكون خلفهم أي إطار مرجعي.
ويتفق مدير الاستخبارات الخارجية الفرنسية السابق مع ذلك، مشيرا إلى أن الأمر أشبه بحملة توعية للشعب الأمريكي، وقد تكون تحضيرا لواقع جديد يعلن فيه المسؤولون أن عالمنا تزوره كائنات من عوالم أخرى، أو أن الممرات بين العوالم المختلفة قد فُتحت، ومن ثم تصبح البشرية على أعتاب أرض مجهولة لا نتحكم فيها بزمام الأمور.
لكن “بول هاينيك” مستشار سلسلة مشروع “الكتاب الأزرق” -وهو أيضا ابن المستشار العلمي للمشروع في خمسينيات وستينيات القرن الماضي- يصف الكشف عن وجود برنامج “إيتب” (AATIP) للتهديدات الفضائية واعتراف أفراد القوات البحرية برؤية أجسام طائرة لمدة 9 أشهر بالأمر المذهل.
ويؤكد الرئيس السابق لبرنامج “التحديد المتقدم للتهديدات الفضائية” (AATIP) “لويز أليزوندو” أن البرنامج أنفق 22 مليون دولار، للبحث في وقائع تكرر حصولها، وأن الأمر ليس مجرد حادث واحد.
“بيغلو أيروسبيس”.. كائنات فضائية تزور كوكبنا
تضمن العمل ضمن برنامج “إيتب” (AATIP) مشروعات عدة أشرفت عليها شركة “بيغلو أيروسبيس” التي يديرها رجل الأعمال “روبرت بيغلو”.
ووفق وثيقة رفعت وكالة الاستخبارات الأمريكية السرية عنها مؤخرا، فإن الشركة قامت بدراسة تضم 38 مجالا بحثيا بالغ التعقيد تغطي تقنيات مستقبلية لا يزال علينا أن نُتقن استخدامها اليوم كمقاومة الجاذبية، والدفع النووي في الفضاء السحيق، والثقوب الدودية التي تسمح لنا بالعبور إلى الأكوان الموازية، والطاقة السلبية، وعلم الهيدروديناميكي المغناطيسي.
وعلى مدى سنوات عمل “بيغلو” مع شخصيات من أمثال “جومبي ألكسندر” عماد مختبر الأبحاث العسكرية في لوس آلاموس، و”إدغار ميتشل” سادس شخص يمشي على سطح القمر، وبعد سنوات من الأبحاث توصلا إلى حكم لا لبس فيه، وهو أن ثمة كائنات فضائية تزور كوكبنا.
عقد الستينيات.. تحليق دوري فوق المواقع النووية
وفقا لرائد الفضاء “إدغار ميتشل” وعدد من المتخصصين الآخرين، فإن الصناعة النووية ترتبط ارتباطا وثيقا بهذه الظاهرة، ويروي “جان جاك فيلاسكو” مدير “غايبان” السابق أن التجارب النووية كانت أمرا مخيفا للغاية، وذلك لانفجار 45 قنبلة نووية أو نووية حرارية في الغلاف الجوي بين عامي 1960 و1961، بمعدل انفجار كل 3 أيام ينفذه الأمريكيون أو السوفيات، ولذلك فقد كانت الأجسام المجهولة تُحلّق فوق المواقع النووية تحديدا بشكل دوري.
وينقل “فيلاسكو” عن المستشار العلمي للبيت الأبيض آنذاك “إدوارد تيلر” -الذي يُوصف بأنه أبو القنبلة الهيدروجينية- أن أجساما طائرة مجهولة الهوية قد حلقت فوق عدة مواقع نووية، وفي هذا الوقت أغلق عدد من قواعد الصواريخ الأمريكية في الغرب الأوسط، حيث كان الموظفون يخرجون ليلا وينظرون للأعلى ليروا الأجسام الطائرة في الجو، الأمر الذي تسبب في تعطيل كافة الاتصالات في قواعد الصواريخ مرات عديدة.
ويروي الضابط السابق في القوات الجوية الأمريكية “روبرت سالاس” تفاصيل حادث وقع عام 1967 فوق قاعدة مالمستروم الجوية في مونتانا، حيث تلقى اتصالا من أحد حراس القاعدة يفيد بأن 6 من الحراس شاهدوا أضواء مريبة في الجو تتحرك بسرعات كبيرة قبل أن تتوقف وتعكس مساراتها، ولم يكن بمقدورهم سماع صوت أي محركات.
وينقل “سالاس” عن الحراس تأكيدهم أن هذه الأضواء لا تشبه أضواء الطائرات، فلونها برتقالي محمر، وكان أحد هذه الأضواء يحوم حول البوابة الأمامية، مما دفع الحراس للخروج بأسلحتهم، قبل أن تتعطل الاتصالات بالكلية.
وليس بعيدا عن ذلك ما يرويه وزير الدفاع الكندي السابق “بول هيليري” الذي يُؤكد أنه خلال الحرب الباردة عام 1961 شوهد قرابة 50 جسما طائرا مجهولا تحلق جنوبا من روسيا عبر أوروبا، قبل أن تعود هذه الأجسام في اتجاه القطب الشمالي.
ويضيف أن تحقيقا استمر 3 سنوات خلص إلى أن هناك 4 أنواع من هذه الأجسام الطائرة كانت تزور الأرض منذ آلاف السنين، وقد زاد نشاطها في العقود الماضية بعد اختراع القنبلة الذرية، مما يوحي بقلقهم من استخدامها مرة أخرى.
من السخرية إلى الواقع.. حياة ذكية قادمة من الفضاء
يربط “ميكيل فييان” -استشاري البيانات والخبير لدى “غايبان” لأكثر من 12 عام- بين عدد مشاهدات الأجسام المجهولة وبين المنشآت العسكرية، في دراسة نشرها تحت رعاية جامعة تولوز. ويتساءل “فييان” عن نوع الذكاء الذي يراقب هذه المواقع، ولماذا تقوم هذه الكائنات الفضائية الذكية بمراقبة مواقعنا النووية والملوثة نوويا؟
وسواء كان ذلك من أجل مراقبة البشر وهم يلهون بالنار النووية أو لأي سبب آخر، فإن عدد السياسيين والمهندسين والعلماء الذين يتحدثون عن الذكاء غير الإنساني في ازدياد واضح، لكن “جان جاك فيلاسكو” رئيس “غايبان” السابق يرى أنه لا يمكن تفسير الأمر إلا بفكرة وجود تكنولوجيا أكثر تطورا بكثير من تلك التي لدينا، وبما أننا غير قادرين على إنتاج هذه التكنولوجيا، فلا بد أنها في مكان آخر من الفضاء.
حياة ذكية قادمة من الفضاء.. ما كان موضع سخرية العلماء لعقود أصبح اليوم موضوعا حقيقيا، ولسبب وجيه، ففي غضون 25 عام فقط استطاع رواد الفضاء اكتشاف وجود 4 آلاف كوكب خارج مجموعتنا الشمسية، بعضها مشابه لكوكب الأرض، ويمكن أن يكون موطنا لأشكال من الحياة الذكية.. ولم لا تكون هناك حضارة أكثر تطور من حضارتنا؟
“أومواموا”.. جسم غريب الشكل يطوف قرب الأرض
“آفى لوب” هو رئيس قسم الفيزياء الفلكية بجامعة هارفارد ويرأس معهدين يعملان على الرياضيات والثقوب السوداء، بصحبة عدد من أبرز الفيزيائيين ورواد الفضاء وعلماء الرياضيات من أعضائهما، وقد قام هو وفريقه بدراسة واحدة من أغرب الظواهر التي رصدت على الإطلاق في مجموعتنا الشمسية، وهي وصول جسم “بين نجمي” غير محدد يتمتع بخصائص فريدة اسمه “أومواموا”، ويعني في لغة سكان هاواي “المرسال”.
يقول “آفي لوب” إن “أومواموا” اكتشف في 19 أكتوبر/تشرين الأول عام 2017 وهو الجسم الأول على الإطلاق الذي استطعنا تحديده بالقرب من الأرض ومصدره من خارج المجموعة الشمسية، وكان من الواضح أنه لا يدور حول الشمس، لأنه كان يتحرك بسرعة كبيرة حول الأرض.
ويضيف أن رواد الفضاء كان انطباعهم الأوّلي أنه عبارة عن صخرة أو كويكب أو مذنب، لذلك قاموا بمراقبته لمدة أسبوع فقط، ومن ثم أدركوا بأنه يتمتع بخصائص غريبة، فمن ذلك أنه عند دورانه حول نفسه كل 8 ساعات كان يُغير مستوى إشعاعه بمعدل 10، وهذا يعني أن مجاله في الفضاء يتغير بعدل 10، لأن كل ما نراه هو انعكاس لضوء الشمس، وما يعنيه هذا أن طوله يبلغ 10 أضعاف عرضه على الأقل، وله شكلا أغرب بكثير من أي جسم رصدناه سابقا داخل مجموعتنا الشمسية.
حضارات الفضاء.. شيفرة فك الألغاز المحيرة
يقول رئيس قسم الفيزياء الفلكية بجامعة هارفارد “آفي لوب” إنه بتحليل البيانات المسجلة أدرك رواد الفضاء أن “أومواموا” انحرف عن مسار شكلته جاذبية الشمس، وأن ثمة قوة إضافية تسحبه بعيدا عن الشمس، قد يكون هذا نتيجة لعملية التغذية التي نراها في المذنبات حيث تتبخر المياه المتجمدة الموجودة على سطح المذنب بسبب أشعة الشمس، ولكن في حالة “أومواموا” لم نجد أي دليل على وجود الذَنَب، كما لم يكن هناك أي أثر لغازات حوله، وكانت ثمة حدود دقيقة جدا على جزيئات الكربون الموجودة بالقرب من هذا الجسم، وهو أمر محير للغاية.
وفى ورقة بحثية كتبها “آفي لوب” وفريقه توقعوا أن يكون الدفع بسبب أشعة الشمس، ولكي تتمكن أشعة الشمس المُنعكسة على سطحه من منحه هذه الدفعة، فلا بد أن يكون الجسم نحيلا بكثافة تبلغ أقل من مليمتر واحد، أي أشبه بشراع تدفعه الرياح على قارب شراعي.
ويشير إلى أن حضارتنا تحاول حاليا تطوير تقنية الأشرعة الطائرة حيث تدفع شراعا بوزن خفيف بواسطة الضوء، وكنتيجة لذلك وعند انعكاس الضوء عن الشراع يعطيه دفعة من شأنها أن تحركه بسرعات كبيرة جدا، من المحتمل أن تبلغ سرعة الضوء.
ويخلص “آفي لوب” إلى أنه من الممكن القول إن هذا الجسم قد صنع وأرسل من قبل حضارة فضائية، مؤكدا أن ذلك ليس سوى احتمالية غير مؤكدة.
اكتشاف تكنولوجيا الأجسام الطائرة.. سباق الدول العظمى
رغم أن الشراع الشمسي الذي تحدث عنه “آفي لوب” ما يزال فرضية عجيبة، ومع ذلك ممكنة، فإن التقنيات التي من شأنها أن تفسر السلوك منقطع النظير لهذه الأجسام تشكل مصدر إلهام للعلماء والجيش والشركات الخاصة.. فهل تخفي هذه البرامج البحثية تحت ستارها سباقا تنافسيا شرسا نحو تكنولوجيا الغد؟
يشرح مدير الاستخبارات السرية الخارجية الفرنسية السابق “آلان جوييه” الأمر قائلا: إننا لا نعرف شيئا عن التكنولوجيا المستخدمة من قِبل الأجسام الطائرة، ومن ثم فإذا امتلكنا هذه التكنولوجيا التي تُمكّن الأجسام الطائرة مجهولة الهوية من التسارع من الصفر إلى سرعات خيالية فسيبدي الجميع اهتماما بالأمر، لأن من شأن هذا أن يُغيّر آلية عمل الطائرات المقاتلة، فالأمران يسيران جنبا إلى جنب؛ فهم هذه الظاهرة، والاستفادة منها.
فرضية اكتشاف التكنولوجيا، طرحت سؤالا هاما: هل كان هدف رجل الأعمال “روبرت بيغلو”، والمشروع الذي وافق عليه الكونغرس بتكلفة 22 مليون دولار؛ هو اكتشاف التكنولوجيا المستخدمة في هذه الظاهرة من أجل الاستفادة منها؟
يؤكد السيناتور “هاري ريد” -الذي شهد بداية البرنامج- هذا، مقرا بأن الأمر لا يقتصر على الولايات المتحدة فقط، وإنما يشهد منافسة من فرنسا والصين وروسيا. لكن من الواضح أن الأمريكيين قد حظوا بانطلاقة جيدة في هذا السباق، فبالعودة إلى قائمة مجالات شركة “بيغلو” البحثية، نجد أمورا ما زالت قيد الدراسة، إلا أن تطبيقاتها ستكون ثورية، مثل مقاومة الجاذبية أو القدرة على تحرير أنفسنا من قوانين نيوتن الفيزيائية.
حل المشاكل البيئية.. طموحات التحكم بالعالم الفيزيائي
تتطلب هذه التكنولوجيا المستقبلية تصميم مواد جديدة تُدعى المواد الخارقة، ومؤخرا قامت شركة خاصة بتوقيع عقد مع الجيش الأمريكي لتطوير هذه التقنيات، وأوضحت الشركة أنها استطاعت إنتاج عينة متعددة الطبقات مكونة من البيزمت والمغنسيوم، وتوضح أن طبقات البيزمت أرق من شعرة الإنسان، بينما طبقات المغنسيوم أكبر بعشر مرات من شعرة الإنسان. وفي يونيو/حزيران 2018 لمّح الفيزيائي “هال باتهوف” إلى أن هذه المادة الخارقة الغريبة جاءت من حطام أحد الأجسام الطائرة المجهولة.
لم يعد الأمر يقتصر على فهم أصول الأجسام الطائرة غير المعروفة، بل الاستفادة منها أيضا، وقد يكون لهذه المواد الخارقة خصائص استثنائية ربما تكون مفيدة ومربحة، ويمكن لهذه المعرفة التقنية أن تساعدنا في حل المشاكل البيئية وإيقاف الاحترار العالمي.
وفي هذا يقول “بول هاينيك” مستشار سلسلة مشروع “الكتاب الأزرق” إن هناك فكرة واعدة بالحصول على طاقة متجددة لا تأثير لها إطلاقا على البيئة سواء كان ذلك مضادا للجاذبية أو انتقال المادة عن بعد، إنه شيء يمكننا من التحكم بالعالم الفيزيائي بطرق لا نحلم بها حتى الآن، إنه شيء سينقلنا إلى ما بعد الوقود الأحفوري والطاقة النووية إلى طاقة غير محدودة، إضافة إلى كونها متوفرة للجميع ويمكنها أن تفعل أشياء أبعد بكثير مما نفعله اليوم.
من المؤكد أن التحكم بالتقنيات الجديدة والخروج بحلول بيئية جذرية هي مشاكل حقيقية تواجهها كل الحكومات، لكن مخاطرها كبيرة أيضا على الجنس البشري بأكمله.
“قد تكون هناك حضارات أكثر تطورا منا”.. مفاجأة المستقبل
يعود رئيس قسم الفيزياء الفلكية بجامعة هارفارد “آفي لوب” ليطرح سؤالين جوهريين: هل نحن لوحدنا؟ وإن اكتشفنا أننا لسنا وحدنا، فهل نحن الأذكى؟
ويستطرد “لوب” بالقول: قد تكون هناك حضارات أكثر تطورا منا، وقد تكون لديها تقنيات يُحتمل أن نتمكن من تطويرها، ولكن على مدى زمني طويل، وحين نتمكن من التواصل مع هذه الحضارات أو إيجاد دليل على وجودها، فسوف يصدمنا الأمر الذي سيكون أشبه برجل كهف ينظر إلى هاتف ذكي ويحاول تفسيره على أنه قطعة من الصخر.
ويرى “لوب” أننا سننظر إلى وجود حضارة فضائية بالغة التطور بشيء من الرهبة، إذ يمكنها القيام بأمور لا نستطيع تخيلها، معتبرا أن ذلك سيدفع الإنسان للتواضع والتراجع عن اعتقاده بأنه مركز الكون.
في مقابل ذلك، يقول مدير الاستخبارات السرية الخارجية الفرنسية السابق “آلان جوييه” إن هذا الافتراض يدخلنا منطقة بالغة التعقيد، يرفضها كثيرون من المؤمنين بالتطور الرياضي والمنهج العقلاني، متسائلا عن ما إن كنا سنواجه مفاجآت أكبر في المستقبل؟
ويختم “جان جاك فيلاسكو” بالقول: إن كان لدى الحكومة الأمريكية ما تكشف عنه، فإن عليها أن تفعل ذلك الآن، لأن الناس مستعدون لتلقي هذه المعلومات. مشيرا إلى أن هذا الأمر سيُحدث اضطرابات في المجتمعات الكبرى، وسيطرح كثير من الأسئلة في الفلسفة والدين والعلم.
تكاتف الدول العظمى.. سلاح تفادي الإبادة العرقية الثقافية
يعتقد “هاري ريد” أن الأبحاث العلمية التي تُجرى على الأجسام الطائرة المجهولة مفيدة للإنسانية بأسرها، وليس للولايات المتحدة فقط، داعيا إلى مشاركة المعلومات بين أمريكا والصين وفرنسا وروسيا، فالأمر مهم لحضارتنا بأكملها.
ويتوقع الخبير في المركز الوطني للدراسات الفضائية “ميكيل فييان” اكتشاف حياة في المجموعة الشمسية في غضون 10 سنوات، كما يتوقع أن يبدأ التواصل بحلول عام 2035، ومن ثم تفادي ما يسميه الإبادة العرقية الثقافية، مما يعني أن نُجنب الناس الضياع الكامل والصدمة عند تأكيد وجود الظواهر الفضائية أو الحياة الذكية الفضائية.
ويشير رئيس قسم الفيزياء الفلكية بجامعة هارفارد “آفي لوب” إلى أن عدد الكواكب التي تُشبه كوكب الأرض في حدود الكون المنظور أكبر بكثير من عدد حبات الرمل الموجودة على جميع شواطئ الأرض.
ويضيف أن من المنطقي أن نبحث عن حضارات أخرى ليست بالضرورة على الأرض أو داخل مجموعتنا الشمسية، بل فيما وراءهما، وأن نجعل ذلك فكرة أساسية في الأبحاث المستقبلية، لأن عواقب إيجاد حياة ذكية في الخارج ستكون مرعبة، وستغير مفهومنا عن مكانتنا في الكون، وستعلمنا تقنيات متطورة لم نكن نحلم بتطويرها، وستجعلنا نفكر كفريق واحد يتعلم الأمور من فريق آخر مر بمراحل التعلم ذاتها في الماضي.