وجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل أيام رسالة مصورة إلى الشعب الإيراني، أشار فيها إلى أن “إيران ستكون حرة في وقت أقرب مما يعتقد الكثيرون”، مما أعطى إشارات عدة منها احتمالية تغيير سياسي قريب في إيران.
وجاء خطاب نتنياهو عقب الاغتيال الدراماتيكي للأمين العام لحزب الله اللبناني الساعد الأشد لإيران في المنطقة. وقد بدا أن نتنياهو يلقي خطابه منتشيا بالقوة، وكأنه يقود دبابة الميركافا الإسرائيلية أو يحلق بسرب طائرات إف 35 فوق سماء المنطقة.
وقد استغل نتنياهو رسالته المتلفزة تلك لانتقاد النظام الإيراني الذي يتهمه بإهدار أموال الشعب على دعم الحروب الإقليمية بدلا من تحسين الأوضاع الداخلية مثل الصحة والتعليم. كما أكد تضامن إسرائيل مع الإيرانيين ضد قيادتهم الحالية، مشيرا إلى أن إسرائيل لن تتردد في اتخاذ الخطوات اللازمة لحماية نفسها.
هذا الخطاب أعطى انطباعا أن نتنياهو لم يعد فقط “ملك إسرائيل”، كما يحلو له ولأتباعه تسميته، بل إنه بعد معركة “البيجرات” واغتيال حسن نصر الله، أخذت منه الغطرسة مأخذها حيث صرح بصوت عال أنه “لا يوجد مكان في الشرق الأوسط لا تستطيع إسرائيل الوصول إليه. لا يوجد مكان لن نذهب إليه لحماية شعبنا وحماية بلدنا”. وكأنه يقف على مرتفع ويصيح: أنا ملك الشرق الأوسط!.
لقد أعلن نتنياهو عشية اجتياح غزة قبل عام، ثم أعادها مجددا قبل يومين، بأن إسرائيل تتبع خطة منهجية بهدف تغيير الواقع الإستراتيجي في الشرق الأوسط.
بيبي الملك
ما يقوم به رئيس الحكومة الإسرائيلية متأصل في فكره السياسي ومسلكه اليومي في إدارة الصراع، فقد أظهر نتنياهو في كتابه “بيبي: قصة حياتي” الصادر عام 2022، ميلًا لإعادة صياغة التاريخ بصورة تعزز مكانته كزعيم قوي، وذلك من خلال إبراز مواقفه من الإرهاب وأهمية الحروب الدفاعية لإسرائيل، وهو ما يبرر طموحاته اليوم ضد إيران. إذ يعتبر إيران تهديدًا وجوديًا لإسرائيل، وهذا يتماشى مع سعيه المستمر لتعبئة الغرب ضدها.
وحتى في رؤيته للسلام، فإنه لا يراه إلا صورة من صور القوة، ففي كتابه (سلام دائم: إسرائيل ومكانها بين الأمم) الصادر عام 1993، يناقش نتنياهو تاريخ إسرائيل، والصراع العربي – الإسرائيلي، ويقدم حججًا حول أهمية الحفاظ على القوة العسكرية والسياسية لإسرائيل لضمان وجودها في منطقة الشرق الأوسط. كما يعرض رؤيته حول العلاقات مع الدول المجاورة، بما في ذلك الدول العربية وإيران، ويعكس إصراره على أن السلام الدائم يتطلب من إسرائيل أن تكون قوية بما يكفي للدفاع عن نفسها في مواجهة التهديدات.
وبالعودة إلى خطابه المتلفز الموجه للشعب الإيراني، فإن أهم الأسئلة التي تثار عقب حديثه عن تغيير النظام، ويد إسرائيل التي تصل كل مكان، هو: هل يعني ذلك أن نتنياهو لديه خطط عسكرية للتدخل في إيران؟ وتغيير النظام بالقوة؟
هل هناك دلائل على استعداد نتنياهو لاتخاذ خطوات عسكرية ضد إيران؟
هناك عدة مؤشرات ينبغي النظر فيها لفهم خطط نتنياهو وفيما إذا كان يفكر بجدية في اتخاذ خطوات عسكرية ضد إيران، خاصة فيما يتعلق ببرنامجها النووي. فعلى مر السنين، كانت تصريحات نتنياهو وسياسته تجاه إيران تشير إلى أن الخيار العسكري لم يكن مستبعدًا قط. فيما يلي بعض الدلائل التي تدعم هذا الاستنتاج:
- تصريحات نتنياهو المتكررة حول التهديد الإيراني: منذ سنوات طويلة، يعتبر بنيامين نتنياهو التهديد النووي الإيراني بمنزلة “تهديد وجودي” لإسرائيل. في العديد من خطاباته أمام الأمم المتحدة، سواء في الجمعية العامة أو في منتديات أخرى، حذر نتنياهو مرارًا وتكرارًا من أن إيران تسعى لامتلاك أسلحة نووية، وأن إسرائيل لن تسمح بذلك.
في خطاب شهير أمام الأمم المتحدة في عام 2012، استخدم نتنياهو رسما لقنبلة ليشرح مدى اقتراب إيران من امتلاك سلاح نووي، داعيًا المجتمع الدولي إلى التصرف بسرعة. هذا الخطاب كان علامة واضحة على أن إسرائيل مستعدة لاتخاذ خطوات جادة إذا شعرت أن المجتمع الدولي لا يقوم بما يكفي لوقف إيران.
- العمليات السرية ضد إيران: إسرائيل، تحت قيادة نتنياهو، قامت بعدة عمليات سرية ضد المشروع النووي الإيراني. أبرز هذه العمليات كانت: اغتيال العلماء النوويين الإيرانيين: على مدى سنوات، تم اغتيال عدد من العلماء النوويين الإيرانيين في عمليات معقدة نُسبت إلى الموساد الإسرائيلي. الهجوم السيبراني على منشأة نطنز النووية: في حادثة شهيرة عام 2010، تم استخدام فيروس “ستوكسنت” لتعطيل أجهزة الطرد المركزي في منشأة نطنز النووية بإيران. هذه العملية، التي يُعتقد أن إسرائيل وأميركا كانتا خلفها، كانت أول هجوم سيبراني من نوعه على برنامج نووي.
- سرقة الأرشيف النووي الإيراني: في 2018، أعلن نتنياهو عن قيام عملاء الموساد بسرقة مجموعة ضخمة من الوثائق الإيرانية التي تثبت أن إيران كانت تسعى للحصول على أسلحة نووية، حتى بعد توقيعها الاتفاق النووي. كان عرض هذه الوثائق جزءًا من حملة نتنياهو لتبرير موقفه المتشدد تجاه إيران.
- التصعيد العسكري في سوريا: إسرائيل، تحت قيادة نتنياهو، شنت مئات الغارات الجوية على أهداف إيرانية في سوريا. تعتبر هذه الضربات جزءًا من إستراتيجية إسرائيل لاحتواء النفوذ الإيراني في المنطقة ومنع إيران من إنشاء قواعد عسكرية دائمة قرب الحدود الإسرائيلية. هذه الضربات الجوية المستمرة تشكل جزءًا من السياسة الإسرائيلية لتقويض القدرات الإيرانية في المنطقة.
- التعاون الأمني مع الولايات المتحدة: في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، عزز نتنياهو التحالف الأمني بين إسرائيل والولايات المتحدة، وكان داعمًا قويًا لانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني (خطة العمل الشاملة المشتركة) الذي تم توقيعه عام 2015. انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق في 2018 كان خطوة محورية، حيث اعتبر نتنياهو أن الاتفاقية لم تمنع إيران من مواصلة برنامجها النووي، بل أجلت فقط الأمر.
هذا التعاون الوثيق مع الولايات المتحدة، خاصة فيما يتعلق بتبادل المعلومات الاستخباراتية حول إيران، كان مؤشرًا على أن نتنياهو يستعد لجميع السيناريوهات، بما في ذلك الخيار العسكري، إذا تطلب الأمر ذلك. وفي الحرب الجارية الآن فإن السفن الحربية الأميركية تجوب المنطقة طولا وعرضا منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، ولا تتوانى المؤسسة العسكرية الأميركية عن التصريح بأنها حاضرة للدفاع عن حليفتها إسرائيل، خصوصا في ظل قيادة الرئيس بايدن “الصهيوني المخلص” كما يتفاخر هو ودوائره المحيطة به.
- تطوير قدرات عسكرية إسرائيلية: على مر السنوات، عملت إسرائيل على تطوير قدراتها العسكرية بشكل مكثف، بما في ذلك أنظمة الدفاع الجوي (مثل القبة الحديدية ومقلاع داود)، وكذلك تحديث سلاح الجو وشراء طائرات مقاتلة متقدمة مثل إف 35. هذه التطورات العسكرية تُعَد جزءًا من استعدادات إسرائيل لمواجهة أي تهديدات إقليمية، بما في ذلك احتمال القيام بضربة عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية.
- التصريحات المتشددة في الداخل الإسرائيلي: عندما عاد نتنياهو إلى منصب رئيس الوزراء في أواخر 2022، استمر في تبني نفس الخطاب المتشدد ضد إيران. في عدة تصريحات، أكد أن إيران لن تكون قادرة على الحصول على أسلحة نووية، وأن إسرائيل ستفعل كل ما يلزم لضمان ذلك. هذا الموقف يعكس التزامًا طويل الأمد بالتحرك عسكريًا إذا لزم الأمر. وفي رسالته الأخيرة إلى الشعب الإيراني، قال نتنياهو إن “إيران ستكون حرة قريبًا”، في إشارة إلى احتمال حدوث تغيير داخلي، لكنه أيضًا ألمح إلى أن إسرائيل لن تتردد في اتخاذ أي خطوات ضرورية لحماية شعبها وأمنها، مما يوحي بأن الخيار العسكري ليس مستبعدًا.
الخلاصة:
الدلائل المنظورة أعلاه ترجح أن نتنياهو قد ينظر إلى الخيار العسكري كحل أخير إذا فشلت الجهود الدبلوماسية في احتواء الصراع. ومن تصريحاته العامة إلى العمليات السرية التي نُفذت تحت قيادته، يظهر أن نتنياهو مستعد لاتخاذ خطوات عسكرية إذا شعر أن أمن إسرائيل مهدد بشكل وجودي.
ومع ذلك، فإن أي ضربة عسكرية ضد إيران ستكون محفوفة بالمخاطر، وقد تؤدي إلى تصعيد كبير في المنطقة، حيث يعتمد اتخاذ هذه الخطوة على العديد من العوامل، بما في ذلك الدعم الدولي، خاصة من الولايات المتحدة، وتقديرات إسرائيل حول قدرة إيران على الرد.
إن رسالة نتنياهو المتلفزة من حيث المعلن لا تحمل تأكيدًا صريحًا على وجود خطط عسكرية فورية لتغيير النظام في إيران بالقوة. ومع ذلك، فإن تصريحاته توحي بأن إسرائيل قد تكون مستعدة لاتخاذ خطوات عسكرية إذا لزم الأمر لحماية مصالحها وأمنها، خاصة في سياق التهديدات الإقليمية المرتبطة بإيران.
ولطالما اعتبرت إسرائيل البرنامج النووي الإيراني ونفوذ إيران في الشرق الأوسط تهديدات كبيرة، ونتنياهو قد أشار إلى أن إسرائيل “يمكنها الوصول إلى أي مكان في الشرق الأوسط” في تلميح إلى إمكانية تنفيذ عمليات عسكرية إذا اقتضت الضرورة.
لكن هذا لا يعني أن هناك خطة محددة لتغيير النظام في إيران بالقوة، بل قد يشير إلى أن إسرائيل تراقب الوضع السياسي الداخلي في إيران وتتوقع تغييرات قد تحدث نتيجة للضغط الداخلي أو الخارجي.
وقد يبدو أن نتنياهو يعوّل على الضغوط الداخلية التي يعاني منها النظام الإيراني، ويستغل الفرصة لزيادة الضغط الدولي والإقليمي على إيران، مع الحفاظ على استعداد عسكري لمواجهة أي تهديدات مباشرة، خصوصا مع اشتعال الإقليم بسبب الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة ولبنان منذ نحو عام تقريبا.
ويبقى أن المرجل الذي يغلي في المنطقة منذ عام مثير لأقصى درجات القلق في ظل صمت أممي وغياب إستراتيجية دولية أو إقليمية تسعى إلى أي نوع من التهدئة، بل وتكف يد إسرائيل عن الإيغال في استخدام القوة المفرطة.