يدخل مهرجان القاهرة السينمائي الدولي دورته الـ 45 بتطلعات أكبر نحو دعم مواهب السينما العربية وتقديم أصوات جديدة بجانب أسماء لديها من الخبرة والتجربة، نالت اعترافات دولية وإشادة نقدية وجماهيرية واسعة.
شملت لائحة المهرجان هذا العام بعض التعديلات في برنامج أفاق السينما العربية وبات التنافس به على نطاق أوسع، ليشمل الأفلام العربية المعروضة بمختلف الأقسام، مع زيادة عدد الجوائز الممنوحة والمقابل المادي لها.
تلتقط عديد من الإنتاجات العربية الحاضرة بالمهرجان خيوطا لرحلات ملهمة في البحث عن الذات والهوية وتحقيق الأحلام، واكتشاف أفاق جديدة في عوالم شخصياتها، ليست بمعزل عن ما يحدث حولنا في هذا العالم المعقد، المتسارع بين لحظة وأخرى نحو مجهول، تتصاعد وتيرته بصورة مدهشة، لذا، كان من الضروري أيضا فسح مجال أكثر رحابة للأفلام التسجيلية ضمن منافسات “أفاق السينما العربية” لنقل شكل توثيقي غاية في الأهمية عما يحدث حولنا.
حضور للسينما المغاربية
يعود المخرج المغربي الكبير داوود أولاد السيد لمهرجان القاهرة من جديد بفيلمه الروائي الأحدث “المرجا الزرقا” في عرضه العالمي الأول، وهو أحد أبرز الأسماء في السينما المغربية، يتتبع خلاله حكاية يوسف، صبي يتيم وكفيف ولكنه يتمتع ببصيره ساحره، يعيش في منطقة شبه معزولة في الصحراء، بالكاد أكمل عامه الإثني عشر، وفي أحد الأيام، يقرر جده شراء كاميرا تصوير له، لتنقلب حياته رأسا على عقب، حتى يقرر أن يذهب في رحلة يغلفها الأمل والتعلق إلى البحيرة الزرقاء.
وعبر فيلمه الروائي الطويل الثاني، يقدم المخرج الجزائري أنيس جعاد “أرض الإنتقام”، وذلك بعد حصول فيلمه الأول “الحياة ما بعد” (٢٠٢١) على جوائز عديدة، منها التانيت الذهبي لأفضل عمل أول، هنا دراما متمهلة الأسلوب حول التأمل في شعور الإ نتقام، يتتبع فيه رحلة يغلفها ثأر البطل بعد خروجه من السجن، ولكن جوهرها يخفي أبعد من ذلك، مستندا على تعبيرات بصرية تثري السردية، ومقطوعات موسيقية جنائزية تتركنا في فلك من التوقعات حول إدراك ما يحدث ودوافعه، مستندا على قدرات تمثيلية رائعة من بطله سمير الحكيم.
بعدما نال فيلمه الطويل الأول “شرش” إعجاب النقاد والجمهور وحقق جوائز في مهرجانات دولية، ينافس هذا العام بفيلمه “الجسر” الذي يتتبع حياة مجموعة من الشباب التونسي، فؤاد، مخرج شاب، يساعد صديقه تيتا، في تصوير فيديو موسيقي، خلال التصوير مع صفاء، يجدون عبوة من الكوكايين. يقررون بيعها بكميات صغيرة في نادي ليلي شهير، يحاولون عبور الجسور نحو المستقبل، ولكنهم يقعون فريسة لغرائزهم وشهواتهم وتنقلب حياتهم من الهدوء إلى الخصب.
اضطرابات لبنان على الشاشة
تجسيدا للتمزق المجتمعي والتناحر الطائفي في لبنان، تقدم المخرجة ميرا شعيب فيلمها الروائي الطويل الأول أرزة، الذي تلعب بطولته الممثلة دياموند بن عبود، وتتجلى خلاله مشاهد الإنقسام الذي يضرب النسيج اللبناني عبر حكاية سيدة مكافحة يعاونها ابنها على أعباء الحياة، قبل أن تُسرق دراجته وينطلقان في رحلة شاقة للإندماج الزائف، أملا في استرجاعها من جديد، والبحث عن ما هو أبعد من ذلك، وهو إنتاج كل من لبنان، مصر والمملكة العربية السعودية.
في تجربة تسجيلية مميزة، تعد من بين أبرز انتاجات العام الحالي، توثق المخرجة ميريام الحاج الحراك الثوري في الشارع اللبناني على امتداد 4 سنوات من زاية مغايرة، ومن وجهة نظر عدة شخصيات لها اتجاهات متنوعة، يمثلون 3 أجيال مختلفة، لكل منهم رؤيته الخاصة في عبور الأزمة السياسية والإقتصادية، بداية من انتخابات 2018، مرورا بكارثة انفجار مرفأ بيروت، وكل ما خلفته من أثار سلبية ورغبة في القصاص العادل.
وثائقيات فلسطينية
بعد أن أصبح مواطنا فرنسيا، يعود شادي، الناشط الذي يبلغ من العمر 30 عامًا، إلى فلسطين بحثًا عن الأمل، يلتقي بعائلته وأصدقاء العمر في فيلم “أجازات”، وتوثق الأحداث أجازته في بلده وبين ذكرياته، ولكنه سرعان ما يدرك أن كل شيء من حوله يختنق، وتتجدد رغبة الهروب مجددا وترك كل شئ من خلفه، في المقابل، جبهة قوية لا تعترف بالإنكسار وتصر على عدم ترك الأرض ( الوطن) وإعلاء شعارات المقاومة، حتى وان بات التفائل مجرد رفاهية.
غسان أبو ستة.. طبيب تجميل فلسطيني بريطاني شهير، خاض رحلة إنسانية شديدة الخصوصية لإنقاذ ضحايا القصف في فلسطين ولبنان، فيما قررت المخرجتان كارول منصور ومونا خليدي، اللتان تعتبران من أصدقاء عائلته، تسليط الضوء على تفاصيل حياته في محاولة لرصد ما يحدث حوله، والتقاط مشاعره البكر نحو أصعب ما يواجه، وبدأتا بتصويره منذ لحظة وصوله من غزة، مرتكتا على تسجيلات مطوله معه وأفراد أسرته، واكتشاف كم عانوا بسبب ما يجري.
ويقدم المخرج الشاب محمود نبيل أحمد فيلمه غزة التي تطل على البحر من قلب القطاع المحاصر، يتنقل فيه بين أربعة رجال عبر مسارات متباينة، وهم، حمدي، عبد العزيز، يوسف وفضل، ويرصد معاناتهم الحياتيه في إيجاد طريقة للبقاء، واستمرار التمسك بالأمل في غد أفضل، وسعيًا وراء تعريفاتهم للوجود، تتشابك مصائرهم وسط تعقيدات الحياة والحب.
تجارب مصرية أولى
في تجربة شجاعة لرحلة تمثل الحياة بعد النجاة، تبحر المخرجة التونسية درة زروق خلال فيلمها الأول وين صرنا! في عمق قصة نادين، سيدة فلسطينية وصلت مصر أخيرا هربا من ويلات الحرب في غزة عقب 7 كتوبر 2023، أملا في جمع شتات عائلتها ونسيان انعدام الأمان والفقدان لو بشكل مؤقت، وبمعزل عن المشاهد المكررة في تناول القضية الفلسطينية، يقدم الفيلم تأثيرا وجدانيا، زاوية أخرى من الرواية، ويلامس مشاعرنا كبشر.
تتعاون المخرجة زينة عبد الباقي مع فريق عمل شاب أمام وخلف الكاميرا في فيلمها الروائي الطويل الأول مين يصدق؟ مستعينة ببعض الممثلين من النجوم، ومرتكزة على دراسة الإخراج بأمريكا، تصور علاقة نادين وباسم، الذي يقدم لها نوعًا من الحب والإهتمام الذي تفتقده، فتشارك معه في عمليات نصب يتورطان من خلالها في العديد من المشاكل، متأرجحين بين عالمين، مما يضع قصة حبهما على المحك.
تنوع فني وجغرافي
من سوريا يشارك المخرج جود سعيد من جديد للمهرجان من بوابة “أفاق السينما العربية” بفيلمه الروائي الأحدث سلمى في عرضه العالمي الأول، يرصد حياة سلمى التي تحاول أن تجد حلاً لمشاكلها بعد اختفاء زوجها، لتجد نفسها في النهاية أمام خيارين : إمّا أن تتابع المواجهة حتى النهاية مع كلّ ما يحمله ذلك من تضحيةٍ أو أن تختار خلاصها الفردي مع عائلتها.
شهدت السينما السودانية تطورا لافتا خلال السنوات القليلة الماضي، لذا حرصنا على استقطاب فيلم “مدنية”، تسجيلي جيد الصنع للمخرج محمد صباحي، انطلق عرضه بمهرجان شيفيلد عن كفاح ثلاثة شباب من السودان لتغيير حياتهم في الوقت الذي تشهد فيه البلاد تغييرات كبيرة خلال الثورة السودانية التي اشتعلت في ديسمبر 2018 رجاء في غد أفضل، وأملا في مزيد من الحرية والمساواة، وفسح مجال للحكومة المدنية.
السعودية تسجل حضورا في المهرجان عبر عملين، الأول هو ثقوب للمخرج عبد المحسن الضبعان، وهو الثاني له في مسيرته، بعد أن حقق فيلمه الأول نجاح كبير، وحقق جولة لافتة في عدة مهرجانات خارج وداخل الوطن العربي، والثاني هو فيلم ثانوية السويدي، وكلاهما يعرضان للمرة الاول عالميا.