في مشهد يتكرّر بأشكال مختلفة، لكنه يحمل في كل مرة الألم ذاته، استفاق الرأي العام على خبر مأساوي جديد لغرق مركب هجرة غير شرعية في عرض البحر، كان في طريقه من إحدى الدول المجاورة إلى اليونان. مأساة لم تكن مجرد أرقام في بيان رسمي، بل حكايات بشرية انتهت فجأة، وأحلام شباب بحثوا عن فرصة حياة أفضل، فاصطدموا بواقع قاسٍ صنعته عصابات الاتجار بالبشر وغياب الأمان في طرق الهجرة غير الشرعية.
تفاصيل الحادث.. رحلة لم تكتمل
في السابع من ديسمبر 2025، تعرض مركب هجرة غير شرعية للغرق أثناء رحلته إلى اليونان، وعلى متنه 34 مهاجرًا غير نظامي من جنسيات مختلفة، من بينهم 14 مواطنًا مصريًا لقوا حتفهم في واحدة من أكثر الرحلات مأساوية خلال الفترة الأخيرة.
وبحسب المعلومات الأولية، لم يكن المركب مجهزًا بشكل آمن، ولا يحمل كميات كافية من الوقود، ما أدى إلى تعطله في عرض البحر لأيام طويلة، وسط ظروف جوية قاسية وانعدام مقومات النجاة.
تحرك رسمي سريع من وزارة الخارجية
فور تلقي نبأ الحادث، تحركت وزارة الخارجية والهجرة وشئون المصريين بالخارج على أعلى مستوى. وكلف الدكتور بدر عبد العاطي، وزير الخارجية وشئون المصريين بالخارج، السفارة المصرية في أثينا بسرعة التواصل مع السلطات اليونانية لتقديم الدعم اللازم للناجين، والبدء في الإجراءات القانونية الخاصة بشحن جثامين الضحايا إلى مصر.
كما حرصت السفارة المصرية على التواصل المباشر مع أسر المتوفين، لإطلاعهم على تطورات الموقف وترتيب نقل الجثامين إلى أرض الوطن فور الانتهاء من الإجراءات الرسمية.
نداء متجدد.. لا تنساقوا خلف أوهام المهربين
وجددت وزارة الخارجية والهجرة مناشدتها للمواطنين بضرورة الابتعاد عن عصابات الهجرة غير الشرعية، مؤكدة أن هذه الطرق غير الآمنة لا تحمل سوى المخاطر، وأن السبيل الوحيد الآمن هو الالتزام بالطرق القانونية للسفر والهجرة، عبر تأشيرات وإجراءات رسمية تحفظ الأرواح والحقوق.
كما تقدمت الوزارة بخالص التعازي لأسر الضحايا، مؤكدة تضامن الدولة الكامل معهم في هذا المصاب الأليم.
شهادة صديق الضحية.. “ضحكوا عليهم وخدوا الفلوس”
وفي شهادة مؤثرة، روى توماس عادل، صديق أحد الضحايا ويدعى مايكل حنا، في تصريحات خاصة لموقع «صدى البلد»، تفاصيل إنسانية مؤلمة عن الأيام الأخيرة قبل الرحلة. وقال عادل إن مايكل كان شابًا طبيعيًا، يتمتع بصحة جيدة، ولا يعاني من أي مشكلات، متسائلًا بحسرة: “مش عارف إيه اللي خلاه ياخد القرار ده”.
وأوضح أن مايكل كان صديق طفولته، وعملا معًا لسنوات في القاهرة، قبل أن ينقطع التواصل لفترة قصيرة، ثم علم بسفره المفاجئ.
خداع المهربين.. المركب لم يصل أبدًا
وبحسب رواية عادل، فإن المهرب أوهم الركاب بأن المركب وصل بسلام، فقط ليضمن الحصول على الأموال. لكن الحقيقة ظهرت بعد أيام، حين تبيّن أن المركب لم يصل مطلقًا، ولم يكن مزودًا بكمية وقود كافية، ما أدى إلى تعطله في وسط البحر.
وأضاف أن المركب لم يغرق فورًا، بل ظل الركاب عالقين في المياه قرابة خمسة أيام، يعانون من الجوع والبرد، إلى أن بدأ الركاب يفقدون قدرتهم على التحمل واحدًا تلو الآخر.
ناجون بأعجوبة
وأكد عادل أن اثنين فقط نجحا في النجاة، من بينهم شاب يُدعى إبرام أشرف، كان يعمل معه سابقًا في القاهرة، إضافة إلى شخص آخر يُدعى رامي. واعتبر عادل نجاتهم “معجزة حقيقية” بعد أيام من الموت البطيء في عرض البحر.
وأشار إلى أن إجراءات نقل الجثامين ما زالت جارية، وسط توقعات بتأخرها بسبب صعوبات في توفير رحلات الطيران، ما يزيد من معاناة الأسر المنتظرة.
ليبيا.. محطة الخطر والاتجار بالبشر
وتطرق عادل إلى جانب أكثر قتامة في رحلة الهجرة غير الشرعية، خاصة عبر ليبيا، مؤكدًا أن بعض المهاجرين تعرضوا للبيع والاتجار.
وأشار إلى شهادة أحد الأشخاص الذين كانوا ضمن المجموعة، لكنه لم يصعد إلى المركب، حيث تم احتجازه وسلب هاتفه، قبل أن يُباع لجهات أخرى، في مشهد يرقى إلى الاتجار بالبشر.
وأضاف: “أي حاجة تتخيلها ممكن تحصل في الهجرة غير الشرعية، خصوصًا من ليبيا.. بيع، نصب، تهديد، وموت”.
الهجرة غير الشرعية.. طريق بلا ضمانات
وشدد عادل في ختام حديثه على رفضه التام للهجرة غير الشرعية، معتبرًا إياها طريقًا بلا ضمانات، تتحكم فيه عصابات لا تعرف سوى لغة المال، ولا تعبأ بأرواح البشر. وقال إن من يقرر خوض هذه المغامرة عليه أن يتوقع الأسوأ، لأن القانون غائب، والرحمة مفقودة.
حادثة غرق المركب ليست مجرد مأساة عابرة، بل جرس إنذار جديد يدق بقوة، محذرًا من عواقب الهجرة غير الشرعية التي تحولت إلى مقبرة مفتوحة لأحلام الشباب. وبين تحركات الدولة الرسمية، وشهادات الأصدقاء المكلومة، تبقى الحقيقة واحدة.. لا طريق آمن خارج إطار القانون، ولا حلم يستحق أن يُدفع ثمنه روح تُفقد في عرض البحر.










