تطور ميداني لافت وصادم في مسار الحرب السودانية
دخول المرتزقة الأجانب على خط المواجهة فى السودان
وجود الشركات الأمنية يهدد منطقة القرن الأفريقي والساحل
كشفت تقارير إخبارية، نقلتها وكالة الأنباء الفرنسية (أ ف ب) وعرضتها قناة العربية، عن تطور ميداني لافت وصادم في مسار الحرب السودانية، حيث أشارت المعلومات المؤكدة إلى رصد مقاتلين وجنود سابقين من الجنسية الكولومبية يشاركون بشكل مباشر في العمليات العسكرية التي تقودها قوات الدعم السريع لفرض الحصار على مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور.
وتأتي هذه الأنباء لتضع السودان رسمياً على خارطة النزاعات “المُدوّلة”، حيث لم تعد الحرب تقتصر على المكونات المحلية، بل تحولت إلى ساحة جاذبة لمرتزقة عابرين للقارات، مما يزيد من تعقيد المشهد العسكري ويحول الإقليم المنكوب إلى بؤرة لاستنزاف القدرات البشرية من خارج القارة الأفريقية.
الخبرات الكولومبية: من حرب المخدرات إلى أدغال أفريقيا
وتشير التفاصيل المتاحة إلى أن هؤلاء الجنود هم في الغالب عناصر سابقة في الجيش الكولومبي أو القوات الخاصة، والذين قضوا سنوات طويلة في محاربة كارتيلات المخدرات وعصابات “الفارك” في أمريكا اللاتينية.
يمتلك هؤلاء المقاتلون خبرات تكتيكية عالية في حروب الشوارع، وعمليات القنص، والكمائن المعقدة، وهي مهارات تسعى أطراف الصراع في السودان لاستغلالها لحسم معركة الفاشر الاستراتيجية التي استعصت على الحسم العسكري لشهور.
إن استقدام هؤلاء الجنود يتم غالباً عبر شركات أمنية خاصة عابرة للحدود، تعمل كواجهات لتجنيد المرتزقة وتوفير الغطاء القانوني واللوجستي لنقلهم من أمريكا الجنوبية إلى ميادين القتال في أفريقيا، مقابل مبالغ مالية ضخمة لا تتوفر للمقاتل المحلي.
الفاشر: الملاذ الأخير تحت رحمة “الغرباء”
تكمن الخطورة الفائقة لهذه المشاركة الأجنبية في تفاقم معاناة المدنيين داخل الفاشر، المدينة التي تُعد الملاذ الأخير لأكثر من مليون ونزح في إقليم دارفور.
إن دخول عناصر أجنبية، مثل الجنود الكولومبيين، في العمليات القتالية يجرّد النزاع من أي صبغة “وطنية” أو “أخلاقية”، فهؤلاء المقاتلون لا تربطهم بالأرض أو السكان أي صلة وجدانية، والتزامهم الوحيد هو بتنفيذ الأوامر العسكرية مقابل “المال”.
هذا الاندماج للمقاتلين الأجانب يزيد من وحشية الحصار ويجعل من الصعب التوصل إلى أي تفاهمات محلية للهدنة، كما يرفع من وتيرة الانتهاكات الحقوقية المرتكبة ضد المدنيين، كون هؤلاء المرتزقة يعملون بعيداً عن أي رقابة قانونية أو دولية، مما يجعلهم “أدوات قتل” بلا هوية قانونية واضحة.
الأزمة وتبعاتها علي الأمن الإقليمي
على الصعيد السياسي والجيوستراتيجي، يرى مراقبون أن لجوء أطراف النزاع السوداني للاستعانة بجنود من كولومبيا أو غيرها يعكس حالة من الإرهاق والاستنزاف في القوى البشرية المحلية، ورغبة في كسر الجمود الميداني مهما كانت التبعات السياسية.
إن “تدويل” الحرب السودانية بهذه الطريقة يضع المجتمع الدولي، وتحديداً مجلس الأمن، أمام مسؤولية أخلاقية وقانونية لملاحقة شبكات التجنيد العابرة للحدود.
فوجود مقاتلين من أمريكا اللاتينية في السودان يثبت أن الحظر الدولي على الأسلحة لم يعد كافياً، بل يجب فرض حظر على “تصدير المرتزقة”، لأن استمرار هذا التدفق سيحول السودان إلى “ثقب أسود” يبتلع الأمن والاستقرار في منطقة القرن الأفريقي والساحل بأكملها، وقد يفتح الباب لدخول مجموعات أجنبية أخرى بمسميات مختلفة.
صرخة استغاثة ضد “تجارة الحروب”
ختاماً، تظل مدينة الفاشر ترزح تحت قصف عشوائي وحصار خانق، بينما تتصاعد المخاوف من وقوع كارثة إنسانية كبرى قد توصف بأنها “إبادة جماعية جديدة” إذا ما سقطت المدينة في ظل وجود هذه القوى الأجنبية.
إن صرخة الاستغاثة التي يطلقها السودانيون اليوم ليست موجهة ضد الرصاص المألوف فحسب، بل ضد “تجارة الحروب” القذرة التي جلبت مقاتلين من أقصى الأرض للمشاركة في تدمير مدينة لا يعرفون عنها شيئاً.
إن وقف نزيف الدماء في الفاشر يتطلب الآن، أكثر من أي وقت مضى، تجفيف منابع المرتزقة وقطع خطوط الإمداد الدولية التي تغذي هذا الصراع، لضمان ألا يتحول السودان إلى ساحة لتصفية الحسابات الدولية بدم إنساني رخيص..










