أجرى موقع صدى البلد لقاء خاصا مع “ديمتري دلياني”، رئيس التجمع الوطني المسيحي في الأراضي المقدسة، للحديث عن معنى عيد الميلاد في زمن الإبادة والحصار، وكيف تحولت الصلاة إلى فعل صمود، والقداسة إلى دفاعٍ عن كرامة الإنسان الفلسطيني وحقه في الحياة والحرية.
كيف تستقبل الكنائس في الأراضي المقدسة عيد الميلاد هذا العام في ظل تصاعد الاستيطان والقيود الإسرائيلية؟
نستقبل الميلاد في فلسطين بوعي مثقل بالحقيقة لا بالمظاهر، وبصلاة تحمل وجع الوطن وكرامة الإنسان الفلسطيني، الكنائس من بيت لحم إلى الناصرة، ومن القدس المحتلة إلى غزة المحاصرة، تدرك أن ما ترتكبه دولة الإبادة الإسرائيلية هي سياسة إبادة واستيطان استعماري إحلالي تستهدف الإنسان الفلسطيني في وجوده وهويته، الاستيطان الإسرائيلي مشروع اقتلاع منظم، يلاحق الأرض والذاكرة والحق، وتنفذه دولة احتلال تتعمد وضع نفسها فوق القانون الدولي.
في هذا السياق، نصر على أن يكون الميلاد موقف صمود ووعي، وإعلان حضور فلسطيني أصيل يرفض الإقصاء والتهجير والطمس في وطنه.
إلى أي مدى أثرت الإجراءات الأمنية ومنع الحركة على مشاركة المسيحيين الفلسطينيين في طقوس العيد، خاصة في القدس وبيت لحم؟
الأثر عميق ومباشر، لأن الاحتلال الإسرائيلي لا يسيطر على الجغرافيا فقط، بل يفرض هيمنته على الزمن الروحي والاجتماعي عبر منظومة إذلال يومية من الحواجز والتصاريح والإغلاقات، وجود 849 عائقاً للحركة في الضفة الغربية، بينها 94 حاجزاً دائماً و153 حاجزاً جزئياً، يوضح كيف تحولت المشاركة في طقوس العيد إلى معاناة.
هذه أدوات قمع جماعي، بيت لحم، مهد السيد المسيح، تُخنق عمداً بسياسات الاحتلال، ما أدى إلى تدمير اقتصادها القائم بنسبة 80٪ على السياحة، ورفع البطالة من 14٪ إلى 65٪ خلال عامي الابادة الاسرائيلية في غزة ، في القدس المحتلة، تتفاقم الجريمة عبر عزلها عن امتدادها الطبيعي في باقي أنحاء الضفة الغربية المحتلة.
كيف ترون محاولات تغيير الطابع التاريخي والديني للمقدسات المسيحية؟ وكيف تواجه الكنائس ذلك؟
دولة الابادة الاسرائيلية تحاول إفراغ مقدساتنا من معناها الروحي والتاريخي عبر إعادة هندسة قسرية للحيز العام، تشمل تضييق الوصول، فرض وقائع ديموغرافية قسرية، وتكثيف وجود المستوطنين وميليشياتهم الإرهابية حول المواقع المقدسة.
ويعد ذلك أسلوب هيمنة استعمارية ينتهك القانون الدولي الإنساني بصورة فاضحة، حيث أن الكنائس تواجه بعدة أساليب في اطار دورها الرَعَوي من خلال توثيق الجرائم الإسرائيلية وإحالتها إلى الأطر الدولية، وتعزيز الوجود المسيحي الفلسطيني، والمساهمة في تثبيت الناس في بيوتهم وأحيائهم في وجه سياسات التطهير العرقي، ومواصلة دعم النضال الوطني من أجل تجسيد حقنا الطبيعي في تقرير المصير.
ما الرسالة التي يحملها عيد الميلاد للمسيحيين الفلسطينيين اليوم في ظل الحصار والتهجير؟
عيد الميلاد إعلان أخلاقي بأن الفلسطيني ليس رقماً في سجلات الاحتلال. في ظل الإبادة، ومصادرة الأرض، والحصار، والدفع نحو التهجير القسري، يصبح الميلاد تذكيراً بأن الكرامة الوطنية حق غير قابل للمساومة، الصمود قرار يومي مكلف، والوحدة الوطنية الفلسطينية ضرورة وجودية تحمي الإنسان والهوية والمستقبل.
كيف يتعرض الوجود المسيحي الفلسطيني لخطر التآكل الديموغرافي؟
التآكل الديموغرافي نتيجة مباشرة لسياسات الاحتلال الإسرائيلي القمعية. القتل، الاعتقال، مصادرة الأراضي، والحصار الاقتصادي دفعت كثيرين إلى الهجرة القسرية بحثاً عن الأمان لأبنائهم. تراجع نسبة المسيحيين الفلسطينيين هو نتاج سياسة إسرائيلية متعمدة تختلق بيئة طاردة للفلسطيني من أرضه، والمعركة هنا تطال أحد الأعمدة التاريخية للهوية الفلسطينية.

كيف توازن الكنائس بين قدسية العيد والواقع السياسي المفروض؟
الكنائس تحمي جوهرها الروحي عبر رفض جرائم الاحتلال. الميلاد صلاة، وصلة أرحام، وعزيز للروابط الاجتماعية، ومسؤولية وطنية، إن القدسية عندنا هي كرامة الإنسان الفلسطيني، وهذه الكرامة مرتبطة عضوياً بالحرية والعدالة.
ماذا تنتظر الكنائس من المجتمع الدولي؟
ننتظر فعلاً حقيقياً لا بيانات شكلية، الإدانة اللفظية لجرائم الإبادة في غزة والتوسع الاستيطاني الاستعماري في القدس المحتلة وباقي انحاء الضفة المحتلة تفقد معناها دون ضغط سياسي واقتصادي وقانوني فعلي يردع دولة الإبادة الإسرائيلية ويحاسب جيشها ومجرمي حربها من سياسيين ومسؤولين. حماية المقدسات والوجود الفلسطيني، بما فيه المسيحي، التزام قانوني وأخلاقي دولي لا مبادرة أخلاقية.
ما رسالتكم للمسيحيين حول العالم؟
رسالتي أن بيت لحم ليست صورة احتفالية، وغزة ليست خبراً عابراً، والقدس المحتلة وباقي أنحاء الضفة الغربية ليست مشهداً سياحياً، هنا يعيش شعب يُحاصر ويُقتل ويُهجّر لأنه فلسطيني، احتفلوا بالميلاد، لكن اجعلوا كنائسكم مساحات للحق والعدالة، وادعموا صمود شعبنا بكل مكوناته، لأن وحدتنا الوطنية هي السور الأخير الذي يحمي فلسطين في الوعي الإنساني العالمي.










