فشل مشروع قرار صاغته روسيا في مجلس الأمن الدولي يدعو إلى وقف إطلاق النار لدواع إنسانية في الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في غزة، في الحصول على الحد الأدنى من الأصوات المطلوبة وعددها تسعة في المجلس المؤلف من 15 عضوا.
وحصل مشروع القرار على خمسة أصوات مؤيدة وأربعة معارضة فيما امتنع ستة أعضاء عن التصويت، فيما اقترحت روسيا مسودة النص يوم الجمعة، والتي دعت أيضا إلى إطلاق سراح الرهائن وإيصال المساعدات الإنسانية والإجلاء الآمن للمدنيين المحتاجين.
وقف التصعيد في غزة
ويضاف هذا الإخفاق إلى سلسلة من المحاولات الفاشلة للمنظمة الدولية في اتخاذ قرار ملزم تتمخض عنه خطوات عملية تساهم في حل القضايا الشائكة في الشرق الأوسط منذ بدء النزاع الفلسطيني الإسرائيلي.
أعربت المنظمة العربية لحقوق الإنسان عن خيبة أملها في فشل مجلس الأمن الدولي في النهوض بمسئولياته نحو وقف القتل الجماعي والعمدي للمدنيين الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وخاصة مع قطع كافة سبل الحياة عن قطاع غزة المحتل، ورفض دخول المساعدات والحد من تدفقها لما دون 3 بالمائة من الاحتياجات التي رسمتها وكالات الأمم المتحدة العاملة في القطاع.
كما عبرت المنظمة العربية عن خيبة أملها في رفض بعض الدول الغربية المشاركة في قمة القاهرة للسلام يوم أمس إدانة قتل المدنيين الفلسطينيين، والدعم لدخول المساعدات الإنسانية الضرورية لحياة السكان.
وقالت المنظمة: يشكل المدنيين وحتى مساء 21 أكتوبر 2023 (اليوم الخامس عشر)، 95 بالمائة على الأقل من الضحايا، حيث سقط في قطاع غزة فقط 4500 شهيداً، بينهم 1770 طفلاً، و1200 امرأة، كما سقط أيضاً 17 من موظفي الأمم المتحدة، و31 من الأطباء وطواقم الإسعاف، و14 صحفيا.
ولفتت: كما سقط قرابة 14500 جريح، بينهم قرابة 6 آلاف من الأطفال و3 آلاف من النساء وألفين من كبار السن، بينما سقط في الضفة الغربية والقدس 89 شهيداً بينهم 5 برصاص المستوطنين، بينهم 17 طفلا، ونحو 1500 جريح.
وفشل مجلس الأمن الدولي، الأربعاء الماضي، في تمرير مشروع قرار برازيلي يدعو إلى هدنة إنسانية في قطاع غزة بسبب اعتراض أمريكي، حيث أفادت وكالة “تاس” الروسية للأنباء، الثلاثاء الماضي، بأن روسيا والإمارات طلبتا عقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن الدولي يوم الأربعاء بعد العدوان الإسرائيلي على المستشفى المعمداني في قطاع غزة.
وأشارت المنظمة: “وفقا للهيئة الفلسطينية لحقوق الإنسان (المؤسسة الوطنية المستقلة والمعتمدة دوليا) فلا يزال نحو 1200 جثة تحت الأنقاض، ولا توجد معدات كافية ولا طواقم إنقاذ قادرة على رفع الأنقاض وانتشال الجثامين، وطبقا لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة فقد نفدت أكياس الجثث يوم 13 أكتوبر”.
تحت الأنقاض بغزة
وقالت المنظمة العربية: تم دفن نحو 1500 شهيد فلسطيني قي مقابر جماعية، خاصة وأنه لم يمكن التعرف عليهم، حيث أُبيدت عائلات بكاملها، ومن بقي جريحاً يبقى في المستشفيات، وحتى 16 أكتوبر، تم محو 57 أسرة كبيرة من السجل المدني بعد قتل كل أفراد الأسرة بقصف منازلهم، بما يشمل الأجداد والأبناء والاحفاد.
ولفتت: “بحلول 21 أكتوبر فقدت 600 أسرة كبيرة نصف أفرادها على الأقل، بينهم 98 أسرة فقدت 10 من أفرادها أو أكثر، و95 أسرة فقدت بين 6 إلى 9 من أفرادها، و357 أسرة فقدت بين 2 إلى 5 من أفرادها، وفقد الآلاف من الأطفال والديهم أو أحدهما على الأقل”.
وأكدت المنظمة: بلغ تعداد النازحين في القطاع المنكوب نحو مليون 400 ألف نازح في عموم القطاع، بينهم 900 ألف من مناطق شمال غزة الذين انتقلوا إلى جنوب وادي غزة في ضوء الإرهاب الإسرائيلي وفقدان نحو 60 بالمائة منهم لمنازلهم تحت القصف.
وأردفت: “نحو 160 ألف من النازحين يققون في شمال قطاع غزة ضمن نحو 500 ألف فضلوا عدم الرحيل إلى الجنوب في ضوء غياب أي مقومات للسكن أو لتلبية الاحتياجات المعيشية، ومن هؤلاء على سبيل المثال سكان مخيم جباليا شمال غزة الذي رفضوا بشكل جماعي المغادرة”.
وقالت إن 350 ألفاً من سكان محافظتي الوسطى والجنوبية بما في ذلك في خانيونس ورفح قد تشردوا فعلياً رغم أنهم في المناطق التي طالب الاحتلال سكان الشمال بالرحيل باتجاهها”.
وأشارت: ووفقاً للأمم المتحدة، وبحلول 21 أكتوبر، فإن 42 بالمائة من مباني قطاع غزة قصفها الاحتلال الإسرائيلي برا وبحرا وجوا، بمات شمل أكثر من 15 ألف وحدة سكنية، بينها 10600 وحدة لم تعد قابلة للسكن، وشمل ذلك البنية الأساسية والمنشأت الخدمية والمرافق العمومية.
فرص عودة السكان
وجرى تدمير أحياء بكاملها في مناطق بيت حانون وبيت لاهيا شمالي غزة، وأحياء الرمال وسط مدينة غزة، وتل الهوى جنوب مدينة غزة، ومربعات سكنية كاملة في أحياء الزيتون والشجاعية والدرج، والتي تم تسويتها بالكامل.
وطال العدوان الإسرائيلي مقرات الأمم المتحدة، حيث تم قصف مقرات وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) تم استهدافها بالقصف بعد أن تحولت إلى ملاجيء يشغلها ٥٠٠ ألف نازح، وهددت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بقصف خمسة مدارس تابعة للأونروا في مدينة غزة والشمال ما لم يتم إجلاء السكان الذين يحتمون فيها.
ولم تسلم المستشفيات شمالاً وجنوباً من العدوان الإسرائيلي، خاصة بعد أن تحولت بفعل العدوان إلى ملاجئ لذوي الجرحى الذين يحتمون بها كأماكن آمنة لن تتعرض للقصف، ولعل في مذبحة مستشفى الأهلي العربي “المعمداني” مثال واضح على نية القتل العمدي، حيث تضم المستشفى كنيسة ومسجد، وراح ضحيتها 471 شهيداً و340 جريحاً.
وتشير الفحوصات الأولية بأن القصف الإسرائيلي تم بواسطة صاروخ أمريكي خارق للأعماق المعروف بـ “KM”، علماً بأن الجيش الأمريكي قد زود الاحتلال بمخزونات إضافية من نوعيات مختلفة، بينها كذلك قذائف من طرازات: JDAM، DSBs، BLU 109، BLU 113.
وتستنكر المنظمة الوقاحة الإسرائيلية الغربية بمحاولة إلصاق التهمة بمنظمة فلسطينية، بينما يظل بوسع الاحتلال الإسرائيلي تقديم الأدلة على ذلك، حيث تعمل القذائف التي بات يعرفها أهل قطاع غزة جيداً بالتوجيه بالأقمنار الصناعية، كما أن الجيش الأمريكي المنتشر داخل الأراضي المحتلة وقبالة سواحلها يمتلك القدرة على تقديم الأدلة الواضحة في حال تبيَن له أنه الصاروخ جاء من مصدر فلسطيني.
وتواصل سلطات الاحتلال الضغط على المستشفيات شمال غزة للاخلاء والتوجه جنوباً، علماً بأن المشافي تضم الآلاف من الجرحى والمرضى وعشرات الآلاف من أهالي الجرحى والمرضى، فيما يعد إخلاء الجرحى والمرضى مستحيل وبمثابة حكم بالإعدام، وأبطال الطواقم الصحية رفضوا الرحيل وقالوا إن “نقل المرضى هو مستحيل وسنموت مع المرضى ولا نتركهم فريسة للموت”.
ويوجد نحو 14 ألف مريض بالسرطان يفتقدون للرعاية الصحية، ويوجد عشرات الآلاف من النساء الحوامل اللائي يفتقدن الرعاية الصحية، فيما وزع طيران الاحتلال منشورات باللغة الغربية يطالب 500 ألف من الباقين شمال وادي غزة بالإخلاء جنوبا، والا فإنهم وفقا لمنشور الاحتلال شركاء لـ”تنظيم إرهابي”.
مطالب المنظمة العربية
وتشدد المنظمة العربية لحقوق الإنسان وفي مواجهة دائرة الموت المفرغة التي لا يمكن حسبانها للأرواح الملتاعة وسط العدوان سوى بالثواني، على مطالبها الآتية:
- على مجلس الأمن الدولي الاضطلاع بواجباته في حفظ السلم والأمن الدوليين وإصدار قرار ملزم بوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، وإعلان قطاع غزة منطقة منكوبة، وضمان العودة السلمية للنازحين لمساكنهم التي نجت من القصف وتجهيز ملاجيء لمن فقدوا منازلهم لحين إعادة الإعمار، وقيام اللجنة الدولية للصليب الأحمر بتولي معالجة أزمة الأسرى والرهائن والإشراف على الممرات الآمنة لوصول المساعدات.
- الجمعية العامة للأمم المتحدة بالانعقاد بشكل عاجل – وقبل نهاية يوم 28 أكتوبر/تشرين أول الجاري – لمناقشة تداعيات استخدام الولايات المتحدة الأمريكية لحق النقض “الفيتو” للمرة رقم 46 لتقويض دور مجلس الأمن ومهامه الواجبة.
- الجمعية العامة للأمم المتحدة بعقد اجتماعها الطارئ بموجب صيغة “الاتحاد من أجل السلم” لاتخاذ قرار ملزم في حال الفشل المتوقع من مجلس الأمن بوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، وإعلان قطاع غزة منطقة منكوبة، وضمان العودة السلمية للنازحين لمساكنهم التي نجت من القصف وتجهيز ملاجيء لمن فقدوا منازلهم لحين إعادة الإعمار، وقيام اللجنة الدولية للصليب الأحمر بتولي معالجة أزمة الأسرى والرهائن والإشراف على الممرات الآمنة لوصول المساعدات.
- مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة بعقد جلسة طارئة للنظر في الأوضاع الراهنة في فلسطين المحتلة، وتلقي تقرير أولي من لجنة التحقيق التابعة له عن الوضع القائم وأنماط الانتهاكات المرتكبة والتوصيات العاجلة.
- مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية لإنهاء الجمود الراهن في ملف التحقيقات والاضطلاع بمسئولياته بموجب أحكام نظام روما الأساسي.
- الحكومة السويسرية باعتبارها جهة الإيداع لاتفاقية جنيف الرابعة بدعوة الأطراف السامية المتعاقدة للاضطلاع بمسئولياتها وضمان إنفاذ الاتفاقية وفرض الحماية الدولية للمدنيين الفلسطينيين تحت الاحتلال.
- جامعة الدول العربية بالتحرك الفوري لدفع الأجهزة الأممية والآليات الدولية للنهوض بمهامها وعقد الجلسات الطارئة المذكورة أعلاه.
- جامعة الدول العربية لتوفير حاضنة لضمان توفير الدعم اللازم للشعب الفلسطيني في محنته وتوفير المساعدات الضرورية، والتمهيد لإعادة الإعمار.
مشروع أمريكي جديد
من جانبها اقترحت الولايات المتحدة مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي، يؤكد حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، ويطالب إيران بالتوقف عن تصدير الأسلحة إلى “الميليشيات والجماعات التي تهدد السلام والأمن في أنحاء المنطقة، فيما دعا مشروع القرار الذي قدم السبت إلى حماية المدنيين، بمن فيهم أولئك الذين يحاولون النجاة بأنفسهم.
كما شدد المشروع على “وجوب الالتزام بالقانون الدولي عند الرد على “الهجمات الإرهابية”، وحثّ على دخول المساعدات إلى قطاع غزة بشكل “مستمر وكاف ودون أي عوائق”.
إلا أن مشروع القرار لم يدع إلى أي وقف أو هدنة، بل حثّ جميع الدول على “الحيلولة دون اتساع رقعة العنف في غزة، أو الامتداد إلى مناطق أخرى في المنطقة، وذلك من خلال مطالبة حزب الله والجماعات المسلحة الأخرى بالوقف الفوري لجميع الهجمات”.
كذلك طالب إيران بوقف تصدير الأسلحة إلى الجماعات التي تهدد السلام والأمن في جميع أنحاء المنطقة ومنها حماس، لكن لم يتضح على الفور ما إذا كانت الولايات المتحدة تعتزم طرح مشروع القرار للتصويت أو متى، وفق ما أفادت رويترز.
علماً أنه تتطلب الموافقة على القرار تأييد تسعة أصوات على الأقل وعدم استخدام روسيا أو الصين أو الولايات المتحدة أو فرنسا أو بريطانيا حق النقض (الفيتو).
تأتي هذه الخطوة من جانب الولايات المتحدة بعد أن استخدمت حق النقض ضد نص صاغته البرازيل يوم الأربعاء الماضي، كان يدعو إلى هدنة إنسانية في الصراع بين إسرائيل وحركة حماس، للسماح بدخول المساعدات إلى غزة.