عقد الجامع الأزهر، أمس الثلاثاء، حلقة جديدة من حلقات “ملتقى الأزهر للقضايا الإسلامية”، لمناقشة قضية «الأمن الفكري.. رؤية قرآنية»، وذلك في إطار سعيه المستمر لمعالجة القضايا الفكرية الراهنة.

أدار اللقاء الدكتور هاني عودة، مدير عام الجامع الأزهر، واستضاف الدكتور حبيب الله حسن، أستاذ العقيدة بجامعة الأزهر الشريف، والدكتور علي مهدي، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر وعضو لجنة الفتوى بالجامع الأزهر، حيث تناولوا قضية الأمن الفكري وأثرها في استقرار المجتمعات الإسلامية في ظل التحديات الفكرية المعاصرة.

وأكد الدكتور حبيب الله حسن، في كلمته، أن الأمن الفكري هو أحد الركائز الأساسية لاستقرار أي مجتمع، موضحًا أن الفكر السليم يمر عبر الحواس والعقل ليستقر في القلب، وأن الاضطراب الفكري يؤثر سلبًا على الإيمان والسلوك، مما يؤدي إلى خلل في المجتمعات.

وأوضح أن من أخطر مظاهر هذا الاضطراب انتشار التقليد الأعمى، حيث يتبع البعض أفكارًا دون تمحيص أو تفكير، وهو ما يعوق الوصول إلى إيمان راسخ ومستقر.

وأضاف أن القرآن الكريم شدّد على أهمية إعمال العقل والتدبر، وحذّر من التمسك بالموروثات الفكرية دون وعي، كما في قوله تعالى:
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ ءَابَآءَنَا أَوَلَوْ كَانَ ءَابَآؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْـًٔا وَلَا يَهْتَدُونَ﴾،
مشيرًا إلى أن الإسلام يدعو إلى التجديد والاجتهاد في الفهم، بعيدًا عن الجمود الفكري والتقليد الذي يعوق تقدم الأمة.

كما شدّد الدكتور حبيب الله حسن على أن الانحراف الفكري ليس مجرد ظاهرة عابرة، بل هو نتيجة غياب المنهجية العلمية السليمة في تلقي المعرفة.

وأوضح أن القرآن الكريم وضع أسسًا واضحة لحماية الفكر والعقل من الانحراف، من خلال التأكيد على استخدام الحواس والعقل والتأمل في الكون، حيث قال تعالى:
﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَٱخْتِلَافِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُو۟لِى ٱلْأَلْبَٰبِ * ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَٰمًۭا وَقُعُودًۭا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ﴾.

وأكد أن المجتمعات الإسلامية لا يمكن أن تنهض إلا بوعي فكري متكامل يدمج بين الإيمان والعقل، مشيرًا إلى أن أي محاولة لفصل العقل عن الإيمان أو الإيمان عن العقل تؤدي إلى خلل فكري عميق ينعكس سلبًا على سلوك الأفراد واستقرار المجتمعات.

من جانبه، تحدث الدكتور علي مهدي عن مفهوم الأمن الفكري في ضوء القرآن الكريم، موضحًا أن الأمن الفكري يعني تحصين المجتمع من الغزو الثقافي والأفكار الوافدة التي تهدف إلى تفكيك ثوابته الدينية وقيمه الأخلاقية، حتى يصبح هشًّا يسهل اختراقه والسيطرة عليه.

وأشار إلى أن القرآن الكريم تعامل مع الإنسان باعتباره كائنًا مركبًا من عقل وفطرة، ودعاه إلى إعمال الفكر والنظر للوصول إلى الإيمان الحق، حيث قال تعالى:
﴿قُلِ ٱنظُرُواْ مَاذَا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَمَا تُغْنِى ٱلْءَايَٰتُ وَٱلنُّذُرُ عَن قَوْمٍۢ لَّا يُؤْمِنُونَ﴾.

كما حذّر من التيارات الفكرية التي تسعى إلى تدمير القيم الأخلاقية من خلال الترويج للإباحية والشذوذ، وطرحها على أنها حقوق مشروعة للإنسان، وهو ما يشكل خطرًا كبيرًا على المجتمعات الإسلامية.

وأوضح أن هذه المحاولات لم تعد مجرد نظريات خفية، بل أصبحت واقعًا ملموسًا، يتم تسويقه عبر وسائل الإعلام والمنصات الرقمية بهدف تقويض الأسرة المسلمة وإضعاف دورها في بناء المجتمع.

وشدد على ضرورة تعزيز الوعي لدى الأفراد والمجتمعات لمواجهة هذه الأفكار الهدامة، من خلال العودة إلى تعاليم الإسلام الراسخة التي تدعو إلى الفضيلة وتحفظ كيان الأسرة والمجتمع.

وفي ختام الملتقى، أكد الدكتور هاني عودة أن هناك مخططات تسعى إلى زعزعة استقرار المجتمعات الإسلامية من خلال نشر الإلحاد والانحلال الأخلاقي، واستهداف الشباب تحديدًا لإبعادهم عن القيم والمبادئ الإسلامية.

وأشار إلى أن بعض الدعوات التي نسمعها اليوم، مثل استبدال الزواج الشرعي بما يسمى «المصاحبة»، ليست سوى محاولات لضرب القيم الإسلامية وإفساد الشباب بحجة الحد من نسب الطلاق، لكنها في الحقيقة تقود إلى مزيد من الانحلال والانهيار الأخلاقي.

وأضاف أن هذه الأفكار الهدامة تأتي ضمن خطط ممنهجة لإضعاف المجتمعات الإسلامية من الداخل، إلا أن القرآن الكريم قدّم الحلول الكفيلة بمواجهتها، من خلال ترسيخ العقيدة الصحيحة وتعزيز القيم الأخلاقية بالحكمة والموعظة الحسنة، مما يجعل الأمة الإسلامية قادرة على التصدي لهذه التحديات بعقيدتها الراسخة وكتابها الكريم وسنة نبيها ﷺ.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version