يُعد محمد علي باشا مؤسس مصر الحديثة، حيث نفّذ مشروعات عمرانية ضخمة غيّرت البنية التحتية للدولة وجعلتها أكثر تطورًا مقارنة بعصور ما قبل حكمه، لم تكن هذه المشروعات مجرد تحديثات، بل كانت جزءًا من استراتيجيته لإحكام سيطرته على مصر وتحويلها إلى قوة إقليمية كبرى، خاصة من خلال تطوير الزراعة والصناعة والمواصلات، مما انعكس بشكل مباشر على العمران والتخطيط الحضري.
كان الري والزراعة من أهم المجالات التي شهدت تطورًا كبيرًا خلال فترة حكمه، إذ اهتم بشق الترع والقنوات لضمان وصول المياه إلى الأراضي الزراعية، وكان من أبرز هذه المشاريع ترعة المحمودية التي تم إنشاؤها عام 1819 لتوفير المياه لمدينة الإسكندرية. كما بدأ العمل في مشروع القناطر الخيرية لتنظيم مياه النيل والتحكم في فيضانه، مما ساعد على توسيع الرقعة الزراعية وزيادة الإنتاج، إلى جانب ذلك، أدخل زراعة القطن طويل التيلة، وهو ما جعل مصر من أهم الدول المنتجة والمصدّرة للقطن على مستوى العالم.
لم تقتصر مشروعات محمد علي على الزراعة فقط، بل شملت أيضًا إعادة تخطيط المدن وتحديثها، وخاصة القاهرة، حيث قام بتوسيع الشوارع وإنشاء ميادين جديدة وبناء أحياء سكنية حديثة مثل حي الأزبكية، الذي أصبح مركزًا إداريًا وثقافيًا مهمًا في ذلك الوقت. كما حرص على إنشاء المباني الحكومية والمصانع بالقرب من العاصمة لتعزيز دورها كمركز اقتصادي وإداري.
كان بناء القصور والمنشآت الحكومية جزءًا أساسيًا من خطة محمد علي العمرانية، حيث شيد العديد من القصور الفخمة التي تعكس تأثره بالأساليب المعمارية الأوروبية، مثل قصر الجوهرة داخل قلعة صلاح الدين. كما أنشأ دواوين الحكومة لتنظيم إدارة الدولة، مما ساعد في إرساء نظام إداري أكثر تطورًا.
شهدت البنية التحتية والمواصلات أيضًا طفرة كبيرة خلال هذه الفترة، حيث تم تطوير شبكة الطرق بين المدن لتسهيل حركة التجارة والتنقل. وحرص على تحديث موانئ الإسكندرية لجعلها مركزًا تجاريًا عالميًا، إلى جانب إدخال وسائل نقل جديدة مثل العربات التي تجرها الخيول لنقل الركاب والبضائع.
لم تقتصر النهضة العمرانية على المشروعات الزراعية والإدارية، بل امتدت إلى الصناعة، حيث أنشأ العديد من المصانع الحديثة، مثل مصانع الغزل والنسيج، والصناعات الحربية التي ساهمت في دعم الجيش المصري. كما أسس ترسانة بحرية في بولاق والإسكندرية، مما جعل الأسطول المصري من أقوى الأساطيل في المنطقة في ذلك الوقت.
ساعدت هذه المشروعات في تحويل مصر إلى دولة حديثة ذات بنية تحتية قوية، لكنها في الوقت نفسه عززت سلطة محمد علي المطلقة، حيث كان يهدف من خلالها إلى السيطرة على الموارد وضمان ولاء الطبقات الحاكمة. ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن هذه الإصلاحات وضعت الأساس لنهضة مصر العمرانية والاقتصادية التي استمرت لعقود طويلة. ولكن يبقى التساؤل: هل كانت هذه النهضة العمرانية في الأساس لصالح الشعب أم لتعزيز قوة الدولة فقط