في مدينة الغردقة، حيث يلتقي الجمال الطبيعي بالتراث الثقافي، يبرز فن تحنيط الكائنات البحرية كإحدى أقدم الحرف التي تحكي قصص البحر الأحمر العميقة. 

هذا الفن ليس مجرد وسيلة للحفاظ على أجساد الكائنات النافقة، بل هو نافذة مفتوحة نحو عالم تحت الماء، حيث تستمر المخلوقات البحرية في سرد حكاياتها رغم انقضاء أعمارها.

أسرار التحنيط: من الممارسة إلى المهارة

تبدأ عملية التحنيط بخطوات متقنة تهدف إلى حفظ أدق تفاصيل الكائن البحري. 

يتم تنظيف الجسد بدقة متناهية، قبل أن يتم إفراغه بعناية، مع الحفاظ على الهيكل الطبيعي. 

تُستخدم مواد خاصة للحشو مثل قش الأرز، ويتم تطبيق تركيبة كيميائية تضمن بقاء الجلد في حالته الطبيعية لأطول فترة ممكنة. 

العملية ليست مجرد تقنية، بل هي حرفة تتطلب صبرًا وخبرة لتظهر الكائن وكأنه حي.

تحديات وصعوبات: بين الحوت والقروش

تتنوع التحديات التي يواجهها المحنطون حسب نوع الكائن وحجمه. تحنيط الحيتان، مثلًا، يتطلب تقنيات خاصة بسبب سماكة جلدها، بينما تُعتبر الكائنات الصغيرة مثل القروش أقل تعقيدًا. 

المحنطون يواجهون تحديات فريدة مع كل كائن، ما يجعل كل عملية تحنيط تجربة فريدة بحد ذاتها.

علام إسماعيل: رائد التحنيط البحري

أحد أعمدة هذا الفن هو علام إسماعيل، الذي كرس حياته لتحنيط الكائنات البحرية، محولًا هذه الحرفة إلى إرث متجدد. منذ أكثر من ثلاثة عقود، عمل علام في معهد علوم البحار، حيث اكتسب خبرته من الممارسة اليومية والمثابرة. 

من بين أعماله البارزة، تحنيط حوت عملاق يعرض حاليًا في متحف الغردقة، إلى جانب العديد من الأسماك والطيور البحرية النادرة.

فن التحنيط: جسر بين الماضي والحاضر

لا يقتصر فن تحنيط الكائنات البحرية على كونه عملًا تقنيًا، بل هو امتداد لتراث بحري عريق، مع انتقال هذه المهارات من جيل إلى آخر، يبقى هذا الفن شاهدًا حيًا على التنوع البيولوجي للبحر الأحمر.

من خلال أعمال التحنيط، تتجلى قدرة الإنسان على تحويل الكائنات النافقة إلى رموز حية تحكي قصص الماضي وتُلهم المستقبل.

في معهد علوم البحار بالغردقة، يستمر الجيل الجديد من المحنطين في الحفاظ على هذا الإرث الفريد، مؤكدين أن الحفاظ على البيئة البحرية هو جزء لا يتجزأ من التراث الثقافي للمدينة.

 

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version