لم تكن الساعات الأخيرة من حياة الشاب أحمد المعروف باسم ضحية الجيم في كفر الشيخ، مجرد لحظات طارئة مرّت وانتهت، بل شكلت صدمة قاسية لعائلته وأصدقائه ولكل من عرفه أو سمع بقصته. شاب في مقتبل العمر، رياضي وطموح، يستعد ليبدأ خطوة جديدة في طريقه المهني كطبيب، ينتهي به المطاف على سرير داخل مستشفى حكومي، يصارع الألم قبل أن يفارق الحياة وسط روايات وشهادات تحمل الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام. حادثة وفاته التي يصفها المقربون بأنها نتيجة إهمال طبي، أشعلت مشاعر الغضب والحزن، وأعادت إلى الواجهة واقعًا مؤلمًا.

وفي هذه القصة، التي تكشف تفاصيلها شهادات الأصدقاء وذوي الضحية، يتشكل مشهد يمزج بين مرارة الفقد وصدمة اللحظة وأسئلة لا تنتهي حول ما إذا كان يمكن إنقاذ أحمد لو وجد رعاية طبية عاجلة، أو تعاملًا مهنيًا سريعًا، أو حتى اهتمامًا إنسانيًا حقيقيًا من الأطباء والمسؤولين داخل المستشفى.

من لحظة السقوط إلى باب المستشفى

يروي محمد فوزي، صديق أحمد المقرب، ما حدث من البداية. يقول إن ما تردد على مواقع التواصل من شائعات حول وفاة أحمد داخل الجيم أو وصوله إلى المستشفى متوفيًا عارٍ تمامًا من الصحة. ويوضح أن صديقه كان حيًا ويتحرك على قدميه:
“أحمد وقع في الجيم، وبعدها الكابتن اتصل بينا وقال إنه تعبان وعايز حد من أهله. أخدوه وراحوا المستشفى وهو ماشي على رجليه، الساعة تقريبًا كانت تسعة ونص.”

ويضيف فوزي أنهم حاولوا الحصول على تسجيلات كاميرات المستشفى لإثبات أن أحمد دخل المستشفى حيًا وبرفقة مدربه، وأن ما يشاع غير ذلك لا يمت للحقيقة بصلة.

الارتباك الطبي.. والبحث عن تشخيص ضائع

ويتابع فوزي حديثه عن اللحظات داخل المستشفى، فيقول إنهم عند وصولهم لم يجدوا أي رعاية طبية أو استجابة من الطبيب المناوب، رغم أن والدة أحمد كانت هناك وتستغيث من أجل إنقاذ ابنها. ويوضح: “أول حاجة سمعناها من الدكتور إنه مفيش سرير فاضي، وإنه لازم يتحط على سرير رعاية. والده ووالدته كانوا في حالة انهيار، ومحدش كان راضي يسمعهم”.

ويكشف فوزي أن الطبيب الذي باشر الحالة كان جراحًا وليس طبيب طوارئ، وأنه بدا غير مدرك للحالة الصحية أمامه، ثم بدأ يتشاور مع طبيب آخر حول إعطاء أحمد جلوكوز أو محلول ملحي بما بدا أنه ارتباك واضح في التعامل مع حالته.

محلول الجلوكوز.. بداية الانهيار

ويشير فوزي إلى أن إعطاء الجلوكوز لأحمد كان قرارًا خاطئًا بحسب ما قاله مختصون حضروا لاحقًا، إذ بدأ بعدها يدخل في حالة قيء وتدهور سريع، دون أن يكون هناك تدخل طبي فعلي لمعرفة السبب الحقيقي وراء حالته. ويقول: “هم كانوا بيعالجوا العرض مش المرض. أحمد كان محتاج رسم قلب وتشخيص دقيق، مش مجرد محاليل وخلاص. بعد ما ركبوا الجلوكوز حالته ساءت جدًا، والأكسجين نزل لـ 60، وساعتها عرفنا إنه في خطر حقيقي.”

ويتابع قائلًا إن حالة أحمد تدهورت بشكل ملحوظ، وأنه بدأ يتشنج ويتحرك بطريقة غير طبيعية، لكن الطبيب فسرها بأنها حالة هيجان، قبل أن يقرر إعطاءه حقنة غير معروفة النوع وسط اعتراض من أسرته وصهره الطبيب الصيدلي.

الحقنة القاتلة.. شهادة صادمة

ويروي محمد فوزي اللحظة الفاصلة التي لا يزال صداها محفورًا في ذاكرته:
“أول ما أحمد خد الحقنة، وشه ابيض بالكامل، وبقى ساكت. الدكتور قال بصوا وشه؟ ارتاح. لكن الحقيقة إن أحمد مات. كان بيصرخ وبيتحرك قبل الحقنة، وبعدها سكت ومات.”

ويؤكد فوزي أن شفايف أحمد بدأت تزرق قبل إعطاء الحقنة، ما يشير إلى معاناة واضحة من نقص الأكسجين. ومع ذلك، لم يتم إجراء أي تدخل جاد لإنقاذه، بل حاول الأطباء بعد وفاته تنفيذ إنعاش قلبي اصطناعي دون جدوى، ثم اكتشفوا أن رسم القلب معطّل، فبدلوه بآخر ليظهر عدم وجود نبض.

أجهزة معطلة وتقصير فادح

يشير فوزي إلى أن جهاز رسم القلب الذي استخدم لأول مرة لم يظهر أي إشارات، فاعتقد الطبيب أن الجهاز تالف، وهو ما ثبت بالفعل بعد استبداله. ويقول بغضب:
“إزاي جهاز يستخدم لإنقاذ حياة إنسان يبقى بايظ؟ وإزاي يتم اكتشاف ده بعد ما الراجل يموت؟”

وعندما تم التأكد من توقف القلب، حاول فريق التمريض إجراء إنعاش لمدة 15 دقيقة وسط غياب تام للأطباء، قبل إعلان الوفاة رسميًا.

شقيق أحمد: “مات قبل ما حد يحس بيه”

الحدث الأكثر ألمًا جاء في كلمات شقيق أحمد، الذي تحدث لـ”صدى البلد” والصدمة تسيطر على صوته. يقول أن الأطباء لم يكونوا متواجدين أو متابعين للحالة. ويضيف:
“الدكاترة مكنوش موجودين.. لا رسم قلب ولا أكسجين ولا أي حاجة. مات قبل ما حد يحس بيه.”

ويتابع روايته عن آخر لحظات أحمد في البيت:
“صلى العشاء وقال لأمي: اعملي كيكة، وأنا رايح الجيم. كان طبيعي وبيضحك. نشر ستوري آخرها آية عن الموت. كأنه كان حاسس.”

آخر صورة نشرها أحمد على مواقع التواصل كانت الساعة 7:23 دقيقة مساءً، تحمل آية قرآنية عن الموت، قبل أن يغادر منزله إلى الجيم حيث بدأت المأساة.

قصة أحمد ليست مجرد حالة وفاة داخل مستشفى، بل حكاية وجع عميق لأسرة فقدت ابنها، ولأصدقاء رأوا بأعينهم ما لم يتحملوه، ولشاب كان يحلم أن يصبح طبيبًا يساعد الآخرين وينقذ حياتهم، فإذا به يموت بين أيدي من يفترض بهم إنقاذه.

الأسئلة المطروحة لن تهدأ، ومساحة الشك لن تضيق إلا بعد كشف الحقيقة كاملة. أحمد لم يمت فجأة، بل رحل في سلسلة من الأخطاء والتأخير والارتباك داخل منظومة يفترض أنها ملاذ الأمان الأخير.

وربما يكون آخر ما كتبه في حياته من آية عن الموت، رسالة حملت معنى لم يدركه إلا بعد رحيله، ودرسًا يذكرنا بأن الحياة قد تنطفئ في لحظة، لكن الحقيقة لا ينبغي أن تُدفن معها.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version