كشفت الأحداث التي يعيشها قطاع غزة منذ 24 يوما، عن ازدواجية كبيرة في المعايير والكيل بمكيالين من قبل الدول الغربية، فيما يتعلق باحترام القوانين وحقوق الإنسان، طالما أن الأمر يتعلق بالمسلمين والعرب.
وفضحت ازدواجية المعايير من قبل الدول الكبرى، سياستهم التي تقوم على المصالح قبل حقوق الإنسان واحترام القوانين والمعاهدات الدولية، وظهر ذلك مع عملية الق//تل الممنهج والتدمير والتهجير القسري من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي لسكان قطاع غزة.
ازدواجية المعايير
وأصدر الائتلاف المصري لحقوق الإنسان والتنمية، تقريرًا بعنوان: “المصالح تحكم.. غزة نموذج حي على ازدواجية المعايير الغربية”، حيث ركز التقرير على تباين مواقف الدول الغربية المتمثلة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا، في تعامل مع الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة عِقب عملية طوفان الأقصى.
وقد رصد التقرير عددا من الملاحظات أهمها:
أولًا: الإجراءات والسياسية الداعمة والمنحازة لإسرائيل، والتي تتمثل في استغلال وسائل الإعلام الغربية في نشر المعلومات الزائفة والأكاذيب المؤكدة عبر الترويج بأن إسرائيل هي في الأساس ضحية هجوم حماس الإرهابي، ومن ثم فإن لها الحق في الدفاع عن نفسها، مع التغاضي عن ما يحدث من مجازر تجاه الفلسطينيين.
وقد شملت هذه الإجراءات أيضا توفير الدعم العسكري الشامل من أسلحة حديثة ومتطورة بجانب الدعم المادي السخي، بحجة أن كل من في قطاع غزة ينتمي لجماعة حماس، كل ذلك مقابل مدنيين عُزّل من السلاح محاصرين وممنوعين حتى من الحق في الحياة، وذلك عبر انقطاع الكهرباء والوقود والماء.
كما شملت هذه الإجراءات الدعم الغربي في المحافل الدولية، خاصًة مجلس الأمن الدولي، وهو ما ظهر من خلال استخدام الدول الغربية، في مقدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا، حق الفيتو ضد مشروع قرار يدين الكيان الإسرائيلي.
ثانيًا: انتهاكات الحق في التظاهر والاحتجاج السلمي، حيث انتهجت الدول الغربية المتمثلة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا، وهي الدول التي تقدم نفسها دائما أنها مدافعة عن حقوق الإنسان، نهجًا معاكسًا لهذه المزاعم وهي قمع التظاهرات والاحتجاجات السلمية المؤيدة لفلسطين.
وقد ظهر ذلك من خلال تهديد الجامعات، خاصة جامعة هارفارد، بقطع المساعدات المالية، بسبب الاحتجاجات الداعمة للفلسطينيين الذي قام بها العديد من الطلاب الجامعيين التي ندد فيها عدة جمعيات طلابية في عريضة، بمسؤولية النظام الإسرائيلي عن الهجمات التي شنتها المقاومة الإسلامية (حماس) في 7 أكتوبر، فضلًا عن اعتقال ما يقرب من 20 متظاهرًا في مدينة نيويورك خلال مظاهرة مناهضة لإسرائيل.
كما حظر وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان المظاهرات المؤيدة للشعب الفلسطيني، باعتبار أنها تهدد الأمن العام، كما لم تتردد قوات الأمن الفرنسية في إطلاق الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه لتفرقة المتظاهرين، وتم اعتقال 4 أشخاص بعد سماع هتافات مثل “إسرائيل قات/لة، ماكرون متواطئ”، وفق بلدية ليون، فضلًا عن اعتقال 13 شخصًا في ستراسبورج، و 4 أشخاص في مرسيليا، وفرضت غرامات على ما مجموعه 752 شخصًا، فيما هدد وزير العدل الفرنسي إريك دوبوند موريتي، بـ”السجن 7 سنوات”، لكل من يتعاطف مع ما تتعرض له إسرائيل بما يدعم “حماس” أو يعلن مساندتها.
وكانت الإجراءات ذات طابعا مختلفا، فقد حددت السلطات عدة محظورات تتعلق بدعم فلسطين من خلال المظاهرات والاحتجاجات، أهمها حظر استخدام أعلام المنظمات المصنفة إرهابية: “حماس،” و”الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين”، وعدم ارتداء الكوفية أو رفع العلم الفلسطيني، كما يُعتبر حر/ق العلم الإسرائيلي فعلاً إجراميا يعاقب عليه القانون كما أنها حظرت مظاهرات التضامن مع الفلسطينيين منذ 11 أكتوبر الجاري، وبالرغم من الحظر فقد خرج آلاف المتظاهرين بمختلف المدن الألمانية، في مسيرات تضامنية مع فلسطين واعتقلت الشرطة أكثر من 127 شخصًا.
فيما وجّهت وزيرة الداخلية البريطانية سويلا برافرمان، باستخدام القوة الكاملة لمنع ظهور ما وصفته بـ”رموز أو شعارات معادية لإسرائيل في شوارع البلاد”، كما اعتقلت الشرطة البريطانية، ثلاثة أشخاص خلال مظاهرة أمام السفارة الإسرائيلية في لندن، واعتقلت أربعة أشخاص آخرين في ساحة القديس بطرس، كما أعلنت شرطة مانشستر الكبرى، أنه تم اعتقال أربعة أشخاص للاشتباه في خرقهم للسلام.
دعم الفلسطينيين
ثالثًا: انتهاكات الحق في العمل، حيث امتدت الانتهاكات الحقوقية في الدول الغربية المتمثلة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا، لتشمل الحق في العمل، وهو ما ظهر من خلال التالي:
- أوقفت شبكة “إم إس إن بي سي” ثلاثة من مذيعيها المسلمين.
- قامَ مستشفى لينوكس هيل، في حي مانهاتن بمدينة نيويورك، بفصل طبيبة قسم الطوارئ، دانا دياب، بزعم إشادتها بما قامت به حركة حماس.
- تم فصل تيك توكر المصري كريم قباني، من العمل في فرنسا بسبب تضامنه مع القضية الفلسطينية.
- أعلن نادى نيس الفرنسي إيقاف الدولي الجزائري يوسف عطال لحين إشعار آخر، بسبب منشور دعم فيه القضية الفلسطينية، زاعمًا أن هذا المنشور معادٍ للسامية.
- أنهى نادي ماينز الألماني، عقد لاعبه الهولندي من أصول مغربية أنور الغازي بعد نشره تدوينة تعلن تضامنه مع فلسطين.
- يتعرض عيسى العيدوني، لاعب منتخب تونس ونادي يونيون برلين الألماني إلى هجمة شرسة، بضرورة فسخ العقد وإبعاد اللاعب عن صفوف الفريق.
- أعلنت هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سى”، إيقاف 6 من صحفييها العرب بعد إشادتهم على منصة “إكس” بعملية طوفان الأقصى.
رابعًا: انتهاكات الحق في الحياة والأمن، والتي شملت سلسلة الانتهاكات الحقوقية في الدول الغربية المتمثلة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا، التهديد بالقتل أو السجن او الترحيل لداعمي القضية الفلسطينية، وهو ما ظهر من خلال تهديد 3 نائبات أمريكيات ديمقراطيات وهن إلهان عمر من مينيسوتا، ورشيدة طليب من ميشيغان، وكوري بوش من ميسوري، وألكساندريا أوكاسيو كورتيز من نيويورك، بالقتل، بسبب مطالبتهم بوقف إطلاق النار.
خامسًا: انتهاكات الحق في الحرية، والتي شملت الانتهاكات الحقوقية، الحق في الحرية، وظهر ذلك من خلال فرض السلطات الفرنسية، فرض الإقامة الجبرية على الناشطة الفلسطينية مريم أبو دقة، عضو الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، البالغة 71 عامًا، تمهيدًا لطردها من البلاد، لأنها تمثل تهديدًا للأمن العام، كما تعرض نجم نادي مونبيليه الفرنسي لكرة القدم، موسى التعمري، للعديد من التهديدات بالسجن على إثر دعمه المتواصل لفلسطين وغزة.
سادسًا: انتهاكات الحق في التعبير عن الرأي، فالحق في التعبير عن الرأي الذي يُعد المظلة الأم للحقوق والحريات، لم يسلم من هذه الانتهاكات المسلسلة، وهو ما ظهر من خلال:
- يواجه زعيم “الحزب الجديد المناهض للرأسمالية” الفرنسي، فيليب بوتو، ملاحقات قضائية بتهمة “معاداة السامية ودعم الإرهاب”، وكان بوتو قد أعرب عن “دعمه الكامل لنضال الشعب الفلسطيني من أجل تحرير أرضه”.
- تم حظر شبكة “صامدون” الفلسطينية، التي تُعد جزءً من “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين”، كما تعرض العديد من العرب الداعمين لفلسطين إلى التهديدات بالطرد والترحيل.
- أعلنت هيئة النقل في لندن، أن سائق مترو الأنفاق الذي قاد هتاف “فلسطين حرة حرة” في قطار أنفاق لندن تم إيقافه عن العمل انتظاراً لمزيد من التحقيق في الحادث.
سابعًا: انتهاكات الحق في الجنسية: من المعروف أن الجنسية هي الرابط بين المواطن ودولته، وهي تُشكل جزءً من هويته، ومن ثم فهي أحد أهم حقوق الإنسان، إلا أن فرنسا لم تتردد ولو للحظة في الضغط على اللاعب الفرنسي كريم بنزيما في سحب الجنسية منه على إثر دعمه لفلسطين.
مساندة إسرائيل
وقد انتهي التقرير الي النقاط التالية:
- ما يحدث على الساحة الدولية من تأييد مُعلَن لجرائم القتل والتدمير المُمارس على سكان غزة، دلالة على أنه لم يعد لدى الدول الغربية، وبالذات الولايات المتحدة، حاجة للتجمل بعبارات الدبلوماسية، الحقوق الإنسانية، الحرية والديمقراطية التي تتخذها شعارًا لها في المحافل الدولية، إذ أصبح تحقيق مصالحها هو الأولوية الذي تنطلق منه قراراتهم العنجهية المساندة لإسرائيل، دون أدنى اعتبار للشرعية الدولية.
- منذ انطلاق معركة “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر، والحكومات الغربية من خلال استغلال وسائل إعلامها، تمارس ازدواجية فاضحة في المعايير: انحياز إلى إسرائيل لا يُوصف، وتبنّي أكاذيب وتلفيق أخبار زائفة مع تناقل قصص عن قتل أطفال وقطع رؤوس وذبح واغتصاب إسرائيليات، وكل ذلك من أجل تصوير إسرائيل على أنّها ضحية مظلومة، وقعت فريسة سهلة بين أنياب الفلسطينيين “المجرمين/الإرهابيين”، كل ذلك في ظل قيام الحكومات الغربية بغض النظر، عن كل الانتهاكات والمخالفات الإسرائيلية للقوانين والمعايير الدولية في قطاع غزة، من خلال استهداف المنشآت المدنية، وتنفيذ هجمات واسعة النطاق على البنى التحتية المدنية في غزة، وكذلك في الضفة الغربية، الخالية من حركة “حماس” التي تتحجج بها إسرائيل من أجل قتل الفلسطينيين، وهذا يدل أنّ “حماس” لم تكن سوى حجة من أجل تنفيذ ما تطمح إليه إسرائيل، وهو تهجير الفلسطينيين من غزة، والتخلّص منهم إلى الأبد.
- بينما اتهمت الدول الغربية، خلال الحرب الروسية الأوكرانية، أولاً وقبل كل شيء، موسكو بممارسة “العدوان على دولة ذات سيادة”، فضلاً عن اتهامها باحتلال وقصف مرافق البنى التحتية، من مستشفيات ومدارس ومنشآت للطاقة ومراكز حكومية مدنية، بلا أدلة ومن أجل أجندات سياسية باتت واضحة اليوم، ومن ثم، باتت تمد أوكرانيا بكل أنواع الأسلحة المتقدمة المتاحة من أجل الانتصار على روسيا، فضلًا عن أنها لم تتردد في الضغط على المحكمة الجنائية الدولية، لإصدار مذكرة توقيف بحق الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، باعتبار “مجرم حرب”، في حين تدعم الدول الغربية رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو”، الذي يرتكب مجازر بشعة ضد أطفال فلسطين الذي بلغ عددهم 2,360 طفل وإصابة 5,364 آخرين حتى يوم 24 أكتوبر، فضلًا عن أنه يقطع الوقود والكهرباء والماء عن قطاع غزة الذي يسكنه مليونا شخص!!!.
- لم تكتف الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا، بإعلان انحيازها الكامل للاحتلال الإسرائيلي، بل تعدى دعم الدول الغربية “بلاد الحرية والديمقراطية”، إلى ملاحقة الأصوات المناصرة للقضية الفلسطينية، ومنعها من التعبير عن الرأي، إما من خلال تهديدها أو ملاحقتهم واعتقالها أو حتى فصلها عن العمل، ما كشف مجددًا ازدواجية المعايير الغربية، ومدى عنصرية الغرب في تعامله مع القضايا التي تهم العرب والمسلمين.
ولم تقتصر الانتهاكات الحقوقية فقط على الحق في التعبير عن الرأي، بل شملت الحق في العمل والحق في الجنسية، وأيضًا الحق في الاحتجاج والتظاهر السلمي، والحق في الحرية، حيث طالت الإجراءات الغربية قمع المظاهرات المؤيدة للقضية الفلسطينية، بما فيها احتجاجات الطلاب الجامعيين، واستخدام الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه لتفريق هذه التظاهرات، فضلًا عن اعتقال المشاركين في هذه التظاهرات، بالإضافة إلى تهديد بعض المسؤولين المؤيدين والضغط عليهم للعدول عن أرائهم المناهضة للاحتلال الإسرائيلي، وامتدت هذه الانتهاكات إلى المطالبة بترحيل داعمي فلسطين وفصلهم من عملهم، وأيضًا وصلت إلى الرياضة، التي كانت تدعم بالأمس القريب كل ما يتعلق بأوكرانيا ضد روسيا، التي مُنعت من المشاركة في أي فعالية رياضية باعتبار أنها “دولة إرهابية”.
واتجهت نفس هذه الدول في المقابل إلى إنهاء عقود لاعبين دعموا غزة بعد تحويلهم للتحقيق، مع منع دخول الملاعب بالكوفية والأعلام الفلسطينية، بناءً عليه، فإن المجتمع الدولي مطالب الآن أكثر من أي وقت مضى بالحفاظ على الحق الإنساني والتخلي عن ازدواجية المعايير وتوفير الأمن والاستقرار والسلام في منطقه الشرق الأوسط، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي عن أرض دولة فلسطين بعاصمتها القدس الشرقية على خطوط 1967، والاعتراف بحق الشعب في الاستقلال والسيادة.
والجدير بالذكر، أن قوات الاحتلال الإسرائيلي، تواصل عدوانها مرتكبة أشد أنواع التنكيل والجرائم بحق سكان قطاع غزة البالغ عددهم أكثر من مليوني شخص، ومع اليوم الـ 24 للحرب على القطاع، ارتفعت حصيلة الضحايا لأكثر من 8 آلاف شهيد.