تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا يقول صاحبه: انهدم سقف عدد من البيوت في إحدى القرى بسبب الأمطار، ولا يستطيع ساكنوها إصلاحها بسبب ضيق عيشهم، فهل يجوز لي ولغيري المشاركة في إصلاحها من مال الزكاة؛ وقاية لهم من البرد والحر؟
وأجاب الدكتور نظير محمد عياد، مفتي الجمهورية عن السؤال قائلا: يجوز شرعًا صرف أموال الزكاة في إصلاح سُقف منازل غير القادرين على إصلاحها؛ ليقيهم من مياه الأمطار، ويدفع عنهم شدة البرد والحر، على أن يُرَاعَى في الإنفاق أَشَدُّ المتضررين حالًا وحاجةً، فكلما كانت الحاجة شديدة كان صاحبها أَوْلَى مِن غيره بمال الزكاة.
كفاية الفقراء أمور معيشتهم من مصارف الزكاة
جعلَ الشرع الشريف كفايةَ الفقراء والمحتاجين مِن المَأكلِ والمَلْبَسِ والمَسْكَنِ وسائر أمور المعيشةِ الضرورية من آكد ما تصرف فيه الزكاة، وقد جعل الله عزَّ وجلَّ الفقراء وأهل الحاجة في مقدمة مصارف الزكاة الثمانية؛ قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 60].
حكم إخراج القيمة في الزكاة
الأصل في الزكاة أن تخرج من جنس المال الذي وجبت فيه؛ فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لمعاذ رضي الله عنه حين بعثه إلى اليمن: «خذ الحَبَّ من الحَب، والشاة من الغنم، والبعير من الإبل، والبقرة من البقر» رواه أبو داود وابن ماجه.
ونص على هذا جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة؛ كما في “المعونة على مذهب عالم المدينة” للقاضي عبد الوهاب المالكي (1/ 410-411، ط. المكتبة التجارية)، و”المجموع” للإمام النووي (5/ 428، ط. دار الفكر)، و”المغني” للإمام ابن قُدَامة الحنبلي (3/ 88، ط. مكتبة القاهرة).
ومع كون الأصل هو إخراج الزكاة من جنس المال الذي وجبت فيه، إلا أن بعض الفقهاء نصوا على جواز إخراج القيمة، عينية كانت أو نقدية، وهذا ما قرره الحنفية؛ بناءً على الأصل المقرر عندهم أن كل ما جاز التصدق به جاز الزكاة به.وذهب الإمام محمد من الحنفية، والإمام ابن حبيب من المالكية والإمام أحمد في رواية: إلى جواز إخراج القيمة بشرط أن تكون في مصلحة الفقراء والمحتاجين وأنفَعَ لهم.
حكم إخراج الزكاة في تسقيف البيوت
وقال مفتى الجمهورية بخصوص الحالة المسؤول عنها: فصاحب المال الذي وجبت عليه الزكاة إما أن يدفع من مال الزكاة للفقير ليصلح سقف بيته وما يحتاجه لذلك، وفي هذه الحالة يكون هذا الفقير قد تملك الزكاة جريًا على الأصل الذي قرره جمهور الفقهاء.
وإما أن يتكفل هو بإصلاح سُقف البيوت لغير القادرين والإشراف عليها نفقةً وتنفيذًا بمقدار مال الزكاة، وهذا جائز بناءً على ما قرره الحنفية وغيرهم من جواز إخراج القيمة في الزكاة.
والمختار للفتوى جواز إصلاح وتركيب سُقف الفقراء والمحتاجين بمقدار ما وجب من مال الزكاة؛ لأن إخراج الزكاة على هيئة إصلاح وتركيب سُقف المحتاجين فيه تحقيق لمقصود الزكاة؛ لما فيه من وقايتهم من شدة الحر وقسوة البرد؛ فكلما أُخرجت الزكاة على هيئة تُحقِّقُ النفع، وتسد حاجة المحتاج، كان ذلك أقربَ إلى تحقيق مقصود الزكاة؛ فقد جاء في حديث معاذٍ رضي الله عنه أنه قال لأهل اليمن: “ائْتُونِي بِعَرْضٍ ثِيَابٍ خَمِيصٍ أَوْ لَبِيسٍ فِي الصَّدَقَةِ مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ؛ أَهوَنُ عَلَيكُمْ، وَخَيْرٌ لِأَصحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ” أخرجه البخاري معلقًا.
وهذا المقصد متحقق في هذه الصورة، فإصلاح مثل هذه السُّقف ضرورة متأكدة، خصوصًا إذا كانت الأمطار تنزل منها وكان إصلاحها يحتاج إلى تكاليف باهظة، على أنه ينبغي أن يُرَاعَى في الإنفاق أَشَدُّ المتضررين حالًا وحاجةً، فهُم أَوْلَى مِن غيرهم بمال الزكاة.










