كعادة أهل مصر تراهم على الدوام يجلون ويقدرون الدوحة الطاهرة المباركة من ذرية النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وهم آل البيت الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا .
وعلى مر التاريخ والزمان فقد أصبحت أضرحة هؤلاء القوم وقبابهم مقصداً للناس جميعاً عامهم وخاصتهم …
فتجدهم يفدون إلى هذه الروضات الطيبه فلا يصدهم لغط المحرفين للكلم عن مواضعه ولا يقطعهم عن هذه الديار بعد المسافة ومشقة الطريق!
يقطعون إليهم المسافات وحادي العيس يطربهم مدحا فيمن نزلت على جدهم الآيات والسور .
وفي كل مرة تلو الأخرى من الزياره يجددون العهد والميثاق أنهم على العهد والوفاء للنبي وبنيه ودا لهم وصلة استجابة لنداء الأمر الأزلي:{قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى} .
حين تسير في مصر فلا تجد بلدة إلا وفيها ضريح لهؤلاء القوم أو لأحد محبيهم كعلامات بارزه على تذكير الناس بأيام الله وبالصالحين من الأمة المحمدية وإلا تختفي الرموز الصالحه وتندثر في طي النسيان والغفلة ومن ثم تنقطع منافذ النور الروحانيه وينفصم الماضي عن الحاضر فتكون الكارثة لطغيان الماديه على جوانب الاشراق الروحي والمعرفي وهذا ما يريده لأمتنا أعداء الخارج من الغرب المتآمر وأعداء الداخل من أصحاب الأفكار المتطرفه ولكن هيهات هيهات .
في مصر الآمنة المطمئنه بقاهرة المعز لدين الله الفاطمي وفي أحد احياء القاهره القديمه يقع المسجد والضريح الشهير للإمام علي زين العابدين عليه السلام .
علي زين العابدين وما أدراك ما علي؟!
كريم النسبتين شريف الآباء والأجداد
فأبيه الإمام الحسين البطل المقدام الثائر ضد الظلم والطغيان شهيد كربلاء ووالدته جيهان شاه سليلة الملوك والأمراء .
وجده الإمام علي بن أبي طالب الذي كان من النبي بمنزلة هارون من موسى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يعسوب الدين وأمير المؤمنين الذي كان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم نعم الفداء .
وجدته هي السيدة فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين أميرة البيت النبوي ودرة تاجه المتوهج الوضاء فمناقبها ظاهرة جلية كالشمس في كبد السماء.
وعمه الإمام الحسن المصلح بين جماعة المسلمين قطب دائرة السخاء والعطاء و رحى الأخلاق الحسنه و الحياء .
وعمته هي السيدة زينب عقيلة بني هاشم بطلة كربلاء..الصرخه المدويه
التي أكملت ثورة شقيقها الإمام الحسين فكانت خير ربان لسفينة المواجهة ومقدامة الشموخ و الإباء .
هذا علي زين العابدين وتلك هي أسرته العريقه التي خرجت و سطعت شموس أنوارها الربانية من مشكاة النبوة المحمدية{رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد} .
لقد عاش زين العابدين في رحاب أبيه الإمام الحسين وعايش خصاله الطيبه ومناقبه الحسنه دروساً عملية رآها بأم عينيه .
رأي علم أبيه الفياض فسمع منه وأخذ عنه فشرب من كؤوس البيت النبوي لذيذ الشراب وفصل الخطاب وجميل الخصال .
رأي دار أبيه الإمام الحسين قبلة للوفود…
منهم من يسأل عن العلم والفقه وحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومنهم من جاء طالبا رفد الدنيا ومنهم من جاء حبا في بني النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكل يأخذ ما جاء من أجله!
رأى حلقات العلم يتوسطها أبيه بحديثه العذب وبهيئته المحمديه التي كانت أشبه الهيئات برسول الإنسانية عليه الصلاة والسلام …
رأى الأحداث تمر سريعاً ورأى التآمر على أبيه الإمام الحسين ورأى الضغوط السياسيه وكيف أن يزيد بن معاوية يريد أن يرغم الإمام الحسين على بيعته خليفة للمسلمين وكان اليزيد عربيدا ذا لهو ومجون والإمام الحسين يعلنها في سماء العالمين:كيف لمثلي أن يبايع مثله؟
فكيف يبايع الباطل وهو أمل المسلمين الباقي ومحل نظرهم واجلالهم وتقديرهم؟
ليردف بعد كل هذه الضغوط قائلاً:”هيهات منا الذلة”!
ثم يقرر حين أشار عليه البعض بالبيعة خوفاً على الإمام من الموت ليصيح متعجباً و مستنكرا:وهل مثلي يخاف من الموت؟وهل بالموت تخوفني؟!
شاهد علي زين العابدين الأحداث تمر سراعا وتدور دورتها والأمور تتأزم والوشاة وأهل الشر من كل جانب لا يكلون ولا يملون في تنفيذ مخططهم!
فعاش مقتل أبيه الإمام الحسين على أرض كربلاء على يد جيش الطاغية يزيد بن معاوية بعد أن ظل يقاتل دون تراجع دفاعاً عن الإسلام بأسره فارسا مغوارا …
شاهد ذلك الحدث الجلل بعد أن منعته العلة من المرض أن يقاتل إلى جانب أبيه وكانت حكمة ربانيه أن ينجوا الإمام علي من المعركة كحكمة ربانية ليحمل نسب البيت النبوي إلى قيام الساعه وإلا لو شارك في المعركة لكان قتل وكان النسب النبوي الشريف قد انقطع!
سيق زين العابدين أسيراً إلى قصر خلافة يزيد اللعين مغللا بالسلاسل الحديديه وكانت المواجهه منه ومن عمته السيدة زينب للطاغيه في مجلس حكمه بين عسكره وجنده فكانت كلماتهم الرنانه طلقات نارية أسقطت عرش الظالمين إلى الأبد .
وما كانت هذه المواجهه التي دونتها مضابط التاريخ بأقل من مواجهة الحسين القتيل ظمآنا وبجواره نهر الفرات بعد أن منع عنه الأعداء رفد الماء هو وصحبه وآل بيته الكرام ..
بعد هذه الأحداث الداميه عاش السجاد وهذا لقبه حيث أنه كان كثير السجود وقيام الليل.. عاش بين الناس يعلمهم أمور دينهم ودنياهم كافلا لليتامى والمساكين حتى أنهم رأوا بعد موته في كتفيه علامات من كثرة حمل الزاد على كتفيه للمحتاجين في ظلام الليل..
وقد أثر عنه أنه كان يطرق الأبواب ليلاً وقبل فتحها يضع أمامها ما معه من زاد وطعام ويسارع بالمغادره كي لا يراه أحد من الناس!
حين أذهب إلى ضريح الإمام علي زين العابدين فإنما أذهب إلى تاريخ كبير من الفيض والعطاء الذي لا ينضب .
أذهب إلى إمام كبير من أئمة أهل البيت سلام الله عليهم .
أذهب إلى روضة طاهره حتى وإن كان الخلاف بين المؤرخين بأن دفين المقام هو زيد بن علي زين العابدين وأن زين العابدين دفن بالبقيع الأنور إلا أن السر يسري في المكان ببركة الذرية الطاهره الممتده إلى الجناب النبوي الشريف .
في روضه الشريف تشعر بالهدوء والسكينة وكأنك تجلس في روض جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم .
حين أفد إلى روضه الطاهر لا أكاد أشعر بالغربه بل أكاد أشم المسك والطيب يفوح من كل ناحيه بل تكاد تعانق روحي أنوار آل البيت فتعود بي الروح إلى قديم الزمان فكأني بهم وبجدهم الرسول الأعظم متخيلا ديارهم و أحوالهم تعانق روحي فتحيطني جميل الذكريات فكأني أعيشها مرة تلو أخرى فأعود محملاً بالوصال وبالنور مترنما بقول أحد المحبين:
إن قيل زرتم
فبم رجعتم
يا أكرم الخلق ماذا نقول؟
قولوا:رجعنا بكل خير
واجتمع الفرع بالأصول .
“وللحديث بقية في حلقة قادمه “
مقالات ذات صلة
2025 © نجمة الخليج. جميع حقوق النشر محفوظة.


