ألقى الدكتور عبدالفتاح العوارى، العميد الأسبق لكلية أصول الدين بالقاهرة وعضو مجمع البحوث الإسلامية، خطبة الجمعة اليوم بالجامع الأزهر، والتى دار موضوعها حول “الصدق وأثره في استقامة سلوك الفرد والمجتمع”.
وقال فضيلة الدكتور عبد الفتاح العواري، أن الصدق خلق رفيع لا يتحلى به إلا الأخيار الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه ولا يبالون بعد ذلك بما وراء صدق عهدهم مع ربهم، فهو ركن أصيل في استقامة سلوك الفرد، وفى استقامة سلوك الفرد استقامة المجتمع كله، فالصدق يصل به إلى النجاة مهما كانت، ومهما عانى الفرد من أثرها، ومهما تعرض من ابتلاءات لكنه بصدقه مع الله فإنه يكون صادقا مع ذاته، ومع خلق الله، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومتى حقق ذلك تحققت له المثوبة في قوله تعالي: ﴿ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا ﴾، وأشار إلى أن القرآن الكريم زخرت بالكثير من الأيات التي تحدثت عن الصدق وحثت عليه، قال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾، ﴿ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ.
وأضاف خطيب الجامع الأزهر: أن من جرب الحياة وعاش مشكلاتها وأزماتها يجد نفسه موزعاً بين إرادة تنشد المثل العليا، التي ينشدها ضميره الحي، وبين الوصول إلى السلامة والبعد عن ذلك الحق المر، وهذا ما تطلبه نفسه لأنها تزين له أن في السكوت سلامة له، فينبغي عليه أن يردعها ولايورد نفسه موارد الهلكة فلا يصدع إلا بالحق ولا يقول إلا الصدق، فمن حقق الصدق كان مع المتقين، الذين وصفهم الله تعالي في قوله: ﴿ وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾، بيان يوضح فيه المولي عزَّ وجلَّ أن المؤمنين إذا صدقوا فهم أحباب الله ورسوله.
وشدد فضيلته على ضرورة الالتزام بالصدق، لأنه دليل على الإيمان، فالإيمان بالله قائم على الصدق، الذي هو التصديق بالعمل لما وقر في القلب، فهو اعتقاد جازم قائم على الواقع، فمن آمن بالله حقاً وصدقاً، وجد الصدق في إيمانه وعمله وسلوكه ومع جيرانه، ومع وطنه ومع رسوله ﷺ ومع ربه الذي خلقه،ليرقى بذلك إلى الجنة التي وعد بها النبي ﷺ في حديثه الذي رواه عنه ابْن مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، ومَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ ويَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا)، فالبر كلمة جامعة لكل خير لا تثمر إلا طيباً، ولا تنتج إلا كل خير، يقول تعالي عن الصادقين: ﴿ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ ﴾، ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (*) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ ﴾، فما أحوج أمة الإسلام إلى لجوء العبد إلى ربه يقول تعالي: ﴿قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم﴾، فالصدق ينفع صاحبه فليكن ملازماً له.
وأوصى خطيب الجامع الأزهر، الأمة أن تتحرى الصدق وتتحلى به، ولا تعيش أزمة صدق حتى يرضى الله عنها، فالصدق ينفع صاحبه يوم العهد، قال تعالى ﴿ قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ﴾، محذرا جميع أفراد المجتمع من من الكذب لأن فيه الهلاك ويورد صاحبه النار وبئس القرار، مستشهدًا بحديث النبي ﷺ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: وإِيَّاكُمْ والْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، ومَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ ويَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا)، فمهما تحقق للإنسان بالكذب من ثمار عاجلة في الدنيا فإنها في الحقيقة وبال عليه، فهو يهدي إلى الفجور وخروج عن الإسلام وعن هدي النبي ﷺ، ويوصل إلى النار، فكل فاجر مأواه جهنم وبئس المصير.