قال الدكتور يسري جبر، من علماء الأزهر الشريف، إن الحديبية منطقة تقع على مشارف مكة وبها بئر ماء، وفيها تم الصلح التاريخي بين النبي صلى الله عليه وسلم وقريش.

وبيّن خلال تصريح له، اليوم السبت، أن هذا الصلح وقع في العام السادس من الهجرة، بعدما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام أنه يدخل المسجد الحرام ملبّيًا، فخرج بالصحابة محرمين يريدون العمرة في شهر ذي القعدة، إلا أن قريش منعتهم عند مشارف مكة، لتبدأ بعدها مفاوضات طويلة انتهت بعقد الصلح.

وأشار إلى أن صلح الحديبية تضمن بنودًا ظاهرها التنازل، وباطنها الحكمة والسياسة النبوية الرشيدة، ومنها وقف القتال بين المسلمين وقريش عشر سنوات، وأن من أتى النبي صلى الله عليه وسلم من المشركين يُرد إليهم، ومن أتى قريشًا من المسلمين لا يُرد، وأن يدخل النبي وأصحابه مكة في العام التالي لأداء العمرة، وهي عمرة القضاء التي كانت في العام السابع من الهجرة في ذي القعدة، موضحًا أن بين صلح الحديبية وعمرة القضاء فتح خيبر، وهو ما أشار إليه قوله تعالى في سورة الفتح: ﴿وعجّل لكم هذه وكف أيدي الناس عنكم﴾.

وبيّن يسري جبر أن الإمام البخاري رحمه الله أورد قصة صلح الحديبية كاملة في صحيحه، وهي حديث طويل يتجاوز الصفحتين أو الثلاث، ثم اختصره في موضع آخر، لأن مذهب الإمام البخاري جواز اختصار الحديث مع الحفاظ على سنده ومعناه. وذكر البخاري بسنده عن البراء بن عازب رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صالح المشركين يوم الحديبية على ثلاثة أشياء، منها رد من يأتيه من المشركين، وعدم رد من يأتيهم من المسلمين، وأن يدخل مكة في العام التالي ويقيم بها ثلاثة أيام فقط، وألا يدخلها إلا بسلاح المسافر، وذكر حادثة رد أبي جندل رضي الله عنه وهو يرسف في قيوده.

وأوضح أن اشتراط الإقامة ثلاثة أيام كان حتى لا تُعد إقامة كاملة، لأن حد الإقامة عند العرب أربعة أيام، وما دون ذلك يبقى المسافر على حكم السفر، وله القصر والجمع، مؤكدًا أن هذه التفاصيل الفقهية تُظهر دقة الاتفاق وبُعد نظر النبي صلى الله عليه وسلم.

كما أشار إلى أن هذا الحديث يدل على أن النبي لم يكن يقتصر على أداء الفرائض فقط، بل كان حريصًا على النوافل وأعمال البر، سواء قيل إن العمرة مستحبة أو واجبة مرة في العمر، وهو الراجح عند الشافعية.

وأضاف أن شوق النبي صلى الله عليه وسلم للعمرة كان شوقًا طبيعيًا مشروعًا، فهو مولود بمكة، وكان يرى الكعبة يوميًا، ثم هاجر وابتعد عنها سنوات، فاشتد شوقه وشوق المهاجرين جميعًا لرؤيتها، وتعزز هذا الشوق برؤيا النبي الصادقة، التي هي وحي، كما قال الله تعالى: ﴿لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق﴾. وبيّن أن النبي خرج معتمدًا على ما جرت عليه عادة العرب من عدم منع أحد جاء ملبّيًا للعمرة، ولم يتوقع أن يبلغ العداء من قريش هذا الحد من القسوة، لكنهم منعوه بدافع العصبية والجاهلية.

وأكد الدكتور يسري جبر أن من دروس صلح الحديبية تعلّم الحرص على العبادات، والمسارعة إلى أعمال البر متى تيسرت، وعدم تأجيل الخير، لأن الإنسان لا يعلم ما يعرض له من ظروف، مستشهدًا بقوله تعالى: ﴿وسارعوا إلى مغفرة من ربكم﴾، وقوله سبحانه: ﴿سابقوا إلى مغفرة﴾، وبقول النبي صلى الله عليه وسلم: «بادروا بالأعمال»، موضحًا أن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم كلها دعوة عملية إلى المبادرة بالطاعة، والحرص على الخير، والعمل بالحكمة والصبر وحسن التدبير.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version