عليَّ صيام الشهرين المتتابعين للكفارة فهل تكون بالأيام الهجرية أم الميلادية ؟ سؤال أجابت عنه دار الإفتاء المصرية من خلال موقعها الرسمي، ومدى الزام الكفارة بالشهور الهجرية العربية القمرية.
صيام الشهرين المتتابعين كام يوم
قالت دار الإفتاء المصرية، إنه من المقرر شرعًا أن المؤقتات المعتبرة لأداء العبادات الشرعية واحتساب أيامها في الشريعة الإسلامية: الشهور الهجرية، فإن أطلق الشهر في الشرع انصرف إلى الشهر القمري ما لم يُخَصّ غيرُه بقرينة؛ كما جاء في “المعونة على مذهب عالم المدينة” للقاضي عبد الوهاب (1/ 917، ط. المكتبة التجارية)، و”الحاوي الكبير” للإمام الماوردي (10/ 503، ط. دار الكتب العلمية)، و”المهذب” للإمام الشيرازي (2/ 77، ط. دار الكتب العلمية).
وتابعت: لذلك خصَّ الشرع بعض الشهور والأيام بأداء بعض العبادات والفرائض فيها؛ كأشهر الحج، وصوم رمضان، وأيام العيدين ونحوها، فلا يصح أداء هذه العبادات إلا في هذه الشهور وتلك الأيام المخصوصة، وتحسب بدايتها ونهايتها بالأهلة؛ أي عند رؤية الهلال الذي يُعرف به مولد شهر جديد ونهاية شهر مضى أو في أثنائه؛ قال الله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾ [البقرة: 189].
قال تقي الدين السبكي في “فتاويه” (1/ 207، ط. دار المعارف): [والمواقيت التي تحتاج إلى الهلال: ميقات صلاة العيد، والزكاة، وصدقة الفطر، وصيام رمضان، والفطر منه، وصيام الأيام البيض، وعاشوراء، وكراهية الصوم بعد نصف شعبان، وصيام ست من شوال.. وكفارة الوقاع والظهار والقتل بالصوم، والعدة في المتوفى عنها وفي الآيسة] اهـ.
وقال الشيخ ابن تيمية في “مجموع الفتاوى” (25/ 133-134، ط. مجمع الملك فهد): [وهذا عَامٌّ في جميع أمورهم، وَخَصَّ الحج بالذكر تمييزًا له.. فجعل الله الأهلة مواقيت للناس في الأحكام الثابتة بالشرع ابتداءً، أو سببًا من العبادة، وللأحكام التي تثبت بشروط العبد، فما ثبت من المؤقتات بشرع أو شرط فالهلال ميقات له، وهذا يدخل فيه الصيام والحج ومدة الإيلاء والعدة وصوم الكفارة، وهذه الخمسة في القرآن؛ قال الله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ﴾ [البقرة: 185]، وقال تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ﴾ [البقرة: 197]، وقال تعالى: ﴿لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ﴾ [البقرة: 226]، وقال تعالى: ﴿فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ﴾ [المجادلة: 4]، وكذلك قوله: ﴿فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ﴾ [التوبة: 2]، وكذلك صوم النذر وغيره] اهـ.
أنواع الشهور القمرية من حيث عدد الأيام
وبينت أن هذه الشهور القمرية: منها ما هو تامُّ العدد، ومنها ما هو ناقصُه؛ فإن كان تامًّا كان عدد أيامه ثلاثين يومًا، وإن كان ناقصًا كان عدد أيامه تسعةً وعشرين يومًا؛ لما أخرجه الشيخان من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا» يَعْنِي: ثَلَاثِينَ، ثُمَّ قَالَ: «وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا» يَعْنِي تِسْعًا وَعِشْرِينَ، يَقُولُ: مَرَّةً ثَلاَثِينَ، وَمَرَّةً تِسْعًا وَعِشْرِينَ. “فأخبر صلى الله عليه وآله وسلم أن ذلك جائز في كل شهر من الشهور، إذ لم يُخَصّ بذلك شهرًا من سائر الشهور”؛ كما قال الإمام ابن بطال في “شرحه على صحيح البخاري” (4/ 29، ط. مكتبة الرشد).
قال الإمام الماوردي في “الحاوي الكبير” (10/ 503): [وشهور الأهلة قد تكمل تارةً فتكون ثلاثين يومًا، وتنقص أخرى فتكون تسعة وعشرين يومًا، وحكم الشهر ينطلق على كل واحد منهما مع زيادته ونقصه] اهـ.
صيام الكفارة شهرين متتابعين من بداية الشهر القمري أو في أثنائه
وأوضحت: إذا شرع مَن وجب عليه صيام شهرين متتابعين في الصوم من بداية الشهر القمري أو في أثنائه: جاز ذلك بلا خلاف بين العلماء؛ قال الإمام ابن قدامة في “المغني” (8/ 37، ط. مكتبة القاهرة): [ويجوز أن يبتدئ صوم الشهرين من أول شهر، ومن أثنائه، لا نعلم في هذا خلافًا؛ لأن الشهر اسمٌ لما بين الهلالين ولثلاثين يومًا، فأيهما صام فقد أدى الواجب] اهـ.
وإذا بدأ صيام الشهرين بالأهلة: أجزأه ذلك بالإجماع؛ سواء كانا تامَّين أو ناقصَين؛ أي: وإن لم يكن مجموع الشهرين ستين يومًا، وكذلك إن بدأ صيام كفارته بالأيام دون الأهلة: أجزأه ذلك إذا صام ستين يومًا بالإجماع؛ كما في “الإشراف” للإمام ابن المنذر (5/ 308، ط. مكتبة مكة الثقافية)، و”المغني” للإمام ابن قدامة (8/ 37)، و”الإقناع في مسائل الإجماع” للإمام أبي الحسن بن القطان (2/ 65، ط. الفاروق الحديثة).
أما إذا بدأ صيام الكفارة أثناء الشهر: فإنَّ عليه أن يصوم ما بقي من الشهر بالعدد، ويصوم الشهر الذي بعده بالهلال؛ تامًّا كان أو ناقصًا، ثم يتمّم عدد الشهر الأول الذي بدأ في أثنائه من الشهر الثالث ثلاثين يومًا؛ فلو بدأ صوم كفارته في شهر الله المحرَّم فصام منه عشرة أيام مثلًا فإنه يصوم شهر صفر بالهلال؛ سواء كان كاملًا أو ناقصًا، ثم يكمل من شهر ربيع الأول عشرين يومًا؛ وهذا ما نص عليه جمهور الفقهاء؛ من المالكية، والشافعية، والحنابلة، وهو قول الإمام محمد بن الحسن الشيباني، والقاضي أبي يوسف في إحدى الروايتين، وهما من فقهاء الحنفية.
وشددت: أن مَن وجب عليه كفارة صيام شهرين متتابعين يجوز له أن يبدأ صيام كفارته من أول الشهر الهلالي وفي أثنائه بالإجماع؛ فإن بدأ صومه من أول الشهر واستمر في صومه حتى استوفى شهرين كاملين أجزأه ذلك بالإجماع؛ سواء كان هذان الشهران تامَّين أو ناقصَين، وإن صام بالأيام ستين يومًا أجزأه ذلك أيضًا بالإجماع، وأما إن بدأ أثناء الشهر؛ فعلى قولين:
الأول: أنه يصوم ما بقي من الشهر الذي بدأ فيه، ويصوم الشهر الذي بعده بالهلال -تامًّا كان أو ناقصًا-، ثم يتمّم صيام الشهر الأول من الشهر الثالث ثلاثين يومًا، فلو بدأ صوم كفارته في شهر الله المحرَّم فصام منه عشرة أيام مثلًا؛ فإنه يصوم شهر صفر بالهلال، ثم يصوم من شهر ربيع الأنور عشرين يومًا؛ كما هو مذهب جمهور الفقهاء؛ من المالكية، والشافعية، والحنابلة، وهو قول الإمام محمد بن الحسن الشيباني، ورواية عن القاضي أبي يوسف من فقهاء الحنفية.
والثاني: أن المُعتبَر في احتساب الكفارة من أثناء الشهر هو الأيام لا الأهلة؛ أي: إذا صام أثناء الشهر؛ فإنَّ عليه أن يصوم ستين يومًا عددًا؛ كما هو قول الإمام أبي حنيفة، والقاضي أبي يوسف في الرواية الأخرى، والإمام الزهري.
وفي واقعة السؤال: فإذا ابتدأت صيام الشهرين المتتابعين في أثناء الشهر القمري؛ فَإنَّ لَكَ أن تصومَ ما بقي من الشهر بالعدد، وتصوم الشهر الذي بعده بالهلال -تامًّا كان أو ناقصًا-، ثم تصوم من الشهر الذي بعده ما يُتمّم الشهر الأول ثلاثين يومًا، أو تصومَ ستين يومًا عددًا، ولا حرج عليك؛ فالأمر في ذلك واسع.