تحلّ اليوم الخميس ذكرى رحيل الفنانة الكبيرة زهرة العلا، التي غابت عن عالمنا تاركة إرثًا فنيًا غنيًا امتد لعقود من الإبداع في السينما والمسرح والتلفزيون. حفرت اسمها في ذاكرة الجمهور بأدوارها التي امتازت بالصدق والعمق، وأصبحت رمزًا للفن الراقي في الوطن العربي.
وُلدت زهرة العلا محمد بكير في 10 يونيو عام 1934 بمدينة الإسكندرية، في حي محرم بك، من أم ريفية، ووالد من أصول تركية وكانت الرابعة بين خمسة أشقاء. تنقلت عائلتها بين مدن مختلفة حتى استقرت في القاهرة.
ظهرت موهبتها الفنية منذ طفولتها حيث كونت فريقًا للتمثيل في مدرستها، وكانت تشرف على الأعمال وتُخرجها بنفسها. دخلت في مسابقة مع المدارس الأخرى، وحصلت مدرستها على المركز الأول.
شجعها والدها على طريق العمل الفني، حتى إنه قدّمها بنفسه للفنان يوسف وهبي، الذي كانت تربطه به علاقة صداقة قديمة. وكان له دور بارز في توجيه خطواتها نحو عالم المسرح، قبل أن تلتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية، حيث تخرجت عام 1954.
بدأت مسيرتها الاحترافية في فرقة زكي طليمات، ومثّلت في مسرحيات عديدة، أبرزها: “البخيل”، “مريض بالوهم”، “فتش عن المرأة”، “7 فرخات وديك”. ثم انضمت إلى فرقة إسماعيل ياسين، وشاركت معه في بعض بطولات أفلامه، كما شاركت، بعد حل الفرقة، في مسرحية “حواء الساعة 12”.
في أوائل الخمسينيات، انطلقت زهرة العلا من المسرح إلى السينما، وقدمت أول أدوارها السينمائية في فيلم “خدعني أبي” عام 1951، وفي العام نفسه شاركت في فيلم “أنا بنت ناس”، الذي تعرّف عليها الجمهور من خلاله، ليكون بمثابة محطة جديدة في مشوارها الفني.
توالت بعدها أعمالها على مدار عقود، إذ قدمت ما يقرب من 120 فيلمًا، من أبرزها: “أيامنا الحلوة” (1955)، “رد قلبي” (1957)، “جميلة” (1958)، و”دعاء الكروان” (1959)، الذي يعتبر من أهم أفلامها.
وخلال مسيرتها الفنية، شاركت زهرة العلا العديد من أبرز نجوم السينما المصرية. وتعاونت مع الفنان إسماعيل يس في عدة أعمال، من أبرزها: “إسماعيل يس في الأسطول”، “إسماعيل يس في البوليس”، “ملك البترول”. كما قدمت فيلم “سر طاقية الإخفاء” أمام عبد المنعم إبراهيم، و”في بيتنا رجل” أمام رشدي أباظة وعمر الشريف، و”موعد غرام” مع فاتن حمامة، إلى جانب العديد من الأعمال الأخرى التي تركت بصمة لا تُمحى في ذاكرة السينما المصرية.
وعلى صعيد التلفزيون، قدمت زهرة العلا طوال مسيرتها الفنية مجموعة كبيرة من المسلسلات التي تركت بصمة واضحة في الدراما المصرية، ومن أبرزها: “إني راحلة”، “أم العروسة”، “لقيطة”، “على هامش السيرة”، “أيها الحب لا تهجرني”، “السوار القاتل”، “زهور وأشواك”، “حكايات هو وهي”، “رحلة السيد أبو العلا البشري”، “الحب وأشياء أخرى”، و”الزوجة أول من يعلم”.
كما كانت زهرة العلا من الفنانات اللاتي شكّلن علامة فارقة في الدراما الإذاعية المصرية، حيث استُغِلّت موهبتها الصوتية وقدرتها على تجسيد الشخصيات من خلال الصوت فقط. وشاركت في عدد كبير من التمثيليات الإذاعية، منها: “اللهم إني صايم”، “لن أعيش في جلباب أبي”، “صيف حار جدًا”، “أبو الحسن العبيط”، “السر الرهيب”، “أهلك لتهلك”.
ويُعد فيلم “أرض أرض” عام 1991 آخر أعمالها السينمائية، إذ انقطعت بعده عن الفن، وامتنعت عن الظهور في وسائل الإعلام والمهرجانات والاحتفالات الرسمية حتى رحيلها.
حصلت على العديد من التكريمات خلال حياتها، من بينها تكريم المركز الكاثوليكي في مصر عام 2010، تقديرًا لعطائها الفني الطويل، إضافة إلى إدراج عدة أفلام لها ضمن قائمة أفضل 100 فيلم في السينما المصرية.
وعلى الصعيد الشخصي، تزوجت زهرة العلا عدة مرات، أبرزها زواجها من المخرج حسن الصيفي، الذي استمر نحو 45 سنة، وأنجبت منه ابنتين هما: منال وأمل الصيفي، حيث اتبعت منال طريق والدتها في الفن وأصبحت مخرجة.
رحلت عن عالمنا في 18 ديسمبر 2013 عن عمر ناهز 79 عامًا، تاركة خلفها مسيرة مليئة بالإبداع والتميز، جعلت اسمها خالدًا في ذاكرة الجمهور والنقاد على حد سواء، لما امتلكته من حضور فني راقٍ وموهبة استثنائية.










