في ظلام الأعماق السحيقة، يقل الغذاء وتشتد قسوة البيئة، يبرز قرش العفريت كأحد أكثر الكائنات البحرية غرابة وإثارة لفضول العلماء هذا المفترس النادر، ذو المظهر غير المألوف، لم يلفت الانتباه فقط بشكله، بل بآلية صيد فريدة أعادت صياغة فهم الافتراس في البيئات البحرية الفقيرة بالطاقة.
اكتشاف يغير قواعد الصيد في الأعماق
خلال السنوات الأخيرة، مكنت لقطات مصورة نادرة من أعماق المحيط الباحثين من كشف أسلوب تغذية استثنائي لقرش العفريت، أُطلق عليه اسم “التغذية المقلاعية”.
تعتمد هذه الآلية على اندفاع خاطف للفكين إلى الأمام لالتقاط الفريسة، من دون الحاجة إلى سرعة جسدية أو مطاردة طويلة، وهو ما يفسر قدرة هذا المفترس البطيء على النجاح في بيئة قاسية وشحيحة الغذاء.
أسرع فكوك موثقة بين أسماك القرش
وأظهرت نتائج دراسة أجراها باحثون من جامعة هوكايدو، بالاعتماد على تسجيلات التقطتها مؤسسة أوكيناوا تشوراشيما، أن فكي قرش العفريت يمكن أن يندفعا بسرعة تصل إلى 3.1 أمتار في الثانية ويمتد هذا الاندفاع لمسافة تقارب 10% من طول جسم القرش، ما يتيح له الوصول إلى فرائس كانت ستبقى بعيدة المنال لولا هذه الآلية المتطرفة، التي تُعد الأسرع من نوعها بين أسماك القرش، وواحدة من أعجب آليات الصيد في عالم الأسماك.
سمكة أعماق عصية على الدراسة
وصفت سمكة القرش العفريت لأول مرة عام 1898، إلا أن دراستها ظلت محدودة بسبب موطنها العميق، الذي يتراوح بين 250 و1200 متر تحت سطح البحر وتشير البيانات الحديثة إلى أن هذا النوع يمثل مفتاحا علميا لفهم تطور استراتيجيات الافتراس في البيئات البحرية العميقة.
تسلسل حركي دقيق ومدروس
وبحسب دراسة نشرت في مجلة Scientific Reports، حلل الباحثون مقاطع فيديو عالية السرعة لخمس ضربات تغذية ناجحة نفذها قرشان من هذا النوع.
وأظهرت المشاهد تسلسلا حركيا دقيقا يبدأ بفتح الفم، يليه بروز الفك بسرعة، ثم الإغلاق الخاطف، يعقبه فتح وإغلاق ثانوي أثناء عودة الفك إلى موضعه الطبيعي.
حركة غامضة بلا تفسير قاطع
ورصدت الدراسة حركة فموية ثانوية تحدث أثناء تراجع الفك، لم يتمكن العلماء بعد من تفسير وظيفتها بدقة. ولا تزال هذه الظاهرة محور أبحاث معمقة، في محاولة لفهم ما إذا كانت مرتبطة بتثبيت الفريسة أو تحسين كفاءة الصيد.
اقتصاد الطاقة مفتاح البقاء في الأعماق
تنسجم الحركة البطيئة لقرش العفريت مع ظروف موطنه القاسي، حيث الضغط المرتفع، والبرودة الشديدة، وندرة الغذاء ولهذا، يعتمد القرش على تقليل الحركة الجسدية بين الوجبات، مكتفيًا بضربات فكية خاطفة ومباغتة، تتيح له الحفاظ على طاقته لأطول فترة ممكنة.
استراتيجية الكمين بدل المطاردة
على عكس أقاربه من أسماك المياه الضحلة، مثل القرش الأبيض الكبير أو قرش الماكو، لا يطارد قرش العفريت فريسته لمسافات طويلة.
بل يعتمد على استراتيجية الكمين، منتظرًا اللحظة المناسبة للانقضاض، وهي مقاربة أثبتت فعاليتها في أعماق المحيط حيث لا مجال للهدر الطاقي.
حاسة كهربائية تعوض ضعف الرؤية
يمتلك قرش العفريت خطا طويلا مزودا بشبكة كثيفة من المستقبلات الكهروحسية، القادرة على التقاط الإشارات الكهربائية الصادرة عن الكائنات الحية القريبة وتمنحه هذه القدرة ميزة حاسمة في الظلام شبه التام، حيث تصبح الرؤية محدودة القيمة.
سلالة عريقة تعود إلى عصور سحيقة
ينتمي قرش العفريت إلى عائلة قديمة تُعرف باسم Mitsukurinidae، يعود تاريخها إلى أكثر من 125 مليون سنة، وهو الممثل الحي الوحيد لهذه السلالة وتجعل هذه الحقيقة منه كائنًا مرجعيًا بالغ الأهمية لدراسة تطور أسماك القرش وتكيفها مع الحياة في الأعماق.
مظهر مخيف دون تهديد للبشر
ورغم شكله الغريب، لا توجد أي حالات موثقة لاعتداء قرش العفريت على البشر فموطنه العميق وندرته يجعلان فرص الاحتكاك شبه معدومة.
ومع ذلك، لا يزال هذا النوع غير مدروس بما يكفي، مع وجود فجوات معرفية واسعة تتعلق بتكاثره، وأعداده، وتأثره بالتغيرات البيئية.










