في ظل عالم يشوبه الاضطراب نتيجة الحرب الباردة الحديثة، التي أفرزتها الأزمة الروسية – الأوكرانية، إلى جانب صراعات أخرى يغذيها التنافس الدولي بين الأقطاب العظمى ما يزيد من حدة النزاعات والصراعات ويفاقم أزمات الدول الأفريقية التي تشهد اهتزازات أمنية وسياسية لتأتي القمم كمساحة لتوظيف هذه العلاقات وتقنينها بصورة أكثر وضوحا”. انطلقت القمة روسية افريقية التي تستضيفها مدينة سان بطرسبيرغ بهدف تعزيز الشراكة الاقتصادية والتجارية بين الطرفين.

تكمن أهمية القمة في توقيتها حيث يتشكل نظام عالمي جديد، ويشهد تحولات جيوسياسية عميقة، في ظل تصاعد حدة المنافسة وتزايد الصراعات الدولية بين القوى العظمى الباحثة عن موضع قدم أو الحفاظ على نفوذها والتحكم في أدوات الصراع وبالتالي لا يستقيم تحليل مخرجات القمة بمنأي على المتغير الدولي الذي يفرض نفسه وهو الازمة الروسية الأوكرانية وما تبعها من استقطاب حاد بين طرفي الصراع.  

وفي هذا الاطار، تحمل القمة في طياتها رسائل عدة مفاداها توسيع النفوذ الروسي في القارة الافريقية في رسالة واضحة للغرب والولايات المتحدة التي تري أن الصين هي المنافس الرئيسي لهم في أفريقيا لكن تظهر يجدون الآن يراقبون بقلق عميق عودة روسيا الحازمة، التي تتجسد في وجود مرتزقة فاغنر في مالي وجمهورية إفريقيا الوسطي ،وبذلك تمثل القمة أحد وجوه الصراع الدولي المتنامي علي قدرة النفوذ في القارة الافريقية.

ولعل من المناسب هنا الوقوف على أهداف روسيا من انعقاد قمة افريقية الآن، والتي تتمثل في توسيع تحالفاتها الدولية وتعزيز حضورها الاقتصادي في الأسواق الأفريقية لتعظيم الاستفادة من الإمكانات الاقتصادية والفرص الاستثمارية المتاحة في المنطقة خاصة في ظل تشديد الخناق الأوروبي على الاقتصاد الروسي، وتفاقم تأثيرات العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها. 
وبالتالي هناك احتياج متنامي من قبل روسيا إلى أفريقيا الآن، وذلك لزيادة تبادلها التجاري، حيث انه لم يتجاوز التبادل التجاري بين أفريقيا وروسيا 20 مليار دولار في عام 2020 وتستهدف روسيا مضاعفته إلى 40 مليار دولار.
وعلى الجانب الاخر، فأن الدول الأفريقية في احتياج إلى تأمين مصادرها الغذائية من الحبوب نظرا لتصاعد مخاوفها من حدوث ازمة غذاء على خلفية الصراع الروسي الاوكراني، ناهيك عن أن هناك تغير نوعي في طبيعة الدول الافريقية التي لم تعد كما كانت عليه في السابق، وأصبحت أبوابها مفتوحة لكل القوي التي تريد أن تتعاون مع شعوبها من مبدأ تبادل المصالح والمنافع والتي اكد عليها الرئيس السيسي خلال كلمته المرتكزة بالأساس علي شواغل وتحديات القارة مشيرا إلي سيادة الدول الافريقية. 
وهنا يتبلور التساؤل الرئيسي ما هي اوراق موسكو القوية في القارة الافريقية؟ وهل تملك روسيا القوة المالية الاقتصادية الكافية خاصة في ظل التنافس الصيني والأوروبي؟
ورقة الامن الغذائي : خاصة أن أكثر الدول التي تعاني من نقص المواد الغذائية هي الدول الأفريقية ، فقد انعقدت القمة الروسية الأفريقية في وقت قررت فيه موسكو الانسحاب من الاتفاق الذي يسمح بتصدير القمح الأوكراني عبر البحر الأسود والذي تعتبره الأمم المتحدة اتفاقا هاما كونه يحافظ على التوازن في الأسعار ويمنع حدوث أزمة غذائية عالمية ، لاسيما  أن صفقة الحبوب التي خرجت منها روسيا لم تقدم لأفريقيا أكثر من 3% من إجمالي ما تنتجه أوكرانيا، ألا أنه قد تعهد الرئيس بوتين بتأمين المصادر الغذائية بشكل مجاني خاصة في ظل وجود مخاوف من ازمة في مقابل دول الاوربية التي استغلت صفقة الحبوب
مشددًا على أن روسيا قادرة على تعويض هذه الكمية بسهولة مطلقة، حيث إن لديها الكثير من الطرق الأخرى غير البحر الأسود، مثل بحر البلطيق وبحر الشمال وغيرهما.
ملف التعاون الامني: حيث تشكل إحدى وسائل النفوذ الروسي في المنطقة تعد ورقة الضغط الثانية في ايد روسيا في إطار سعيها لتعزيز تواجدها في القارة في مقابل التواجد الاوربي خصوصا النفوذ الفرنسي. 
توقيع شراكات متعددة: وذلك في ضوء أن أفريقيا تحتاج إلى تمويلات في مجال الطاقة والبتروكيماوية والبنية التحتية والأمن السيبراني. وبالتالي فتمتلك روسيا ورقة فاعلة يمكن أن تلعبها في هذه المجالات خاصة وأن الخبرات الروسية سهلة الاقتناء وقواعد الشراكة معها تتسم بنوع من المرونة، مقارنة ببعض الدول الغربية التي تركز على المصلحة الأحادية. 
ختامًا، يتبين أن الدوافع الحقيقية للنفوذ الروسي في أفريقيا تكمن في تعزيز مصالحها الجيوستراتيجية نظرًا لكون الدول الأفريقية سوقًا محتملاً للسلع الروسية، وفرصة لتوسيع النفوذ الاقتصادي والتجاري لها.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version