بدأ الجدل بطريقة واشنطنية تحت بند مخفي في جدول بيانات حكومي مدفون على موقع وزارة الخارجية الأمريكية، ليكشف عن تحرك الوزارة نحو منح شركة تسلا، المملوكة للملياردير المقرب من ترامب «إيلون ماسك»، عقدًا بقيمة 400 مليون دولار لشراء مركبات كهربائية مدرعة لنقل الدبلوماسيين بأمان. 

خطوة كهذه، جريئة حتى بمقاييس إدارة ترامب، أثارت الدهشة حتى بين أكثر المراقبين اعتيادًا على أسلوب الرئيس الذي يكسر القواعد.

وزارة الخارجية تتراجع وسط التساؤلات

عند مواجهة وزارة الخارجية بالسؤال عن العقد، أصدرت بيانًا مقتضبًا أكدت فيه أن الصفقة “معلقة” حاليًا، نافية وجود خطط للمضي قدمًا في التنفيذ، ومشيرة إلى أن المحادثات مع تسلا بدأت أثناء إدارة بايدن.

لكن وثيقة حصلت عليها إذاعة NPR كشفت تناقضًا صارخًا، فميزانية وزارة الخارجية للسنة المالية 2025 المخصصة لشراء المركبات الكهربائية تبلغ فقط 483 ألف دولار، مع 3 ملايين دولار إضافية للبنية التحتية الداعمة مثل محطات الشحن. 

هذا الرقم لا يمثل سوى أقل من 1% من المبلغ الضخم الذي كاد يُخصص لتسلا بعد مراجعة هادئة لوثيقة مشتريات الوزارة خلال إدارة ترامب.

خطأ إداري أم قرار مدبر؟

التفاوت الكبير في الأرقام يطرح سؤالًا جوهريًا: هل كان الرقم نتيجة خطأ إداري، أم أن هناك نية خفية وراءه؟.

صرح مسئول سابق في البيت الأبيض خلال إدارة بايدن، مطلع على خطط وزارة الخارجية، لـ NPR قائلاً: “لا أعتقد أن هذا خطأ كتابي.. يبدو أن شخصًا جديدًا في وزارة الخارجية قرر ببساطة المضي قدمًا في الصفقة مع تسلا”.

وكشف المسئول أن وزارة الخارجية اتفقت مع تسلا خلال إدارة بايدن على إجراء بحث حول إمكانية تسليح المركبات الكهربائية، لكن لم يتم تخصيص أي أموال فعلية لشراء سيارات مدرعة من الشركة. 

بلغت الميزانية الفعلية المخصصة لمركبات الوزارة الكهربائية 483 ألف دولار فقط، وكانت الخطة تسير في هذا الاتجاه حتى نوفمبر 2024.

ماسك ينفي ووزارة الخارجية تغير مسارها

لم يستجب البيت الأبيض وإيلون ماسك لطلبات التعليق المتكررة من الوكالة الإخبارية. 

لكن ماسك نشر على منصة “إكس” في 13 فبراير تعليقًا قال فيه: “أنا متأكد تمامًا من أن تسلا لن تحصل على 400 مليون دولار. لم يذكر لي أحد ذلك على الأقل”.

في الوقت ذاته، تراجعت وزارة الخارجية عن موقفها، موضحة أن مبلغ 400 مليون دولار كان مجرد “تقدير مبدئي” وليس عقدًا نهائيًا، بل كان مجرد اقتراح لجمع المعلومات.

وثائق مشتريات وزارة الخارجية تحت المجهر

مع تصاعد الجدل، رصدت NPR تغييرات غامضة في وثيقة المشتريات الأصلية. 

فقد تم استبدال عبارة “تسلا المدرعة” بعبارة أكثر عمومية “المركبات الكهربائية المدرعة”، دون أي تفسير رسمي. 

وفي نهاية المطاف، اختفى البند بالكامل من الوثيقة الحكومية.

كشفت لقطات شاشة من 3 نسخ مختلفة للوثيقة كشفت تطورات مثيرة للجدل، حيث أظهرت أن خطط شراء سيارات تسلا المدرعة بقيمة 400 مليون دولار نشأت خلال إدارة ترامب، وليس بايدن كما ادّعت الوزارة. 

يظهر التقرير بوضوح أن بايدن خطط فقط لإنفاق أقل من 500 ألف دولار لاستكشاف إمكانية استخدام المركبات الكهربائية في المهام الدبلوماسية.

لا تزال العديد من التساؤلات دون إجابة واضحة. لماذا قامت إدارة ترامب بتحرير الوثيقة وتضخيم المبلغ؟ ولماذا لم تفسر وزارة الخارجية خطواتها بوضوح؟ 

الأكيد أن شاحنة سايبرترك المصنوعة من الفولاذ المقاوم للصدأ من تيسلا كانت الخيار الأكثر احتمالًا للمركبات المدرعة، لكن قيمة العقد كانت تتجاوز ما تخطط الحكومة الفيدرالية لإنفاقه على المركبات الكهربائية بالكامل في عام 2025.

بينما تتلاشى الضجة حول البند الحكومي، تبقى الشكوك قائمة حول ما إذا كان ما جرى محاولة حقيقية لتمرير صفقة بمئات الملايين من الدولارات إلى تسلا، أم مجرد فوضى بيروقراطية في قلب واشنطن.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version