أصدرت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وثيقة جديدة تمتد إلى 33 صفحة تكشف فيها ملامح استراتيجيتها للأمن القومي، لتشكل الإطار المرجعي الذي يرسم اتجاهات السياسة الخارجية الأمريكية خلال فترة حكمه.
ووفقًا لموقع بوليتيكو، فإن مثل هذه الوثائق تعد أساسًا لتوجيه توزيع الميزانيات الفيدرالية وتحديد أولويات العمل داخل مختلف المؤسسات الحكومية.
تركيز غير مسبوق على نصف الكرة الغربي
توضح الوثيقة أن الاستراتيجية المقبلة ستشهد تحولًا ملحوظًا في بوصلة الأمن القومي نحو نصف الكرة الغربي، حيث يعتبر البيت الأبيض أن حماية الحدود الأمريكية تمثل محورًا رئيسيًا في تحقيق الأمن الداخلي. ويأتي هذا التحول في ضوء تصاعد التحديات المرتبطة بالهجرة غير النظامية، وتنامي نشاط شبكات تهريب المخدرات، فضلًا عن توسع النفوذ الصيني في أمريكا اللاتينية، وهو ما تعتبره واشنطن تهديدًا مباشرًا لتوازن القوى في المنطقة.
تعزيز الحضور العسكري وتكثيف العمليات الأمنية
وتتضمن الوثيقة خططًا لزيادة الوجود العسكري الأمريكي في محيط القارة، من خلال توسيع أدوار البحرية وخفر السواحل لضمان السيطرة على الممرات البحرية الحيوية، ومكافحة تهريب البشر والمخدرات، ودعم استقرار الدول المتضررة من الأزمات. كما تشير إلى تنفيذ عمليات أمنية مثيرة للجدل، بينها استهداف زوارق يُعتقد أنها جزء من شبكات التهريب، بالإضافة إلى خطوات ضغط سياسي موجهة ضد سلطات فنزويلا.
شراكات أعمق مع دول أمريكا اللاتينية
وتدعو الاستراتيجية إلى تعزيز الروابط الاقتصادية والاستثمارية مع دول أمريكا اللاتينية، بما في ذلك الدخول في شراكات جديدة لاستغلال المعادن النادرة والموارد الاستراتيجية، إلى جانب تشجيع الشركات الخاصة الأمريكية على توسيع استثماراتها داخل المنطقة.
كما تهدف الإدارة إلى بناء شبكة علاقات أعمق تعزز القدرة التنافسية الأمريكية في مواجهة القوى المتصاعدة داخل النصف الغربي.
موقف حذر من روسيا وانتقادات لاذعة لأوروبا
ورغم اللهجة المتحفظة نسبيًا تجاه روسيا، والتي تتضمن إشارات محدودة إلى انحرافاتها الجيوسياسية، فإن الوثيقة تحمل انتقادات صريحة للحلفاء الأوروبيين. وتتهم بعض الدول الأوروبية بتبنّي “توقعات غير واقعية” في تعاملها مع الحرب في أوكرانيا، إلى جانب الإشارة إلى ما تعتبره تراجعًا ديمقراطيًا في بعض العواصم الأوروبية، تحت غطاء مكافحة التطرف.
الصين في قلب التنافس الاقتصادي
ورغم حضورها المحدود نصيًا، تحتل الصين مساحة واسعة من جوهر الوثيقة.
إذ تشدد الاستراتيجية على ضرورة إعادة التوازن التجاري بين واشنطن وبكين، وترسيخ مبدأ المعاملة بالمثل، مع الحدّ من انكشاف الاقتصاد الأمريكي على القطاعات الحساسة. وتؤكد الولايات المتحدة أن علاقتها التجارية مع الصين يجب أن تُدار وفق منظور “غير مهدّد للأمن القومي”، بالتوازي مع جهود واشنطن لتفادي انفجار الصراع في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
تايوان والسياسة الأمريكية التقليدية
وفي ملف تايوان، تعيد الوثيقة التأكيد على تمسك الولايات المتحدة بمبدأ رفض أي تغيير أحادي الجانب للوضع القائم في مضيق تايوان، في محاولة لطمأنة الحلفاء الإقليميين بشأن استمرار الالتزام الأمريكي بأمن الجزيرة.
مسار أوكرانيا وإطفاء بؤر التصعيد
وتختم الاستراتيجية بالإشارة إلى أن وقف إطلاق النار في أوكرانيا يمثل أحد أولويات واشنطن العاجلة، مع العمل على منع توسّع الصراع نحو دول أوروبية أخرى.
ويأتي هذا الموقف ضمن محاولة أمريكية لإعادة صياغة دورها في النزاع بطريقة “تحافظ على الردع وتحد من التصعيد”.


