يعتقد أساتذة وأكاديميون تحدثوا لبرنامج “موازين” أن المقاطعة الشعبية سلاح فعّال ومؤثر، تخشاه الأنظمة الحاكمة ويخشاه المحتلون خصوصا إسرائيل التي تطاردها حملات عالمية تدعو لمقاطعتها، على غرار مع حدث مع نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.
ويعرّف أستاذ مقاصد الشريعة الإسلامية الدكتور وصفي أبو زيد المقاطعة بأنها وسيلة مدنية طوعية جماعية منظمة تهدف إلى الاحتجاج على سلوك ما من جهة مقابلة، وهي فكرة إنسانية لها جذور تاريخية تمتد إلى 200 أو 300 سنة، ومن أمثلتها مقاطعة ما يعرف بـ”سكر العبيد” في الهند عام 1791، وهو السكر الذي كانت تصدره بريطانيا إلى الهند؛ فقد قامت آنذاك في الهند حركة احتجاجية كبيرة طالبت بمقاطعة السكر البريطاني والترويج للسكر المحلي، وألحقت بذلك خسائر كبيرة ببريطانيا التي أقدمت على إثرها على إلغاء قانون العبودية.
ومن الأمثلة التي ذكرها الدكتور أبو زيد مقاطعة المنتجات القطنية البريطانية التي قادها الزعيم الهندي المهاتما غاندي عام 1920، حين قال قولته المشهورة “كلوا مما تنتجون والبسوا مما تصنعون وقاطعوا بضائع العدو.. واحملوا مغازلكم واتبعوني”.
أما في العالم الإسلامي فهناك مقاطعة المنتجات الإسرائيلية ومقاطعة المنتجات الدانماركية على خلفية الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم عام 2005.
وعلى صعيد القضية الفلسطينية، فقد بدأت المقاطعة منذ مرحلة ما قبل قيام الكيان الصهيوني، كما أوضح الباحث المتخصص في القضية الفلسطينية عبد الله الموسوي ضمن حلقة (2023/5/24) من برنامج “موازين”.
وعن موقف الشرع من فكرة المقاطعة، يبرز الدكتور أبو زيد أنها في تصور الشريعة الإسلامية وسيلة من الوسائل إذا كانت شريفة وتسعى إلى تحقيق مقصود شريف، مؤكدا أن المقاطعة تنطبق عليها الأحكام الخمسة التكليفية المقررة في علم أصول الفقه، فقد تكون حراما إذا ترتب عليها ضرر أعظم، وقد تكون واجبة أو مكروهة أو مباحة.
ويضرب أبو زيد مثالا بالأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، إذ يجب عليهم الاتفاق على إضراب شامل لكي يحدث أثره في الاحتلال، كما أن المسلمين عليهم أن ينتفضوا ويقاطعوا الجهات التي تسيء إلى دينهم ونبيهم صلى الله عليه وسلم.
ما الذي تخشاه إسرائيل؟
وبشأن الزخم الذي تثيره دعوات المقاطعة، يوضح أستاذ الإعلام الإسلامي بجامعة الكويت أحمد الذايدي أن المقاطعة من الوسائل المدنية السلمية الفعّالة التي تستخدم في الضغط على القرار، وقد تأثرت بها بعض الدول، ومنها الدانمارك عندما شنت عليها حملة مقاطعة على خلفية الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، بما انعكس على اقتصادها وسمعتها.
ويرى رئيس حملة التضامن مع فلسطين في بريطانيا كامل الحواش أن نجاح المقاطعة واستمرارها يعتمد على مسألة التنظيم وطرح الموضوع باستمرار في وسائل الإعلام، فهي بحاجة إلى أن تكون على مدى طويل ومستدام.
وعن دور “الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل” التي تعرف اختصارا بـ “بي دي إس”، يؤكد الموسوي في مداخلته أن الحركة تمارس نشاطها بعيدة عن العنف وتعتمد على القانون الدولي في كشف حقيقة الاحتلال وما أطلق عليه الإرهاب الصهيوني، وتدعو لكل أشكال المقاطعة، أكاديمية، وإعلامية ورياضية.
وبرأي أستاذ الإعلام الإسلامي في جامعة الكويت، فإن إسرائيل تخشى أن يتكرر معها نموذج نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا الذي انهار بعد مقاطعة دول العالم له، اقتصاديا وتقنيا وعلميا وسياحيا.
أما الحواش فيرى أن إسرائيل همها أن يقبلها العالم والوطن العربي خصوصا، مشيرا إلى أن حركة المقاطعة العربية للاحتلال عندما كانت قوية كان لها تأثير، ولكن مع موجة التطبيع خفت قوتها في بعض الدول العربية، مبرزا أن الشعوب العربية ما زالت متمسكة بسلاح المقاطعة حتى داخل الدول المطبعة.
ومن جهته، ينوّه أستاذ الإعلام الإسلامي بجامعة الكويت إلى تقبّل الشعوب العربية لفكرة المقاطعة وإيمانها بها، مستدلا على ذلك بدراسة قال إنه قام بها في فترة مقاطعة المنتجات الفرنسية وشملت معظم الدول العربية وشارك فيها نحو 3 آلاف شخص.