لم يكتف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالجدل الذي أثارته زيارته لكوريا الشمالية، وإنما توجه منها إلى فيتنام حيث أدلى بتصريحات قوية كان أبرزها الحديث عن الاستعداد النووي لبلاده والاحتفاظ بحقها في إرسال أسلحتها إلى مناطق أخرى من العالم.
وكان لافتا أن موقع روسيا اليوم وصف تصريحات بوتين في هانوي بأنها “رسائل بالغة الدلالة لكل من الصديق والعدو”، واعتبر أن جولته الأسيوية أوضحت أن “روسيا حاضرة بقوة، ويدها القوية ممدودةٌ لكل من يسعى معها لإقامة نظام عالمي أكثر عدلاً، وهم كُثر.. ولا تقف حدودٌ أمام التعاون الروسي مع الدول الصديقة، وعلى الأعداء أن يعرفوا حدودَهم، وإلّا”.
السياق
ووصل بوتين إلى هانوي الخميس، بعدما قام الأربعاء بزيارة تاريخية لكوريا الشمالية استقبل خلالها بحفاوة من جانب الرئيس كيم جونغ أون الذي وصف بوتين بأنه أفضل صديق لبلاده.
وخلال الزيارة وقع البلدان المتحدان ضد “الهيمنة الأميركية” اتفاقية “شراكة إستراتيجية شاملة” تنص على مساعدة متبادلة في حال تعرض أي منها لعدوان، وعلى تعزيز “التعاون العسكري الفني”.
وكانت زيارة بوتين إلى بيونغ يانغ هي الأولى منذ 24 عاما عندما التقى في عام 2000 مع زعيم كوريا الشمالية آنذاك كيم إيل سونغ.
أما فيتنام وهي الأخرى ذات علاقة وثيقة بروسيا، فزارها بوتين أكثر من مرة آخرها في عام 2017 لحضور قمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادي “أبيك”.
وما إن تطايرت أنباء الاتفاقية الدفاعية بين موسكو وبيونغ يانغ وحديثهما على الوقوف سويا ضد “هيمنة الإمبريالية الغربية”، حتى استشاط الغرب غضبا، وجاءت أول إدانة لهذه الاتفاقية من جانب الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية وذلك عبر اتصال هاتفي جمع وزيري خارجية البلدين أنتوني بلينكن وتشو تاي يول.
وقال الجانبان إنهما ناقشا سبل الرد على هذه الخطوة من جانب روسيا وكوريا الشمالية، وإنهما اتفقا على مراقبة الوضع عن كثب، بينما ذهبت سول وحدها إلى مدى أبعد وقالت إنها ستراجع إمكانية توريد أسلحة إلى أوكرانيا علما بأن الأخيرة تخوض منذ نحو عامين حربا مع روسيا).
رسائل وتحذيرات
وبدوره انتظر الرئيس الروسي حتى وصل إلى المحطة التالية في جولته، واستغل لقاء مع الصحفيين في العاصمة الفيتنامية هانوي ليقدم رده عبر ما بدا أشبه بقذائف موجهة إلى المعسكر الغربي.
لا أستبعد إرسال أسلحة إلى كوريا الشمالية
قال بوتين إنه لا يستبعد احتمال إرسال أسلحة روسيا إلى كوريا الشمالية، مؤكدا في الوقت نفسه أن إرسال كوريا الجنوبية أسلحة إلى أوكرانيا “سيكون خطأ كبيرا، آمل ألا يحدث، وإذا حدث، فعلينا اتخاذ قرار مناسب لن يروق على الأرجح للمسؤولين الكوريين الجنوبيين”.
وقال الرئيس الروسي للصحفيين خلال زيارته لفيتنام “نحتفظ بحق إرسال أسلحة إلى مناطق أخرى في العالم، مع أخذ اتفاقاتنا مع كوريا الشمالية في الاعتبار. ولا أستبعد هذا الاحتمال”.
واستطرد بوتين موضحا: “أعني أنه لا أستبعد أن يكون ذلك من خلال اتفاقاتنا مع كوريا الشمالية. وإلى أين ستصل تلك الأسلحة فيما بعد، فيمكننا القول أيضا كما يقولون في الغرب: لا نسيطر على تلك الأسلحة وليس مهما كيف يتم استخدامها، نحن أيضا يمكننا قول ذلك. دعهم يفكرون في هذا الموضوع”.
وتُلزم الاتفاقية التي وقعها بوتين وكيم الأربعاء كل طرف بتقديم المساعدة العسكرية العاجلة للآخر في حالة وقوع عدوان مسلح على أي منهما.
وذكر بوتين أن موسكو تتوقع أن يشكل تعاونها مع كوريا الشمالية رادعا للغرب، لكنه أوضح أنه لا يوجد حاجة للاستعانة بجنود من كوريا الشمالية في الحرب في أوكرانيا.
أنتم تهددوننا
اتهم الرئيس الروسي حلف شمال الأطلسي “ناتو” بخلق تهديد أمني لبلاده في آسيا.
وقال بوتين إن “الناتو يتحرك هناك (نحو آسيا) بالفعل وكأنه يتجه إلى إقامة دائمة. وهذا بالطبع يمثل تهديدا لكل الدول في المنطقة بما في ذلك روسيا الاتحادية. ونحن مجبرون على الرد وسنقوم بذلك”.
وعلى حد تعبير وكالة رويترز للأنباء، فإن بوتين يعتبر حلف الأطلسي خصما، ويتهمه بخداع روسيا بعد منح العضوية لدول بشرق أوروبا في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991.
استعداد نووي كامل
قال بوتين إن القوات الإستراتيجية الروسية في حالة استعداد قتالي كامل، ولذلك فإن ما تفعله الدول الغربية الآن “لا يزعجنا كثيرا، لكننا بالطبع نراقبه عن كثب”.
وبدا الرئيس الروسي واثقا وهو يتحدث عن تغييرات محتملة في العقيدة النووية لبلاده معتبرا أنه “لا حاجة لإضافة ضربات استباقية في العقيدة الجديدة، لأن الخصوم خفضوا سقف استخدام الأسلحة النووية”.
وأكد بوتين “القوات الروسية قادرة على صد أي هجوم للخصم بضربة مضادة”.
وتعليقا على تصريحات للأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) ينس ستولتنبرغ، تحدث فيها عن مشاورات لوضع بعض القوات النووية للحلف في حالة تأهب، قال بوتين إن “روسيا تراقب عن كثب تلك النوايا، وسترد بشكل مناسب إذا حدث شيء ما”.
ما يلفت النظر أن حديث بوتين جاء في سياق تزايد التصريحات الروسية التي تتحدث عن الأسلحة النووية، بالتزامن مع إجراء تدريبات تحاكي استخدام أسلحة نووية تكتيكية، ومع توسيع لنطاق تحركها العسكري بإرسال قطع بحرية تشمل غواصة تعمل بالطاقة النووية إلى كوبا غير بعيد عن الشاطئ الشرقي للولايات المتحدة.
لماذا تغضبون؟
أما فيما يخص اتفاقية الشراكة الإستراتيجية مع كوريا الشمالية، فعبر الرئيس الروسي عن استغرابه لعدم رضا الغرب عنها وقال إن الاتفاق هو تجديد لاتفاقية عام 1962 التي انتهت صلاحيتها، كما أن كوريا الشمالية لديها اتفاقات مماثلة مع دول أخرى.
وردا على سؤال بشأن البند الخاص بالمساعدة العسكرية المتبادلة ضمن الاتفاقية، أكد بوتين، أن ذلك “يدخل حيز التنفيذ في حالة العدوان العسكري على أي من البلدين، ولا ينطبق على الصراع في أوكرانيا”.
شروطنا للسلام مع أوكرانيا لن تدوم للأبد
عاد الرئيس الروسي للحديث عن إمكانية الدخول في مباحثات مع أوكرانيا لوقف الحرب الدائرة بين البلدين منذ ما يقرب من عامين ونصف، لكن حديثه هذه المرة كان بلهجة مختلفة حيث قال إن موسكو تحتفظ بمبادرتها للسلام قبل أن يحذر من أن المبادرة لن تدوم إلى الأبد وأنها قد تتغير بتغير الظروف والوضع في ساحة المعركة.
وتوقع بوتين أن يعارض الغرب مبادرته للسلام، لكنه أضاف أن ردود فعل الغرب على مبادرات روسيا متوقعة، وأنه كان من الواجب على “الساسة العقلاء” ان يفكروا في هذه المبادرات إذا كانوا يريدون إنهاء الصراع في وسط أوروبا.
وواصل الرئيس الروسي إغلاق الطريق أمام أي احتمال لأن تسحب بلاده قواتها من المناطق التي سيطرت عليها في أوكرانيا، وقال عن كييف تحلم بذلك لكنه لن يحدث أبدا.
وقال بوتين: “إذا ربطت كييف بدء مفاوضات السلام بانسحاب القوات الروسية من أوكرانيا، فلن تتم المحادثات أبدا”.
مستعدون لجميع السيناريوهات
وتطرق بوتين إلى التطورات الميدانية في الحرب مع أوكرانيا وقال إن الجيش الروسي يستعد لجميع السيناريوهات المحتملة لتطور الوضع في الاتجاه الأوكراني، مشيرا إلى محاولات غربية لدفع أوكرانيا إلى تنفيذ هجوم مضاد جديد.
وأضاف الرئيس الروسي أن الغرب يريد تصعيد الموقف ودعم أوكرانيا في تنفيذ هجوم مضاد جديد كي يعتبر نجاحا إستراتيجيا في عام 2024 قبل قمة الناتو المقبلة والانتخابات في الولايات المتحدة.
وأكد بوتين أن الغرب يريد من تصعيده أن تشعر روسيا بالخوف وأن تسحب قواتها، لكن هذا لن يحدث لأن الهزيمة الإستراتيجية لروسيا تعني نهاية الدولة التي يمتد تاريخها لألف عام.