تقرير جريدة سعودي جازيت

الرياض ـ ولد الملك عبد العزيز آل سعود عام 1876 في الرياض، وكرس حياته لتوحيد مناطق شبه الجزيرة العربية المتفرقة وتحويلها إلى دولة متماسكة ذات سيادة. وكانت رؤيته راسخة في مبادئ الإسلام، وكان شعار التوحيد “لا إله إلا الله محمد رسول الله” هو الذي يوجه جهوده.

كانت الرحلة الشاقة التي خاضها الملك عبد العزيز محفوفة بالتحديات. فقد واجه صراعات قبلية، وعدم استقرار اقتصادي، وبقايا مجتمع ممزق. ومع ذلك، وبفضل عزيمته الثابتة، وتحالفاته الاستراتيجية، ومهاراته الدبلوماسية، نجح في توحيد المملكة في عام 1932، وإعلانها المملكة العربية السعودية. ولم يكن هذا الإعلان التاريخي بمثابة نهاية للحرب القبلية فحسب، بل كان أيضًا بمثابة بداية لعصر جديد يتسم بالوحدة والغرض المشترك.

لقد مر الملك عبد العزيز بالعديد من الأحداث المهمة في حياته والتي شكلت شخصيته المميزة، وخاصة منذ سن الخامسة عشرة فصاعدًا. ويعتبر المؤرخون خروجه من الرياض عام 1308 هـ (1889 م) مع والده الإمام عبد الرحمن وبعض أفراد الأسرة أحد أصعب الأحداث في حياته المبكرة. كانت محطتهم الأولى واحة يبرين في الأحساء، تلاها إقامة في البحرين، قبل أن يستقر في النهاية في الكويت لعدة سنوات. خلال هذه الفترة، ظل قلب الملك عبد العزيز مرتبطًا بالرياض.

وفي الكويت وضع خطة لاستعادة الرياض، وفي الخامس من رمضان سنة 1319هـ (1939م) انطلق مع رجاله في رحلة جريئة عبر الصحراء القاسية، متحملين حرارة الشمس الشديدة وصيام رمضان، ووصلوا إلى موقع يعرف بأبي جفان قبل عيد الفطر مباشرة.

وفي الرابع من شوال سنة 1319هـ وصل الملك عبد العزيز ورجاله إلى ذي الشقب، التي تبعد عن الرياض مسافة ساعة ونصف تقريباً سيراً على الأقدام. ودخل المدينة بذكاء استراتيجي، فأعاد النظام إليها سريعاً بعد معركة شرسة لم تدم طويلاً. وكانت هذه اللحظة إيذاناً بنهاية الماضي وبداية عهد جديد مزدهر في نجد، حيث نعاه أهل الرياض أميراً عليهم سنة 1320هـ (1902م) أثناء صلاة الجمعة في المسجد الحرام.

لقد أدى هذا التوحيد إلى فترة من الاستقرار السياسي في الرياض، مما مهد الطريق لمرحلة جديدة من النمو والازدهار الثقافي. لقد عمل الملك عبد العزيز بلا كلل لاستعادة الأمن، ومواجهة الفوضى التي ابتليت بها شبه الجزيرة العربية، ومن خلال هذه الجهود، اكتسب حب واحترام شعبه.

وقد تجلى التزامه بالتنمية الوطنية عندما أصدر مرسوماً ملكياً بتحويل اسم البلاد من مملكة الحجاز ونجد وتوابعها إلى المملكة العربية السعودية في 23 سبتمبر 1932. ولم يرمز هذا التغيير إلى توحيد المناطق فحسب، بل كان أيضاً رمزاً لتأسيس دولة حديثة.

لقد أولى الملك عبد العزيز عناية وتوسعة المشاعر المقدسة، وتحسين الخدمات المقدمة للحجاج والسائحين، وبادر بإنشاء المدارس والمستشفيات ومشاريع التنمية الريفية، مع التركيز على تحسين الزراعة وتوفير ظروف معيشية مستدامة للمجتمعات البدوية. إلا أن هذه الخطط الطموحة كانت تتطلب موارد مالية لتنفيذها.

لدعم رؤيته لمستقبل مزدهر، بدأت عمليات التنقيب عن النفط في خريف عام 1933 في مناطق مختلفة من المملكة. وبعد أربع سنوات من التحديات التي لم تسفر عن نجاح يذكر، قرر الخبراء التحقيق في بئر مياه في موقع يُعرف باسم عين جات، حيث توقف الملك عبد العزيز أثناء رحلته من الكويت. وكان اكتشاف النفط على عمق 5000 قدم بمثابة نقطة تحول بالنسبة للأمة.

لقد أدى وصول “الذهب الأسود” إلى تحويل الصحراء القاحلة إلى مركز مزدحم بالعمال والمهندسين وخبراء النفط. وفي عام 1939، تم ضخ النفط لأول مرة في احتفال حضره الملك عبد العزيز، إيذانًا ببدء مشاريع الدولة الطموحة التي تصورها.

كان الملك عبد العزيز يتعامل مع الشؤون الخارجية بنفس الجدية التي يتعامل بها مع الشؤون الداخلية، فكان ينخرط دبلوماسياً مع دول العالم، ويحافظ على استقلال المملكة في اتخاذ القرار، ويعزز العلاقات التي تحترم مكانتها الثقافية والدينية. وقد نال هذا النهج إعجاب زعماء العالم، وتصدر عناوين الأخبار في وسائل الإعلام العربية والدولية.

إن إرث الملك عبد العزيز لا يزال يلهم الأجيال القادمة. إن التزامه برفاهية شعبه ورؤيته لأمة موحدة يتردد صداه في قلوب السعوديين اليوم. إن اليوم الوطني ليس مجرد احتفال بإنجازات المملكة فحسب، بل إنه أيضًا تذكير بقيم الصمود والعزيمة والإيمان التي حددت قيادة الملك عبد العزيز. وبينما نحتفل بهذا اليوم، فإننا نكرم رؤيته والمسار الذي مهد له لمستقبل المملكة العربية السعودية.

وفي محرم سنة 1373هـ (1953م) توفي الملك عبد العزيز في الطائف بعد مرض ألم به، وفي صباح الثاني من ربيع الأول 9 نوفمبر 1953م انتقل إلى رحمة الله تعالى تاركاً خلفه إرثاً عميقاً لا يزال أثره مستمراً في المملكة.


شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version