يقول مفكرون إن فرضية أفول الغرب أصبحت أكثر واقعية، ويرون أن هذا الأفول لا يتعلق بمعطيات عسكرية أو علمية أو اقتصادية وحسب وإنما أيضا بعيوب أخلاقية تتمثل في فصل العالم عن الله.

بانر موازين (الجزيرة)

ووفقا لحلقة “عالم ما بعد الغرب.. هل هو قابل للتحقق؟” من برنامج موازين فإن السنوات القليلة الماضية شهدت حراكا قويا من الصين وروسيا تحديدا دفعت الولايات المتحدة التي تتسيد العالم منذ الحرب العالمية الثانية للحديث عن تخوفاتها من أن تترك فراغا ليحل غيرها فيه.

فخلال القمة التي عقدت في السعودية يوم 16 يوليو/تموز 2022، وضمت الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق، قال الرئيس الأميركي جو بايدن إن بلاده لن تغادر الشرق الأوسط لتخلق فراغا تملؤه الصين أو روسيا أو إيران.

ووفقا لتقرير تم بثه خلال حلقة موازين، فإن هذا الحديث كان إعلانا صريحا عن القلق الأميركي من أن تتحول موازين القوى العالمية في ظل القدرات العسكرية والاقتصادية لدول أخرى تتصدرها الصين.

تحديات وفرص

يقول التقرير إن الصين تشبه في انطلاقتها الحالية الرأسمالية الغربية في بداية نهضتها مما يعزز التوقعات التي تضعها في صدارة الاقتصاديات العالمية بنهاية العقد الحالي، مع طفرة على صعيد التصنيع العسكري تهدد الهيمنة الأميركية المطلقة بل وتضع بكين قبلها في بعض الجوانب، كما تقول إلسا كانيا الباحثة في مركز أبحاث الأمن الأميركي الجديد.

وإلى جانب الصين، تأتي روسيا التي أعلن رئيسها فلاديمير بوتين في يوليو/تموز 2022 إستراتيجية جديدة للبحرية الروسية تقوم على اعتبار نهج الهيمنة الأميركية تحديا للأمن القومي لبلاده، وتؤكد ضرورة وجود عدد كاف من القواعد ونقاط التمركز خارج الحدود مع اعتبار الوجود في البحرين المتوسط والأحمر أمرا مهما للأمن الروسي.

وتعليقا على هذه التحولات، يقول الكاتب والسياسي المغربي الدكتور حسن أوريد (صاحب كتاب أفول الغرب) إن الموضوع تم طرحه بعد الحرب العالمية الأولى وتناولته العديد من الكتب الغربية التي تناولته من ناحية التحديات، مشيرا إلى أنه يرى الأمر مرتبطا بفرص تمتلكها قوى أخرى ذات حضارة كبيرة.

انتهاك الدين والنفعية المادية

أما المفكر اللبناني محمود حيدر، فقال إن العالم يعيش منعطفا عالميا يؤسس لتاريخ جديد، مشيرا إلى أن الغرب يحتل منطقة الجاذبية في هذا المنعطف وأنه إما أن يضمحل وينزوي نجمه كما يقول مفكروه وإما يعيد ترميم نفسه والدخول في الدورة الحضارية الجديدة.

ويرى حيدر أن مشكلة الغرب ليست مادية ولا عسكرية فقط وإنما هي فلسفية تتعلق بعطل تكويني في حضارته تتمثل في الفصل بين الله والعالم، لافتا إلى أن تأليه الإنسان جعله يعتقد بأنه قادر على حل كل مشاكل العالم.

ومن منظور عربي، يقول حيدر إن أفول الغرب يعود أيضا إلى فكرة وجود دورة حضارية حتمية هي التي جعلت الغرب يتمركز في لحظة من التاريخ مسيطرا ومهيمنا على العالم كله حتى وصل إلى مرحلة الإشباع في القدرة والقوة، وهي نفسها التي ستدفع بلاعب جديد نحو المركز.

لكن أوريد يرى أهمية عدم إغفال جانب النفعية في حضارة الغرب التي تجلت في شكل الليبرالية الاقتصادية والتي انتهت كما هو حاصل باستغلال الإنسان للإنسان، مؤكدا أن منظومة الرأسمالية تلعب دورا أساسيا في تراجع الحضارة الغربية، لأنها تقوم أساسا على تسعير كل شيء وتحويل المال إلى غاية في حد ذاته.

هذا الأمر كما يقول أوريد لا بد وأن ينتهي بالحروب أو الشعوبية، مضيفا أن العالم يعيش هذه الحروب وتلك الشعوبية التي عاشها العالم في ثلاثينيات القرن الماضي بسبب تغلب المادية على الأخلاقية حتى إن ديمقراطية الغرب نفسه تعيش أزمة واضحة حاليا كجزء من الانهيار والإخفاق.

مع ذلك، يقول حيدر، إن حضارة الغرب لم تقم على فصل الدين عن الدولة مع إيجاد توازن بين الأمرين ولكنها وصلت إلى مرحلة من التطرف قضت على الإيمان المسيحي تماما.

وقال حيدر إن كل النقلات الحضارية على مدار التاريخ كانت مرتبطة بالدين وإن الغرب ليس استثناء من ذلك، لكنه لفت إلى أن العلمانية الغربية انتهكت الدين بشكل كبير جدا حتى لم تعد لدى الإنسان الغربي ثقافة دينية فعلية لأنه تحول إلى خادم في مصانع الرأسمالية بأشكالها المختلفة.

وخلص حيدر إلى أن أكبر دليل على إلحاح سؤال الدين في الغرب هو اللقاء الذي جرى بين البابا المستقبل بندكت السادس عشر مع الفيلسوف الألماني الشهير هابرماس في محاولة لإيجاد توازن بين الدين والعلمانية في محاولة لترميم الحضارة الغربية ومؤسسات الدولة.

|

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version