جاءت أزمة البحر الأحمر كرجع صدى للعدوان الإسرائيلي على غزة. ورغم تعدد الجبهات بالعنوان ذاته فإن العمليات التي نفذها الحوثيون ضد السفن الإسرائيلية، أو التي تحمل شحنات متجهة إلى إسرائيل في شريان مائي مهم دوليا اتخذ أبعادا عسكرية وسياسية واقتصادية عالمية، وشكّل أزمة يمكن أن تتدحرج إلى الأسوأ.
ومنذ 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بدأ الحوثيون عملياتهم في البحر الأحمر عندما أعلنوا انخراطهم في الحرب ضد إسرائيل “انتصارا للمظلومية التاريخية للشعب الفلسطيني”، حسب تصريح المتحدث العسكري باسم الحوثيين العميد يحيى سريع، وكان ذلك مؤشرا مهما إلى انتقال الحرب التي تشنها إسرائيل في غزة إلى مجال أوسع باعتبار الموقع الجيوسياسي الذي تتحكم به الجماعة في مضيق باب المندب وما حوله.
ورغم محاولات الحشد الدولي كان الحوثيون قد أعلنوا الاثنين الماضي أنهم استهدفوا بطائرتين مسيّرتين سفينتين “لهما ارتباط بالكيان الصهيوني” في البحر الأحمر، وحذّروا في بيان “كل السفن المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية من أي جنسية كانت من الملاحة في البحرين العربي والأحمر، حتى إدخال ما يحتاجه إخواننا الصامدون في قطاع غزة من ماء وغذاء ودواء”.
وكان الحوثيون قد هددوا سابقا باستهداف جميع أنواع السفن التي تشغّلها شركات إسرائيلية، أو تعود ملكيتها إلى شركات إسرائيلية، أو تلك التي تحمل العلم الإسرائيلي، وبعد عمليات عدة ربطوا وقفها بإدخال الغذاء والدواء والمساعدات لغزة المحاصرة.
وردا على العمليات الحوثية، أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن أمس الثلاثاء من إسرائيل، إطلاق تحالف “حارس الازدهار”، قوة حماية بحرية متعددة الجنسيات “من أجل ترسيخ المبدأ الأساسي لحرية الملاحة البحر الأحمر”، يتكون من 10 بلدان للتصدي لهجمات الحوثيين، وضم دولة عربية واحدة هي البحرين.
ومنذ هجمات سبتمبر/أيلول 2001 ، تتولى عمليا قوة أميركية تأمين الملاحة في المضيق تحت ذريعة مواجهة تنظيم القاعدة والقراصنة في المنطقة، كما تسيّر دول أخرى بوارج في المنطقة بما فيها إسرائيل، التي أعلنت رسميا إرسال مدمرتها الحديثة “ساعر 6” إلى البحر الأحمر بعد هجمات الحوثيين.
شريان حيوي ونقطتي اختناق
يستمد البحر الأحمر أهميته الإستراتيجية والجيوسياسية من موقعه الجغرافي الفريد، ويصفه مستشار الأمن القومي الأميركي السابق زبيغنيو برجينسكي بكونه يقع في قلب قوس الأزمات أو عدم الاستقرار، الذي يضم الشرق الأوسط والقرن الأفريقي ومنطقة المحيط الهندي، كما أنه يتاخم منابع النفط الرئيسة في العالم.
ويعدّ البحر الأحمر واحدا من أهم طرق الملاحة الرئيسة في العالم، فهو يربط بين 3 قارات؛ وهي: أفريقيا وآسيا وأوروبا، وتمثل قناة السويس في شماله شريانا ملاحيا له أهمية إستراتيجية دولية مهمة ونقطة اختناق أولى.
وتسلك نحو21 ألف سفينة سنويا القناة في طريقها بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي، ويمرّ بها يوميا نحو 30% من حاويات الشحن في العالم، ونحو 10% من تجارة النفط، و8% من تجارة الغاز المسال، ونحو 12% من إجمالي التجارة العالمية من جميع السلع.
وبرزت أهمية قناة السويس شريانا حيويا عالميا خلال العدوان الثلاثي على مصر في 1956 والحروب العربية الإسرائيلية، وكذلك في حوادث عرضية، كما حصل حين عطّل جنوح السفينة “إيفر غرين” الملاحة في القناة في 2021 لمدة 6 أيام.
ويعدّ البحر الأحمر الطريق الرئيس الذى يمر من خلاله نفط الخليج العربي وإيران إلى الأسواق العالمية في أوروبا، إذ تحتاج أوروبا إلى نقل 60% من احتياجاتها من الطاقة عبره، بينما تنقل من خلاله نحو 25% من احتياجات النفط للولايات المتحدة الأميركية.
ينفتح البحر الأحمر غربا وشرقا وشمالا على 9 دول؛ وهي: مصر والسعودية والأردن والسودان واليمن وجيبوتي والصومال وإسرائيل (نحو 12 كيلومترا) وإريتريا، ويبلغ طوله 1900 كيلومتر، ويترواح عرضه بين 204 كيلومترات ونحو 20 كيلومترا (عند مضيق باب المندب جنوبا)، بينما يبلغ متوسط عمقه 419 مترا. أما امتداد طول الساحل على شاطئيه فيصل إلى 4910 كيلومترات، ويضم عددا كبيرا من الجزر والمضائق المهمة والخلجان.
وتطل 7 دول عربية على البحر الأحمر، وهو ما يشكّل أهمية إستراتيجية قصوى للأمن القومى العربى، وكانت مضائقه وخلجانه وجزره جزءا من الصراع مع إسرائيل، خاصة أثناء الحروب العربية الإسرائيلية سنوات 1956 (العدوان الثلاثي على مصر) وحربي 1967 و1973، حينما أغلقت مصر واليمن مضيق باب المندب أمام الملاحة الإسرائيلية.
في المقابل، تركز إسرائيل ضمن نظرية أمنها القومي على البحر الأحمر رغم قصر ساحلها عليه (11.6 كيلومترا)، وهو يعدّ المنفذ البحري الجنوبي لإسرائيل إلى مينائها الرئيس في إيلات (أم الرشراش)، كما أنه المنفذ الوحيد لها نحو أفريقيا وآسيا.
وخلال حرب 1967 كان إغلاق السلطات المصرية لمضيق تيران في 22 مايو/أيار، أمام الملاحة الإسرائيلية ومنع السفن من المرور إلى ميناء إيلات من الأسباب المعلنة للهجوم الإسرائيلي على مصر يوم 5 يونيو/حزيران.
ومع أطماعها ومحاولاتها للسيطرة على البحر الأحمر والمعلومات عن إقامة قاعدة في “دهلك” بإريتريا، تستفيد إسرائيل من علاقتها بالولايات المتحدة وسردية محاربة الإرهاب والقرصنة، وهي تسوّق أهدافها بالدعوة إلى أن يكون البحر الأحمر ممرا مائيا دوليا يجب أن يظل مفتوحا لسفن الدول جميعا بما فيها إسرائيل، ولا حق للدول العربية في السيطرة عليه، أو تقييد حرية الملاحة فيه.
كما اهتمت القوى الكبرى -مثل: الولايات المتحدة وفرنسا وإنجلترا والاتحاد السوفياتي السابق وروسيا حاليا والصين (وكذلك إسرائيل وتركيا)- بالنطاق “الجيوبوليتيكي” للبحر الأحمرعسكريا وأمنيا واقتصاديا، وحرصت على أن يكون لها وجود دائم (قواعد)، أو نقاط ارتكاز فيه كونه ممرا أساسيا لأساطيلها البحرية ونفطها وتجارتها.
باب المندب
يقع مضيق باب المندب في المدخل الجنوبي للبحر الأحمرفي اتجاه المحيط الهندي وبحر العرب، على حدود 3 دول؛ وهي: اليمن وجيبوتي وإريتريا، ويفصل عمليا بين قارتي آسيا وأفريقيا، وهو يستمد أهميته الإستراتيجية كونه المنفذ الوحيد الذي يتحكم تماما في البحر الأحمر من الناحيتين العسكرية والتجارية.
ويصل عرض المضيق إلى نحو 30 كيلومترا وفي شرقه توجد جزيرة “بريم،” بمساحة كيلومترين مربعين، وتقسمه إلى قناتين: القناة الشرقية المعروفة باسم “باب إسكندر” بعرض 3 كيلومترات وعمق 30 مترا، و”القناة الغربية” المعروفة باسم “دقة المايون” بعرض نحو 25 كيلومترا وعمق 310 أمتار.
يسمح عرض المضيق وعمقه بمرور ناقلات النفط الضخمة وسفن الشحن الكبيرة في الاتجاهين، وهو ما سهل انسيابية الحركة التجارية. وحسب موقع “vessel tracking” تمر عبره 22 ألف قطعة بحرية سنويا بمعدل 60 سفينة يوميا، سواء في اتجاه شمال البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط وأوروبا -خاصة بعد افتتاح قناة السويس في 1869- وجنوبا إلى وشرقا خليج عدن وبحر العرب والمحيط الهندي وآسيا.
ويتمتع المضيق بأهمية عسكرية وأمنية كبيرة، ويسمح عرضه ومساحته بإمكانية التحكم فيه عسكريا بالغوصات أو المدمرات أو الأسلحة الأخرى؛ كالصواريخ والمسيرات أو تفخيخه بالألغام البحرية، ومن ثم قطع الملاحة فيه وإرباكها.
كيف أثرت عمليات الحوثيين؟
بينما تبدو التأثيرات العسكرية محدودة حتى الآن، تشير صحيفة الإيكونوميست البريطانية إلى أن “صناعة الشحن العالمية تتحول إلى وضع الطوارئ” من جراء الهجمات الحوثية، مشيرة إلى أن “هذه الهجمات ستكون لها تداعيات خطيرة، أهمها ما يتعلق بالتأثيرات على الاقتصاد العالمي وعلى دول إقليمة، ومخاطر التصعيد العسكري في الشرق الأوسط”.
ومع تقييد حركة السفن عبر قناة بنما، الطريق التجاري الرئيس بين آسيا والولايات المتحدة، التي تشهد جفافا تاريخيا يجبر السفن على الانتظار لمدة تصل إلى شهر للعبور وفقا لوكالة رويترز، خططت بعض الشركات لإعادة توجيه مسارها إلى البحر الأحمر، لتجنب التأخير في قناة بنما، وهو ما سيجعل لأزمة البحر الأحمر آثارا أكبر قصيرة وبعيدة المدى.
وقال المحلل سايمون هيني، مدير أول لأبحاث الحاويات في شركة “دروري”، وهي شركة استشارية للأبحاث البحرية لواشنطن بوست “إنه أمر غير مسبوق أن تتزامن الاثنتان.. قناتا السويس وبنما غير مغلقتين، الأمر أنهما أصبحتا أقل قابلية للحياة على المدى القصير فقط”.
وحتى يوم 19 ديسمبر/كانون الأول الجاري، قررت 13 شركة عالمية كبرى تغيير مسارات سفنها، أو وقف جميع شحنات الحاويات عبر البحر الأحمر؛ وهي: شركة “إيه بي مولر-ميرسك” الدانمركية، ومجموعة الشحن الفرنسية “سي إم إيه – سي جي إم”، وأكبر شركة شحن بحري في العالم “إم إس سي”.
كما أعلنت شركة شركة الشحن البحري التايوانية “يانغ مينغ” وشركة “بريتيش بتروليوم” البريطانية النفطية وقف مرور سفنها عبر البحر الأحمر، وكذلك شركة النفط والغاز النرويجية “إكوينور”ونظيرتيها “فرونت لاين” لناقلات النفط و”لينيوس فيلهلمسن”، وشركة شحن الحاويات الألمانية “هاباغ لويد”، وشركة شحن الحاويات الكورية الجنوبية “إتش إم إم”، وشركة “إن واي كي” اليابانية.
من جهتها، قررت شركة شحن الحاويات التايوانية “إيفرغرين” التوقف مؤقتا عن قبول البضائع الإسرائيلية بأثر فوري وتعليق الملاحة عبر البحر الأحمر حتى إشعار آخر، بينما أوقفت شركة “أورينت أوفرسيز كونتينر لاين” ومقرها هونغ كونغ بدورها قبول البضائع من إسرائيل وإليها حتى إشعار آخر؛ بسبب مشكلات تشغيلية.
وتستحوذ شركات “إم إس سي” و” إيه بي مولر-ميرسك”، و “سي إم إيه – سي جي إم”، على أكثر من 40% من سوق شحن الحاويات بحرا حول العالم، وتتولى شركة ميرسك أكثر من 20% من التجارة العالمية، وتتعامل مع أكثر من 12 مليون حاوية سنويا، حسب بيانات موقع “ستاتيستا”. وتشير التقديرات إلى أن حركة المرور عبر البحر الأحمر تقلصت تبعا للأحداث الجارية بنسبة 35%.
وستضطر هذه الشركات إلى المرور عبر رأس الرجاء الصالح في أقصى جنوب القارة الأفريقية، بما يطيل الرحلات بين 19 يوما إلى 31 يوما، وهو ما سيؤثر في وضع الشحن بالكامل، وعلى حركة إمداد الدول بالواردات على كل المستويات، من المنتجات النهائية والمواد الخام للقطاعات الصناعية، حسب ما ذكر نوام ريدان، الباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في تقرير لموقع “فوا نيوز”.
كما سيؤدي تجنب شركات الشحن العالمية لمضيق باب المندب، والالتفاف حول رأس الرجاء الصالح إلى زيادة التكلفة والتأمين على الحاويات، خاصة المتجهة إلى أوروبا تصل إلى مئات الآلاف من الدولارات، وفق ما ذكره خبير التأمين ديفيد أوسلر.
وبشكل عام يقدّر خبراء ومحللون إلى أن يؤدي الانسداد إلى تعطيل حوالي 9.6 مليارات دولار من التجارة العالمية يوميا، ويتسبب في ارتفاع أسعار النفط في أوروبا خاصة؛ بسبب المخاوف من نقص الإمدادات.
ووفقا للمعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية، فإن زياداة وتيرة التهديدات التي تواجه الشحن الدولي في البحر الأحمر سوف تؤدي إلى مشكلات في التزود بالطاقة وانعدام الأمن الغذائي، وتهدد سلاسل التوريد العالمية.
ويقول جون ستاوبرت، كبير مديري البيئة والتجارة في الغرفة الدولية للشحن البحري لواشنطن بوست “هذه مشكلة بالنسبة لأوروبا، وهي كذلك بالنسبة لآسيا، من المحتمل أن يكون لها تأثير اقتصادي هائل”، مشيرا إلى أن 40% من التجارة بين آسيا وأوروبا تمر -عادة- عبر باب المندب.
الخسائر الإسرائيلية
لا تمتلك إسرائيل تجارة كبيرة عبر البر مع البلدان التي تحدها باستثناء مبادلات قليلة مع مصر والأردن، وهي -من ثم- تعتمد على الممرات المائية في التزود بالمواد الأساسية، وتمر نحو 5% فقط من تجارتها عبر ميناء إيلات على البحر الأحمر.
وحسب بيانات نشرتها صحيفة غلوبس الاقتصادية الإسرائيلية، فإن سعر شحن الحاويات من الصين إلى ميناء أسدود الإسرائيلي ارتفع بنسبة تتراوح بين 9% و14% في الأسبوعين الأخيرين من شهر أكتوبر/تشرين الأول الفائت.
وأدى ذلك إلى رفع كلفة الشحن بنحو 5% منذ اندلاع الحرب، كما ارتفعت كلفة تأمين السفن الإسرائيلية بنسبة 250% حسب الباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى نوام ريدان.
وذكر موقع أكسيوس الإخباري الأميركي أن ميناء إيلات الإسرائيلي يشهد، بفعل هجمات الحوثيين توقفا شبه كامل لوصول السفن. كما كشف المدير العام للميناء إيلات جدعون غولبر لصحيفة “كالكاليست” الإسرائيلية عن انخفاض بأكثر من 80% في إيرادات الميناء.
ومن المنتظر أن تؤثر زيادة أسعار الشحن وتأخير وصول الشحنات القادمة إلى إسرائيل، خاصة من جنوب شرق آسيا بمعدل أسبوعين على الأقل، إلى تراجع المخزونات من السلع وزيادة الأسعار، وهو ما سيؤثر في الاقتصاد الإسرائيلي المنهك من تبعات الحرب على غزة.
هل يستطيع الحوثيون إغلاق البحر الأحمر؟
تشير مجلة تايم الأميركية في تقرير لها إلى أن “جماعة الحوثي يستعرضون قدراتهم ويسعون إلى تعزيز مكانتهم الإقليمية مثل إيران راعيتها، وهم يردون الضغط على إسرائيل لإنهاء هجومها على غزة، ومن المرجح أن يواصلوا هجماتهم حتى يتحقق هذا الهدف عبر زيادة الضغط الدولي على إسرائيل، انطلاقا من البحر الأحمر كنقطة ضغط، ومن المحتمل جدا أن يواصلوا هجماتهم طالما بقيت إسرائيل في حالة حرب”.
ورغم تشكيل الولايات المتحدة لقوة دولية لضمان حرية الملاحة في البحر الأحمر، فإن محمد البخيتي، عضو المجلس السياسي لجماعة الحوثي، قال في لقاء مع قناة الجزيرة “إن جماعته ستواجه أي تحالف تشكله الولايات المتحدة، ويمكن أن ينتشر في البحر الأحمر”. كما أشار في تصريحات أخرى إلى أن “العمليات لن تتوقف إلا بتوقف الإبادة في غزة، والسماح بدخول الغذاء والدواء والوقود، حتى لو نجحت أميركا بحشد العالم كله”.
ومن شأن ذلك أن يبقي التوتر قائما في المنطقة، وسيستمر تعطيل مسار الشحن الدولي وحركة التجارة العالمية بشكل قد يكون أكثر وقعا وتأثيرا مع استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة، كما يمكن أن يتصاعد.
ويؤكد الخبراء أن الحوثيين لا يملكون سفنا حربية بحرية رسمية، أو بوارج أو غواصات يمكنهم من خلالها فرض طوق وحصار كامل، لكنهم سيواصلون الاعتماد على “نيران مضايقة” وهجمات بالمسيّرات والصواريخ والزوارق السريعة، وربما زرع الألغام البحرية، في الوقت الذي تنفّذ فيه السفن الحربية الأميركية والفرنسية وغيرها من سفن التحالف، دوريات في المنطقة، بما يُبقي الممر المائي مفتوحا حتى الآن.
ويقول خبير الصواريخ والباحث في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية فابيان هينز في تقرير لأسوشيتد برس، “إن جماعة الحوثي تمتلك صواريخ باليستية طويلة المدى، وصواريخ كروز أصغر حجما، وطائرات انقضاضية دون طيار، وكلها كانت قادرة على الوصول إلى جنوبيّ إسرائيل دون أن تتغلب على أنظمة دفاعها، لكن الهجمات على الأهداف الأقرب وسفن الشحن ستكون أكثر فعالية”.
من جهته، يؤكد جون ستاوبرت، كبير مديري البيئة والتجارة في الغرفة الدولية للشحن البحري أن “تلك الهجمات لن تتوقف نهائيا، وستواصل إثارة قلق صناعة الشحن، لكن لا أرى أن هناك احتمالا بأن يوقف الحوثيون حركة السفن عبر البحر الأحمر تماما، وسنبذل كل ما في وسعنا للتخفيف من أي تهديدات من هذا القبيل، والحفاظ على تدفق التجارة”.
“تحالف الازدهار” وحسابات الانفجار
تشير مجلة تايم إلى أن الحوثيين “مجهزون بشكل كبير بالأسلحة التي توفرها لهم إيران، بما في ذلك الطائرات دون طيار الدقيقة، وصواريخ كروز المضادة للسفن والصواريخ الباليستية القادرة على ضرب سفينة متحركة على بعد مئات الكيلومترات. ومع وجود مخزون كبير، يمكنهم الاستمرار في هذه الحملة لفترة طويلة”.
ويضيف التقرير أنه قد يكون من الصعب ردع الحوثيين بالقوة العسكرية على عكس حزب الله، الذي يواجه حربا مباشرة مع إسرائيل، فالحوثيون لا يتعرضون لتهديد فوري يذكر، بعد أن وصلوا الآن إلى حافة النصر في حربهم التي استمرت عقدا من الزمن مع المملكة العربية السعودية -حسب التقرير-، وهذا ما يجعل هذا الوضع تحديا جديا لكل من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي.
ويفتقر التحالف الذي شكلته الولايات المتحدة إلى دعم معلن من الدول العربية السبع المطلة على البحر الأحمر، وهو ما يضعف دوره ويشكك في أهدافه، كما أن الولايات المتحدة تسعى إلى احتواء الأزمة في ارتباطها بالحرب الإسرائيلية على غزة، وما تواجهه من هجمات في العراق وسوريا، ومنعها من التصاعد إلى درجة تصبح فيها إيران متورطة بشكل مباشر، وهو ما يقلص من احتمال تدخلها العسكري المباشر ضد الحوثيين، أو تدخل إسرائيلي مماثل قد يزيد الأوضاع في المنطقة اشتعالا.
وفي إشارة إلى ضعف الردع الأميركي للحوثيين، تشير مجلة تايم إلى أن “ضربات جوية أميركية على غرار تلك التي نفذت في العراق وسوريا، لن تقترب من نوع الضرر الذي تكبدته الجماعة خلال حربها مع المملكة العربية السعودية”، مشيرة إلى أن إدارة بايدن ستشعر مع ذلك بضغوط متزايدة لاتخاذ إجراءات، طالما استمرت هذه الهجمات وآثارها التخريبية، وفقا لتقديرها.
ومع أن نزع فتيل التوتر في البحر الأحمر يبدو يسيرا وفق مطالب الحوثيين في ارتباطها بالحرب الإسرائيلية على غزة، وقد يحصل بالعمل الدولي الجاد على وقف العدوان، يقود البحث في حلول عسكرية محضة نحو مزيد من التصعيد، وهو ما من شأنه أن يعيق حركة التجارة الدولية ويعمّق الأزمة الاقتصادية العالمية، ويؤدي إلى مزيد عسكرة شريان بحري عالمي مهم، وازدحام المدمرات والغواصات والبوارج، ويقوّي احتمال نشوب نزاع أشد وأخطر في المنطقة.