لم يعد الساسة الذين يحاولون إيجاد مخرج للوضع المتصاعد في سوريا قادرين على ملاحقة تطورات الميدان، التي تزيد الخناق على الرئيس بشار الأسد، الذي أصبح في موقف لا يسمح له بفرض الإملاءات، حسبما يقول خبراء.
ففي الوقت الذي تجتمع فيه بعض الدول في العاصمة القطرية الدوحة بحثا عن مبادرة سياسية تحول دون وقوع سوريا في فخ الفوضى مجددا، تقترب المعارضة السورية من دخول العاصمة دمشق.
وفي حين تتضارب الأنباء بشأن بقاء الأسد في دمشق، خاضت المعارضة السورية معارك عنيفة خلال الـ24 ساعة الأخيرة في ريف حمص، ونجحت في السيطرة على نقاط مهمة، منها حاجز المملوك ومركز قيادة الفرقة 26، حسب ما أكده مراسل الجزيرة عمر الحاج.
بحث مصير الأسد
ومع هذه التطورات المتسارعة على الأرض، أصبح من الواضح أن الساسة لم يعودوا قادرين على اللحاق بالمقاتلين الذين يحققون انتصارات تجعلهم غير مجبرين على القبول بشروط المهزوم، حسب قول الباحث الأول في مركز الجزيرة للدراسات الدكتور لقاء مكي.
كما أن النقاشات الجارية في الدوحة، أو التي جرت في العراق، تدور كلها بين أطراف خارجية، وكلها لا تبحث عن حل سياسي بين المعارضة والنظام، وإنما تبحث شكل سوريا ما بعد الأسد.
وحتى حديث وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي عن استعداد بلاده للتعامل مع المعارضة السورية أو المبادرات، التي يجري الحديث عنها أو تسريبها لوسائل الإعلام الغربية بشأن قبول الأسد بسن دستور جديد أو التوصل لاتفاق معين، كلها لا تعدو كونها محاولات في الوقت الضائع، برأي مكي.
لذلك، فإن السؤال المهم حاليا قد يكون هو مصير الأسد الذي لن يتمكن من فرض شروطه على المعارضة التي حققت انتصارات كبيرة على الأرض، وفق مكي، الذي يرى أن الرئيس السوري “قد يقاتل وربما يُقتل خلال المعارك بعدما تخلى حلفاؤه كلهم عنه”.
المعارك تقود السياسة
الرأي نفسه ذهب إليه الخبير العسكري العميد إلياس حنا بقوله إن المعركة في سوريا أصبحت تقود السياسة، وإن ما يجري من اجتماعات سياسية يمكن القول إنه سابق معرفة من الذي سيجلس على طاولة التفاوض في نهاية الأمر.
وأشار حنا إلى أن هيئة تحرير الشام -التي يبدو أنها ستكون صاحبة اليد العليا في حسم المعركة- “غير معترف بها دوليا ولا من بعض الأطراف في الداخل، فضلا عن أن المعارضة لم تربح كل شيء حتى الآن والنظام أيضا لم يخسر كل شيء”.
وإلى جانب ذلك -يضيف الخبير العسكري- فإن العاصمة هي مركز ثقل النظام الذي يمتلك قوة كبيرة فيها على رأسها الفرقة الرابعة، التي يقودها ماهر الأسد شقيق بشار الأسد.
ويرى حنا أن الرئيس الأسد “قد يحافظ على الريف الشمالي الذي يصل دمشق بالساحل من أجل التفاوض على سن دستور جديد قد يضمن له حصة في مستقبل سوريا”.
ومع ذلك، فإن تقدم المعارضة نحو ريف دمشق والتثبت فيه سيكون مهما -كما يقول الخبير العسكري- لأنها ستفصل العاصمة عن الساحل حتى لو لم تسيطر على مدينة حمص كاملة، كما يقول المتحدث.
وعن المتوقع من اجتماعات الدوحة، قال مكي إن الدول المجتمعة تمتلك أجندات مختلفة وهو ما يجعل التوصل لاتفاق أمرا صعبا، معربا عن اعتقاده بأن هذه اللقاءات ستنتهي بالاتفاق على عدم التدخل في الشأن الداخلي السوري.
وخلص مكي إلى أن القوى المؤثرة حاليا في الساحة السورية هي تركيا والولايات المتحدة وإسرائيل، بينما خسرت روسيا وإيران نفوذهما على نحو لم يجعل لأي منهما نفوذا يمكن التعويل عليه.