20/5/2024–|آخر تحديث: 20/5/202408:38 م (بتوقيت مكة المكرمة)
حظي مصرع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في حادث تحطم طائرة مروحية أمس الأحد باهتمام كبير من كتاب وباحثين في الصحف الإسرائيلية، أجمعوا على أن إيران تعرضت لما سموه “ضربة” بوفاته، لكنهم توقعوا عدم حدوث تغيير ملموس في السياسة الإيرانية، وأنها لن تواجه مشكلة في تعيين رئيس جديد للبلاد.
وأبرزت صحيفة “إسرائيل اليوم” في صفحتها الرئيسية عنوانا تضمن “الدراما في جبال إيران” قائلة، “صحيح أن هذه دراما داخلية ستهز القيادة الإيرانية في الفترة المقبلة، لكن من الواضح أن لإسرائيل مصلحة خاصة فيها، إنها هزة ستطغى على القوة الإقليمية التي تقف الآن في المقدمة منا، وخلف الكواليس وأمامنا، كتهديدات تواجه إسرائيل الآن”.
ونقلت الصحيفة عن اللواء احتياط عاموس جلعاد قوله إن “النظام الإيراني يعرف كيفية التعامل مع هذه الأزمات. إنه بلد كبير بما فيه الكفاية، ويمتلك رأس مال بشري وموارد”.
ضربة قاسية
وفي هآرتس اعتبر الدكتور راز تسيمت، وهو باحث كبير وخبير في الشؤون الإيرانية في معهد بحوث الأمن القومي الإسرائيلي، ومركز “أليانس” للدراسات الإيرانية في جامعة تل أبيب، أن مصرع رئيسي يشكل “ضربة شخصية قاسية” للمرشد الإيراني علي خامنئي، و”إن كان من غير المتوقع للإستراتيجية الإيرانية أن تتغير”، وفق رأيه.
وبرر الباحث ذلك بالقول إن “رئيسي يعتبر الرئيس الأكثر إخلاصا وراحة بالنسبة لخامنئي من بين الرؤساء الخمسة الذين تولوا الرئاسة تحت قيادته منذ عُين زعيما في صيف 1989”.
ويرى أن انتخابه للرئاسة عكس تغييرا ذا مغزى في ميزان القوى السياسي في السلطة التنفيذية، وبشر بعودة السيطرة المحافظة في عموم مراكز القوة في إيران، خاصة بعد 8 سنوات من ولاية سلفه في المنصب حسن روحاني، الذي كان “يتماهى مع المعسكر البراغماتي” واعتبر أيضا أن “انتخاب رئيسي أدى إلى تعزيز التركيبة الصقرية للمجلس الأعلى للأمن القومي” في إيران.
كما تحدث تسيمت عن دور وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان الذي توفي في الحادث أيضا، متوقعا أن يكون لذلك تأثير لا بأس به، مشيرا إلى معرفته العميقة بالشرق الأوسط، وإتقانه للعربية وكونه مقربا جدا من فيلق القدس التابع للحرس الثوري “جعلته في السنوات الأخيرة، وبخاصة بعد نشوب الحرب في غزة، عنصرا ذا مغزى في قيادة المعركة السياسية الإيرانية، حيث برز دوره مقارنة بسلفه، محمد جواد ظريف الذي شابت علاقاته مع الحرس الثوري في بعض الأحيان بعض التوتر”
كما اعتبر أن عبد اللهيان أبدى دورا مركزيا أيضا في جهود إيران بتخفيف التوتر مع جيرانها العرب، وتعميق الشراكة الإستراتيجية مع روسيا والصين.
وأشار الباحث إلى الإشكالية المتعلقة بـ”صراع الخلافة” المرتقب في حال وفاة خامنئي (85 سنة) حيث كان رئيسي في السنوات الأخيرة أحد المرشحين المتقدمين لخلافته في قيادة الجمهورية الإسلامية.
ويلفت الكاتب الانتباه إلى الزاوية الأمنية التي تهتم بها إسرائيل، عندما قال إن “ظروف موته كفيلة بأن توقع ضررا آخر ذا مغزى في ثقة الجمهور الإيراني بمؤسسات البلاد، حتى لو كان تحطم مروحية الرئيس يرتبط بظروف حالة الجو، فإنه ينضم إلى سلسلة من الإخفاقات من جانب سلطات إيران في السنوات الأخيرة مثل قضية إسقاط الحرس الثوري للطائرة الأوكرانية في يناير/كانون الثاني 2020″.
كما يضيف تسيمت إلى ذلك ما يراه “سلوك إيران الفاشل في ضوء الكوارث الطبيعية، وفي أزمة كورونا، بالإضافة إلى سلسلة من الإخفاقات الأمنية التي انكشفت في أعقاب تصفيات وأعمال تخريب نسبت لإسرائيل في السنوات الأخيرة ضد شخصيات ومنشآت أمنية حساسة في إيران”.
وخلص الباحث إلى أنه من غير المتوقع للاستراتيجية الإيرانية أن تتغير بعد موت الرئيس، معتبرا أن “إيران جاهزة من ناحية دستورية وتنظيمية لمواجهة رحيله المفاجئ، فحسب الدستور الإيراني، من المتوقع للنائب الأول للرئيس، محمد مخبر، أن يكون قائما بأعماله حتى تحديد موعد لانتخابات السلطة للرئاسة في موعد لا يتجاوز 50 يوما”.
صلاحيات المرشد
أما المختص في شؤون الشرق الأوسط الباحث تسفي برئيل، فقد اتفق في مقاله بصحيفة هآرتس مع زميله تسيمت في أن سياسة إيران لن تتغير بوفاة رئيسي، معتبرا أن “إيران هي دولة مؤسسات، والكلمة الأخيرة التي تقرر هي في يد المرشد خامنئي، في حين “أن الرئيس حتى لو كان منتخبا، هو في مكانة مدير عام ملقاة عليه مسؤولية تنفيذ قرارات الزعيم الأعلى وتحمل وزر الإخفاقات في إدارة الدولة”.
وأكد الباحث أن خامنئي هو الذي يمسك بالقضايا الإستراتيجية لا الرئيس، وضرب على ذلك أمثلة منها “مواضيع جوهرية مثل تطوير المشروع النووي أو قرار تجميده وبناء محور إستراتيجي مع روسيا والصين، وترميم شبكة العلاقات مع الدول العربية، كل ذلك يتحكم فيه بشكل مطلق خامنئي”.
ويضيف الباحث في أمثلته أيضا “استئناف العلاقات مع دولة الإمارات في 2021، ومع السعودية في آذار 2023، وما سماه إستراتيجية تشغيل وكلاء إيران في لبنان وفي العراق وفي اليمن، كلها ليست من صلاحية الرئيس، كما أن صلاحية الزعيم الأعلى غير قابلة للنقاش في عملية اتخاذ القرارات”.
ويستدرك الباحث أن قرارات المرشد يؤثر عليها أشخاص وأجهزة لها قوة وعمليات سياسية تجبر الزعيم على أخذها في الحسبان، مشيرا إلى أن “خامنئي محاط بعدد كبير من المستشارين في جميع المواضيع، وإضافة إلى صلاحيته في تعيين الوزراء وإقالة الرئيس، فإن خامنئي، وليس رئيسي، هو الذي يعين قادة الجيش والحرس الثوري”.
ويضيف الباحث إلى ذلك تعيين المرشد ممثليه في الوزارات، وفي الجيش وفي الحرس الثوري، الذين مهمتهم التأكد من تنفيذ سياسته. أيضا أبناء عائلته، لا سيما نجله مجتبى، وعدد من فقهاء الشريعة، يوجد لهم دور كبير في تشكيل سياسته”.
ويختم برئيل بالقول إن “خامنئي قرر من سيكون وريثه. وأنه إذا قتل رئيسي، فسيشغل منصبه نائبه الأول. ولكن المتوقع هو إجراء انتخابات مبكرة”.
وخلاصة ما تذهب إليه هذه الآراء، أن من غير المتوقع للإستراتيجية الإيرانية أن تتغير بسيناريو موت الرئيس، والجمهورية جاهزة من ناحية دستورية وتنظيمية لمواجهة رحيله المفاجئ، إذ، حسب الدستور الإيراني، فإن النائب الأول للرئيس يكون قائما بأعماله حتى تحديد موعد لانتخابات السلطة للرئاسة في مدة لا تتجاوز 50 يوما، ومع ذلك، فإن مصرع الرئيس يمكن أن “يهز” الساحة السياسية في إيران سواء في المدى القريب أو قبيل “صراع الخلافة” المستقبلي.