اتفقت صحيفتا لوتان السويسرية ولوباريزيان الفرنسية على أن روسيا كانت حريصة على عدم إدانة الهجوم الذي شنته إيران على إسرائيل، وعلى أن طهران استفادت في هجومها، من تجربة روسيا في الضربات الجوية واسعة النطاق، وإن اختلفتا في زاوية المعالجة وبعض التفاصيل.
وتحدثت لوتان عن تبادل العبارات بين السفيرة الإسرائيلية في موسكو سيمونا غالبرين، التي قالت “نتوقع من زملائنا الروس إدانة الهجوم الإيراني غير المسبوق على الأراضي الإسرائيلية”.
والمتحدثة باسم الدبلوماسية الروسية ماريا زاخاروفا التي ردت عليها بعنف قائلة “سيمونا، ذكّريني متى أدانت إسرائيل ولو ضربة واحدة قام بها نظام كييف على المناطق الروسية؟ لا تتذكرين؟ أنا كذلك، لكنني أتذكر التصريحات المنتظمة للمسؤولين الإسرائيليين الداعمة للأعمال الإجرامية والإرهابية التي تتخذ في شارع بانكوفا”، في إشارة إلى مقر الرئاسة في كييف.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذا هو الموقف الذي يبدو أن موسكو تتبناه هذه المرة، وقد أشاد الإعلام الروسي “بالإجراء الحازم والمدروس” للنظام الإيراني، وسخرت من الضعف الأميركي.
هجوم رمزي؟
أما بالنسبة للهجوم نفسه -تضيف لوتان- فإن المحللين يميلون إلى التقليل من تأثيره، ويصفونه بأنه “رمزي” وحتى ثمرة “صفقة” ضمنية إلى حد ما من جانب اللاعبين الرئيسيين، بحيث تتمكن إيران من “حفظ ماء وجهها” دون إثارة “حرب عالمية ثالثة”، ولكنه -كما يقولون- “بالنسبة لنا، قبل كل شيء فرصة ممتازة للحكم على مدى فعالية الأسلحة الإيرانية”.
وتابعت أن خبراء روس أشاروا إلى أن هجوم طهران مستوحى بشكل مباشر من إستراتيجية “الضربات المتعددة الوسائل” الروسية في أوكرانيا، لدرجة أن البعض تساءل عما إذا كان الإيرانيون استدعوا مستشارين عسكريين من روسيا، مشيرين إلى أن هذه الضربات تهدف إلى إحداث أقصى قدر من الضرر.
وتتيح إستراتيجية الموجات المتتالية من المسيرات -حسب الصحيفة- إلى ما يسميه الخبراء الروس “الاستطلاع من خلال مهاجمة ساحة المعركة”، وهي تجبر أنظمة الدفاع الجوي المعادية على العمل، وبالتالي كشف مواقعها، وهذا بالضبط ما يفعله الجيش الروسي بمسيراته الإيرانية لتدمير بطاريات باتريوت في أوكرانيا.
ونقلت لوتان عن ساشا كوتس، مراسلة صحيفة كومسومولسكايا برافدا اليومية قولها “بفضل هذا الهجوم، تمكنت إيران بالتأكيد من الحصول على فكرة عن عمل الدفاعات الجوية في المنطقة بأكملها، وليس فقط القبة الحديدية الإسرائيلية”، واستنادا إلى هذه المعرفة، يمكن التخطيط لهجمات جديدة وأكثر فعالية”.
ونبهت الصحيفة إلى أن استخدام مسيرات رخيصة وسهلة التصنيع، عملية ممتازة من الناحية المالية، لأنها تجبر العدو على “إنفاق” ذخائر باهظة الثمن لتحييدها، إذ تعتبر تكلفة الصواريخ المضادة للصواريخ التي تطلقها بطاريات متنقلة أو طائرات مقاتلة باهظة جدا.
عملية توازن
ومن ناحيتها، ركزت صحيفة لوباريزيان على إشارة موسكو إلى “عمل من أعمال الدفاع عن النفس” من جانب إيران، بعد أن “أدانت بشدة” الضربة الإسرائيلية في دمشق قبل أسبوعين، وأشارت إلى قول بعض وسائل الإعلام الرسمية الروسية إنه كلما ارتفعت الحمى في الشرق الأوسط، كان حال روسيا أفضل.
وقال ديفيد تورتري، المحاضر في المعهد الكاثوليكي للدراسات العليا إن موسكو تلعب “عملية توازن معقدة في الشرق الأوسط، لأن الغرق في التصعيد من شأنه أن يعقد الوضع بالنسبة للقوات المسلحة الروسية الموجودة في سوريا”.
وحسب إيغور ديلانوي، نائب مدير المرصد الفرنسي الروسي، فإن الأزمة يمكن أن “تعطل حركة الملاحة البحرية والصادرات الروسية، كما أن الصراع قد يشجع القوى الإقليمية على محاولة الحصول على أسلحة نووية، وهو ما لا يناسب روسيا”.
وأشارت الصحيفة إلى أن ديفيد تورتري وإيغور ديلانوي يستبعدان أن يكون ما لاحظه البعض من أوجه التشابه بين الهجوم الإيراني والأساليب التي استخدمها الروس في أوكرانيا، عائدا إلى نصيحة من موسكو لطهران بشأن هذه الخطة، لأن روسيا وإسرائيل -حسب إيغور ديلانوي- لا ترغبان في “القطيعة” و”سوف تستأنفان علاقات أكثر ودية بمجرد أن تتبدد التوترات”.
ويوسع ديفيد تورتري النطاق ليشمل المنطقة بأكملها، حيث تحتل موسكو -حسب رأيه- دور الحكم، أي القوة العظمى الوحيدة التي تتحدث مع الجميع في المنطقة، وليست لديها مصلحة في اختيار جانب دون آخر في حالة “نشوب حريق”.