ألقت الشرطة النرويجية أواخر سبتمبر/أيلول الماضي القبض على الزعيم الانفصالي الكاميروني لوكاس أيابا تشو، بتهمة التحريض على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.

ويتزعم أيابا تشو جماعة تطالب باستقلال إقليمين ناطقين بالإنجليزية عن بقية الكاميرون ذي الثقافة الفرنسية.

وفي السطور التالية يلقي خبير مجموعة الأزمات الدولية آري نتوي الضوء على الحدث ويشرح تفاصيله في 5 نقاط رئيسية:

1. ماذا جرى في النرويج؟

ألقت الشرطة النرويجية في 24 سبتمبر/أيلول الماضي القبض على مواطن ألماني من أصل كاميروني يبلغ من العمر (52 عاما)، يُدعى لوكاس أيابا تشو، بعد تحقيق دام أشهرا في دوره على ما يسمى بصراع الناطقين بالإنجليزية في الكاميرون.

ويرأس أيابا تشو جماعة “أمبازونيا” التي تسعى إلى استقلال إقليمين ناطقين باللغة الإنجليزية في الكاميرون الذي تغلب عليه الثقافة الفرنسية. كما يشغل منصب القائد العام للجناح المسلح للجماعة الذي يسمى “قوات دفاع أمبازونيا”.

وعلى الرغم من أن الطبيعة الدقيقة للاتهامات الموجهة إليه غير واضحة، فإن تقارير الشرطة النرويجية الأولية تشير إلى أن أيابا تشو محتجز بتهمة التحريض على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في إقليمي الكاميرون الناطقين بالإنجليزية.

وقد اعتقلته السلطات النرويجية على أساس الولاية القضائية العالمية لارتكابه جرائم دولية خطيرة مثل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. وقال محاميه إن أيابا تشو ينفي كل التهم، وإن المحكمة أساءت فهم الأحداث في الكاميرون.

2. واشنطن على الخط

وبحسب خبير مجموعة الأزمات الدولية آري نتوي، ففي اليوم نفسه الذي ألقت فيه الشرطة النرويجية القبض على زعيم أمبازونيا، دهمت عناصر من الاستخبارات الأميركية منزلي اثنين من الأفراد المنتمين إلى قوات دفاع أمبازونيا في الولايات المتحدة، ولكن دون اعتقالهما، ويرجح نتوي أن يكون ذلك قد جرى نتيجة لمجهود شاركت فيه أكثر من دولة.

ووفقا لدبلوماسيين أميركيين، يشتبه مكتب التحقيقات الفدرالي في أن جماعة أمبازونيا قامت بعمليات لجمع التبرعات في الولايات المتحدة خلال هذا العام.

وقد يمثل الاعتقال لحظة محورية فيما يسمى بصراع الناطقين بالإنجليزية في الكاميرون الذي اندلع في عام 2017، عندما تحولت حركة احتجاج سلمية لمنع إدراج النظام القانوني والتعليمي في المنطقتين تحت القواعد المطبقة على بقية الدولة الناطقة بالفرنسية إلى تمرد مسلح.

وفي أعقاب حملة القمع الحكومية على المتظاهرين، أعلنت قيادات تلك الاحتجاجات في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2017 عن قيام ما سموه “جمهورية أمبازونيا الفدرالية المستقلة” والتي تضم المناطق الشمالية الغربية والجنوبية الغربية، المعروفة خلال الحقبة الاستعمارية باسم الكاميرون البريطاني.

ويشير تقرير مجموعة الأزمات إلى أن الجماعة استخدمت العنف والإكراه لمقاومة الجيش وإجبار السكان على الامتثال لما تصفه بكفاحها من أجل استقلال أمبازونيا، مع أساليب تتراوح بين الإعدام ومهاجمة المدارس الحكومية.

وأدى العنف إلى مقتل الآلاف وحرمان مئات الآلاف من الأطفال في سن الدراسة من التعليم. وتقدر الأمم المتحدة أن 1.8 مليون شخص في المنطقتين بحاجة إلى مساعدات إنسانية، وأن 584 ألفا ما زالوا نازحين.

3. من أيابا تشو ولماذا يقيم بالنرويج؟

كان أيابا تشو جزءا من موجة الكاميرونيين الناطقين بالإنجليزية الذين غادروا البلاد في أوائل التسعينيات وسط قمع شديد للاحتجاجات الطلابية التي تطالب بالإصلاحات الديمقراطية وحقوق الأقليات الناطقة باللغة الإنجليزية.

وقد أمضى بعض الوقت في الحجز بالعاصمة الكاميرونية ياوندي بتهمة الترويج لانفصال إقليمي الكاميرون الناطقين بالإنجليزية، لكنه تمكن بطريقة ما من الوصول إلى ألمانيا، حيث حصل على الجنسية قبل أن ينتقل إلى النرويج.

وفي عام 2017، أدت حملة القمع القاسية التي شنتها السلطات في الكاميرون على المتعاطفين المزعومين مع الانفصاليين إلى تدفق آخر للمواطنين الناطقين بالإنجليزية نحو الخارج، بما في ذلك قادة حركة الاحتجاج، الذين شرعوا في تنظيم مظاهرات في الخارج، وبدؤوا في تنظيم وتمويل المليشيات التي ظهرت بالمناطق الناطقة بالإنجليزية في الكاميرون.

ويوضح آري نتوي خبير مجموعة الأزمات الدولية أن أيابا تشو راكم أعداء أقوياء على مر السنين، فقد تقدمت الحكومة الكاميرونية بالعديد من الشكاوى إلى السلطات النرويجية بشأن أنشطته.

وفي وقت سابق من هذا العام، قدم محام -مقيم في الولايات المتحدة تابع للحكومة الكاميرونية- شكوى ضد أيابا تشو إلى المحكمة الجنائية الدولية نيابة عن مجموعة ممن وصفهم بضحايا مليشيات الجماعة، على الرغم من أن المحكمة الجنائية الدولية ليس لها اختصاص قضائي في الكاميرون.

وفي أغسطس/آب الماضي، سافر زعماء متدينون من مناطق الكاميرون الناطقة بالإنجليزية إلى أوسلو للضغط من أجل حوار جديد لحل الصراع.

وقد اشتكى هؤلاء الزعماء للمسؤولين النرويجيين بشأن عدم مبالاة النرويج لوجود أيابا تشو في أراضيها، وهو الشخص الذي تضعه نيجيريا أيضا في مرمى أنظارها.

فعلى مدى السنوات الخمس الماضية، تزايد التحريض على انفصال منطقة بيافرا في جنوب شرق نيجيريا، والتي أشعلت شرارة حرب أهلية في الستينيات.

وقد تحسنت علاقة الزعماء الانفصاليين في بيافرا تدريجيا بجماعة “أمبازونيا” على أمل التفاوض على نوع من التعاون العسكري بينهما. وسرعان ما تحركت السلطات النيجيرية بسبب ذلك، وأعلنت أيابا تشو عدوا للدولة وتعهدت بمطالبة النرويج بالقبض عليه.

ولكن اعتقال أيابا تشو ربما لم يكن ممكنا من دون الضغوط المتواصلة من الناشطين الكاميرونيين، الذين ظلوا لسنوات يضغطون على السياسيين في المنطقة وفي العالم.

4. هل يمثل اعتقال أيابا تشو نقطة تحول في الصراع؟

وأيابا تشو هو أول زعيم انفصالي يُحتمل أن يُتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. ويأمل العديد من الكاميرونيين أن يؤدي احتجاز النرويج للرجل إلى بناء زخم لتحقيق العدالة، وأن يساعد ذلك في نهاية المطاف في إنهاء الصراع.

ويشير تقرير مجموعة الأزمات الدولية إلى أن كثيرا من أعمال العنف التي ارتكبت ضد المدنيين في المنطقتين على مدى السنوات الثماني الماضية، تميزت بالإفلات التام من العقاب.

وكما كان متوقعا، احتفلت وسائل الإعلام الرسمية في الكاميرون بالاعتقال، حتى مع امتناع الحكومة حتى الآن عن إصدار بيان رسمي.

كما رحب سكان المنطقتين الناطقتين باللغة الإنجليزية إلى حد كبير بهذه الأخبار، قائلين إن أيابا تشو وحركته يدعوان إلى كثير من العنف.

ومن المؤكد أن اعتقال أيابا تشو قد حدث بالفعل، لكنه لم يؤد لتثبيط روح الجماعة الانفصالية. ففي 29 سبتمبر/أيلول الماضي، سجلت مجموعة من عناصر الجماعة مقطع فيديو يهددون فيه بتشديد موقفهم ما لم يتم إطلاق سراح زعيمهم.

وفي الأول من أكتوبر/تشرين الأول الحالي، كما هو الحال في كل عام، احتفلت “المليشيات المتمردة” باليوم الرمزي لاستقلال “أمبازونيا” من خلال تنظيم مسيرات ذات طابع عسكري في مناطق الكاميرون الناطقة باللغة الإنجليزية.

5. ما الذي سيحدث لاحقا؟

لا يبدو أن تسليم أيابا تشو إلى الكاميرون مطروح على الطاولة، وفق ما جاء في تقرير مجموعة الأزمات الدولية. ومن غير المرجح أن تنظر النرويج في مثل هذا الطلب، نظرا للمخاوف واسعة النطاق بشأن استقلال السلطة القضائية في الكاميرون، وحقيقة أنها لم تنظر في قضية من هذا النوع من قبل.

وعلى الجبهة السياسية، فمن غير الواضح ما إذا كان اعتقال أيابا تشو قادرا على توليد زخم جديد للحوار. ففي سبتمبر/أيلول 2022، سهلت كندا ما تسمى بالمحادثات المسبقة بين حكومة الكاميرون و4 مجموعات انفصالية، بينها مجلس حكم أمبازونيا الانفصالي.

ورغم أن الرئيس الكاميروني بول بيا كانت لديه تحفظات قوية بشأن ضم أيابا تشو وجماعته، معتبرا إياهم الأكثر عنفا وتشددا بين المجموعات الأربعة، فإنه وافق في نهاية المطاف على منحهم مقعدا على الطاولة، لتقييم مدى استعدادهم لإيجاد أرضية مشتركة.

وتمكن الانفصاليون من تقديم جبهة موحدة خلال المحادثات السابقة، مما أثار إعجاب بعض المسؤولين الحكوميين بمهاراتهم التنظيمية. ولكن لأن أعضاء مجلس حكم أمبازونيا الانفصالي قد غضبوا بسبب تفاخر كبار الضباط في الكاميرون بمآثرهم في ساحة المعركة أثناء الصراع، انتهى الأمر بالمتشددين في ياوندي إلى العودة إلى النهج العسكري.

وقد رفض الرئيس بيا المبادرة في يناير/كانون الثاني 2023 قبل أن تبدأ محادثات السلام الفعلية. ومع ذلك فإن إطلاق عملية السلام يظل أفضل فرصة للكاميرون لإنهاء الصراع والجرائم الخطيرة التي تصاحبه.

ويظل دعم الحوار مرتفعا بين الزعماء المتدينين وقادة المجتمع المدني، ولكن تعقيد الصراع، بعد 8 سنوات من القتال، يتطلب جهدا سياسيا من غير المرجح أن تبذله الحكومة الكاميرونية، وفق ما جاء في تقرير مجموعة الأزمات الدولية.

علاوة على ذلك، لم يعرب بيا البالغ من العمر (91 عاما)، ولا أي شخص في حكومته عن أي رغبة في بدء جولة جديدة من الحوار مع الجماعات الانفصالية.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version