بدأ مواطن عراقي اتخاذ إجراءات قانونية ضد شركة الطاقة البريطانية العملاقة “بريتش بتروليوم”، محملا إياها المسؤولية عن وفاة ابنه بسرطان الدم العام الماضي إثر عمليات حرق الغاز في أكبر حقل نفط في العراق.
ويطالب حسين جلود (55 عاما) الذي يعيش بالقرب من حقل الرميلة في محافظة البصرة جنوبي العراق، الشركة بتعويضه عن النفقات الطبية لابنه علي، بما في ذلك العلاج الكيميائي وزرع نخاع العظم، مؤكدا أنه يعيش تحت وطأة ديون كبيرة بسببها.
ويقول جلود، وهو أب لـ7 أبناء، إنه اضطر لبيع مصوغات ذهبية وأثاث منزلي، والحصول على قرض مصرفي، إضافة الى الاقتراض من أصدقاء، لتغطية تكاليف علاج علي.
وتم تشخيص علي بسرطان الدم عندما كان في الـ15 من عمره، وخضع لعدة سنوات من العلاج قبل أن يتوفى في أبريل/نيسان عام 2023 عن عمر ناهز 21 عاما.
وفي 22 أبريل/نيسان 2024، أرسل جلود خطابا قبل البدء في الإجراء القانوني إلى شركة “بريتيش بتروليوم” يتضمن تفاصيل مطالباته، مشيرا إلى أنه سيلجأ إلى المحاكم إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق، وفقا لمكتب المحاماة الذي يمثل المواطن العراقي.
وقال جلود في إنه على غرار آخرين يعيشون قرب حقل النفط، لم تسمح له إمكاناته المادية بالانتقال إلى مكان آخر، مضيفا: “أي مبلغ من المال لن يعوض وفاة ابني. لكن ما أطالب به هو حقي. أنا لا أفعل ذلك من أجل علي فقط، بل من أجل الفقراء والمرضى والمتوفين في هذه المنطقة أيضا”.
وتابع: “نحن نعيش هنا رغم الصعوبة والخوف من المرض. أملي أن تؤدي الإجراءات القانونية إلى زيادة الوعي حول حرق الغاز ودفع شركات النفط إلى تقديم المساعدة الطبية المجانية للمرضى ومساعدة الفقراء الذين لا يستطيعون الانتقال إلى مكان آخر”.
دخان أسود في سماء الرميلة
وفي عام 2022، وثقت هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” في تحقيق حول ارتفاع خطر الإصابات بالسرطان قرب حقول النفط العراقية، حياة علي جلود الشغوف بكرة القدم، والذي شخصت إصابته بالمرض في 2016.
وروى والده أنه خلال لقائه الطبيب، سأله الأخير أين تقطن العائلة، وعند إجابته أنه قرب حقل نفط ومحارق غاز، ردّ: “هذا هو سبب إصابة علي بالسرطان”.
وتقوم شركات الطاقة بإحراق الغاز للتخلص من الغاز الطبيعي المصاحب للنفط أثناء استخراجه، ويعد مسببا أساسيا لتلوث الهواء عبر انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون وغاز الميثان الخام والكربون الأسود.
وردا على تحقيق “بي بي سي”، قالت شركة النفط البريطانية إنها لم تقم أبدا بتشغيل حقل الرميلة، وإنها تحصل على “رسوم مقابل الخدمات الفنية” التي تقدمها، والتي أخذتها كمخصصات من النفط الخام.
كما أعربت الشركة عن “قلقها” بشأن هذه القضية، وقالت العام الماضي إنها “تعمل مع الشركاء في الرميلة” لمراجعة ومعالجة القضايا المثارة.
وقالت الشركة إن حرق الغاز في الحقل انخفض بأكثر من 65% على مدى السنوات السبع الماضية، وهناك خطط قائمة لمزيد من خفض الانبعاثات.
ويعد العراق ثاني أكثر دولة -بعد روسيا- تحرق الغاز المصاحب عالميا، وقد بلغ مجمل ما تم إحراقه عام 2022 نحو 18 مليار متر مكعب، بحسب المصدر ذاته.
وفي عام 2022، بلغ إجمالي ما تم حرقه 139 مليار متر مكعب حول العالم، وفقا لبيانات البنك الدولي.
وانضم العراق عام 2017 إلى مبادرة عالمية أطلقها البنك الدولي تقضي بوقف حرق الغاز بحلول 2030.
وحذرت منظمة “غرين بيس – الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” في بيان الشهر الماضي حول قضية جلود، من أن حرق الغاز ينتج “عددا كبيرا من الملوّثات المرتبطة بالسرطان، بما في ذلك البنزين”.
ونقل مكتب المحاماة الممثل لجلود أنه وفقا للقانون العراقي، يمنع أن تكون مصافي النفط على مسافة ما دون 10 كيلومترات من منطقة سكنية، مؤكداً أن الأدلة تشير إلى أن حرق الغاز في حقل الرميلة يتم على بعد 5 كيلومترات فقط من مجمعات سكنية.
الحكومة تتعهد بالتخلص من الغاز
من جانبها، تعهدت الحكومة العراقية بالتخلص التدريجي من هذه الممارسة، على أمل أن يتمكن الغاز الذي يتم احتجازه من تشغيل محطات الطاقة العراقية بدلا من ذلك.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، قال رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إنه يهدف إلى القضاء على حرق الغاز خلال 3 إلى 5 سنوات.
وتقدم وزارة النفط العراقية الدعم لقطاع الصحة في البلاد ومن بينها محافظة البصرة المعروفة بإنتاج النفط. وقد أعلنت وزارة الصحة في فبراير/ شباط 2024 عن إجراءات لمكافحة السرطان بينها اتفاق مع شركة نفط البصرة لبناء مركز للأورام.
وأقر مسؤولون حكوميون عراقيون بوجود صلة بين التلوث النفطي الناتج عن الحرق والسرطان؛ حيث قال وزير البيئة العراقي السابق جاسم الفلاحي لـ”بي بي سي”، إن التلوث الناتج عن إنتاج النفط يعد السبب الرئيسي لارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان في البصرة.
وقال وزير النفط العراقي الأسبق لؤي الخطيب، إن العمليات النفطية غير المنظمة في جنوب العراق و”الغازات السامة التي تحرق في الهواء” مرتبطة بارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان.
“بي بي”.. أقدم شركات النفط في العراق
وتعد “بي بي” من أكبر وأقدم شركات النفط العاملة في العراق، وأحد أكبر منتجي الخام في العام، وتوجد فيه منذ العشرينيات من القرن الماضي. وتعمل في حقل الرميلة بشراكة مع مجموعات أخرى بينها شركة نفط البصرة المملوكة للدولة.
وفى عام 2009، توصلت وزارة النفط العراقية مع ائتلاف شركة “بريتش بتروليوم” وشركة “النفط الوطنية الصينية” إلى اتفاق نهائي لتطوير حقل الرميلة.
وتعهدت الشركتان بتحقيق زيادة فى إنتاج الحقل العملاق مقدارها مليون و900 ألف برميل إضافة لإنتاجه الحالي (900 ألف برميل يوميا)، للوصول بالإنتاج إلى مليونين و800 ألف برميل يوميا.