أثارت زيارة الوفد الأوروبي الأخيرة إلى تونس الكثير من التساؤلات حول الدور المطلوب من تونس في مكافحة ما يسمى الهجرة غير النظامية التي تؤرق المسؤولين الأوروبيين الذين يستعدون لمناقشة إصلاح نظام الهجرة واللجوء داخل البرلمان الأوروبي والتصديق عليه قبل تطبيقه. فما طبيعة الشراكة التي يسعى إليها الاتحاد الأوروبي مع تونس في مجال مكافحة الهجرة؟
وفي هذا السياق، أكد كبير الباحثين في مركز مارتنز للدراسات الأوروبية فيت نوفوتني أن الأوروبيين يريدون اتفاقا مع تونس يكون في صالح الطرفين، قائلا إن الاتحاد الأوروبي يعرض مساعدات مالية كبيرة على تونس لتشجيعها على القيام بإصلاحات، وليس من أجل ابتزازها في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها.
وقال نوفوتني -في حديثه لحلقة (2023/6/15) من برنامج “سيناريوهات”- إن إيطاليا تتولى قيادة التفاوض مع تونس بشأن ملف الهجرة غير النظامية، وإن الدول الأوروبية تتبنى المقاربة الإيطالية، معربا عن قناعته بأن الاتفاق مع تونس في حال توقيعه سيقطع الطريق أمام الهجرة غير النظامية.
وكان الرئيس التونسي قيس سعيّد التقى مؤخرا -في قصر قرطاج- 3 من قادة الاتحاد الأوروبي لبحث ملفات عدة أبرزها مكافحة الهجرة غير النظامية، حيث تم الإعلان عن تخصيص 100 مليون يورو (نحو 107 ملايين دولار) لتونس من أجل احتواء تدفق المهاجرين نحو أوروبا، كما أعلن الاتحاد الأوروبي أنه مستعد لحشد 900 مليون يورو من المساعدات للاقتصاد الكلي في تونس، بالإضافة إلى 150 مليون يورو فور التوصل إلى اتفاق في هذا الجانب.
وشككت الباحثة في علم الاجتماع نسرين بن بلقاسم في نوايا الدول الأوروبية، وقالت إنه لا يجب أن تستغل الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به تونس من أجل خدمة مصالحها، مشددة على أن تونس لا تتحمل وحدها مسؤولية الهجرة غير النظامية، وهناك إجماع داخل تونس على ألا تكون بلادهم حارسة الحدود البحرية.
وأشارت إلى مخاوف التونسيين من الضغط على بلادهم باتفاقيات تخدم الأوروبيين وتجعلهم يرحلون المهاجرين غير النظاميين من إيطاليا وأوروبا إلى تونس.
ودعت بلقاسم دول المغرب العربي والدول الأفريقية إلى مساعدة تونس ومنع وقوعها في ما أسمته فخ أوروبا لها، مؤكدة أن ملف الهجرة غير النظامية تتحمل مسؤوليته جميع الدول.
“الابتزاز والمساومة”
وفي السياق نفسه، حذر الصحفي صالح المثناني من محاولات إيطاليا وشركائها الأوروبيين لاستغلال الفترة الصعبة التي تعيشها تونس وإقناعها بأن تقبل باتفاق ليس في صالحها، لكنه أوضح أن الاتفاق مع الأوروبيين مجرد اتفاق نوايا، ويجب انتظار آخر الشهر الجاري لمعرفة إذا كانت تونس ستوقع على الوثيقة.
وقال إن الصفقة التي يسعى إليها الأوروبيون تقضي بأن تقبل تونس استقبال كل المهاجرين غير النظاميين الذين يعبرون إلى إيطاليا وأوروبا، معربا عن قناعته بأن الاتفاق لن يتم بين تونس والاتحاد الأوروبي بخصوص الهجرة غير النظامية.
ويذكر أن المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية كان قد ندد -في بيان- بالزيارة الأوروبية، ووصفها “بالابتزاز” و”المساومة” على إعطاء المال لتونس مقابل المراقبة المشددة لحدودها.
كما صرح الرئيس التونسي قبل زيارة الوفد الأوروبي لبلاده بأنه يرفض أن تكون بلاده “حارس حدود” أوروبا.
وتصاعدت موجات الهجرة غير النظامية من تونس خلال السنوات القليلة الماضية، بعد أن تحولت سواحلها إلى أبرز مناطق عبور اللاجئين القادمين من الدول الأفريقية جنوب الصحراء باتجاه السواحل الأوروبية.
وبينما يحتدم الجدل داخل دول الاتحاد الأوروبي حول السبيل الأمثل للتعاطي مع ملف الهجرة، تتواصل المأساة الإنسانية لطالبي اللجوء، إذ غرق منذ بداية العام الجاري 44 شخصا في شرق البحر الأبيض المتوسط، وفق المنظمة الدولية للهجرة. وكان العام الماضي الأكثر مأساوية بالنسبة للمهاجرين وطالبي اللجوء القادمين من بلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.