تقرير جريدة سعودي جازيت

الرياض – يعد قصر المربع، أحد أقدم القصور الملكية في المملكة العربية السعودية، حجر الزاوية في التراث التاريخي للبلاد.

تم إنشاء هذه التحفة المعمارية منذ أكثر من 89 عامًا، وكانت بمثابة مقر إقامة الملك عبد العزيز آل سعود، وأصبحت مركزًا للحكم خلال فترة حاسمة في تطور البلاد. لا يعكس القصر الطراز المعماري المحلي لعصره فحسب، بل يحافظ أيضًا على جوهر التراث السعودي.

ومنذ اكتمال بنائه عام 1357هـ (1938م)، ظل قصر المربع شاهداً على أحداث تاريخية مهمة وقرارات ملكية شكلت ملامح المملكة، حيث تأسست فيه مؤسسات مهمة، منها وزارة الدفاع، والإذاعة السعودية، ومؤسسة النقد العربي السعودي.

ولعب القصر دوراً حيوياً في إصدار العملة السعودية وتأسيس التعليم العام، وتسهيل إنشاء خط السكة الحديدية بين الرياض والدمام. وعلى مدار تاريخه، استضاف القصر العديد من الملوك وكبار الشخصيات من الدول العربية والإسلامية، مما عزز مكانته كرمز للدبلوماسية والتبادل الثقافي.

يقع القصر في سهل خصيب ويغطي مساحة تقدر بحوالي 1680 متراً مربعاً، وتحيط به بساتين خصبة، بما في ذلك بساتين الفوعة والحوطة.

استخدم في بناء القصر مواد محلية مثل الطين والحجر وجذوع السنط وسعف النخيل، مما يدل على براعة الحرفيين في ذلك الوقت. ويتألف التصميم المعماري من طابقين، حيث خصص الطابق الأرضي للحرس الملكي ومخازن الأغذية وطاقم الدعم، في حين يضم الطابق الأول المجالس الصيفية والشتوية للملك عبد العزيز، إلى جانب مكتب الشؤون السياسية.

يجسد تصميم قصر المربع تقنيات البناء التقليدية، فالجدران السميكة مصنوعة من الطين المجفف بالشمس الممزوج بالقش، مما يوفر عزلًا من الحرارة. كما تزدان أسقف القصر بأنماط هندسية معقدة، مما يبرز الذوق الفني للحرفية السعودية. وتسمح الساحة المركزية للضوء الطبيعي بإضاءة الغرف المختلفة، مما يخلق بيئة هادئة للمناقشات والتجمعات.

ولحماية هذا الإرث الثقافي، قامت دارة الملك عبد العزيز بربط قصر المربع بقاعة الملك عبد العزيز التذكارية، وهي عنصر حيوي مخصص لحفظ تاريخ الملك ومقتنياته الشخصية. وتضم القاعة ثلاث مجموعات رئيسية: سيرة الملك عبد العزيز، ومكتبته الخاصة، ومجموعة من المقتنيات التاريخية.

تقدم مجموعة السيرة الذاتية سردًا تفصيليًا لحياة الملك عبد العزيز، منذ تأسيس أسرة آل سعود وحتى جهوده في توحيد المملكة. تتضمن هذه المجموعة نصوصًا مكتوبة وصورًا وعروضًا بصرية تسلط الضوء على المعالم المهمة، مثل استعادة الرياض وتأسيس الدولة الحديثة.

أما المجموعة الثانية، وهي المكتبة الخاصة للملك عبد العزيز، فتضم تشكيلة رائعة من الكتب والمنشورات النادرة. ولا تعكس هذه المكتبة المساعي الفكرية للملك فحسب، بل تشمل أيضًا الأعمال التي مولها، مما يؤكد التزامه بالتعليم. فقد رعى الملك عبد العزيز طباعة ما يقرب من 100 نص إسلامي أساسي، مما يدل على تفانيه في نشر المعرفة. ومن المعروف أنه رفض أن يُكتب اسمه على هذه الكتب، مفضلاً أن يظل مجهول الهوية في مساهماته.

وتضم المجموعة الثالثة قطعاً أثرية تاريخية ومقتنيات شخصية للملك عبد العزيز، تقدم لمحة عن حياته. ومن بين هذه المقتنيات أسلحة، بما في ذلك سيفه المفضل “الرقبان”، والملابس التقليدية، وحتى الأدوات الطبية الشخصية التي استخدمها طبيبه. كما تضم ​​المجموعة صوراً ووثائق تتعلق باكتشاف النفط في المملكة، والتي تمثل فترة تحولية في تاريخ السعودية.

لا يعد قصر المربع جوهرة معمارية فحسب، بل إنه أيضًا شهادة حية على إرث الملك عبد العزيز وتطور المملكة العربية السعودية. ويدعو القصر الزوار إلى التأمل في الماضي مع الاحتفال بالثراء الثقافي والأهمية التاريخية التي لا تزال تشكل الأمة اليوم.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version