منذ وصوله للحكم وبدء فترة حكم ثانية قبل أقل من شهرين، لم يتوقف الرئيس دونالد ترامب عن توقيع أوامر تنفيذية، أو التعهد، بفرض تعريفات تجارية على كبار شركاء بلاده التجاريين سواء الحلفاء منهم مثل كندا والمكسيك والاتحاد الأوربي، والمنافسون وعلى رأسهم الصين، معلنا حربا تجارية في محاولة إعادة رسم قواعد التجارة الدولية.

ويتسبب ما يقوم به ترامب من رفع التعريفات الجمركية في اضطراب كبير بأسواق المال داخل وخارج أميركا، ومع ذلك فهناك فئة من ملاك المصانع، التي أغلقت أبوابها بسبب صعوبة المنافسة مع رخص البدائل الصينية، تريد لترامب أن يزيد من تشدده ولجوئه لفرض المزيد من الرسوم الجمركية.

وأجل ترامب فرض تعريفات بقيمة 35% على كل من كندا والمكسيك إلى الثاني من الشهر المقبل، وفرض تعريفة إضافية بنسبة 10% على جميع الواردات الصينية، وهدد بفرض تعريفة جمركية بنسبة 200% على منتجات الكحول من فرنسا ودول أوروبية أخرى، كما فرض تعريفات بقيمة 20% على واردات الحديد والألمنيوم.

واتخذت بعض الدول من جانبها إجراءات انتقامية مشابهة بفرضها تعريفات جمركية على المنتجات الأميركية.

ولا يترك ترامب فرصة إلا ويؤكد أن “التعريفات” (Tariffs) هي كلمته الإنجليزية المفضلة، وأنه لن يتردد في فرض المزيد منها كي تتوقف دول العالم عن استغلال الولايات المتحدة.

وتعهد ترامب بالقضاء على العولمة التي بشرت بها وعملت على نشرها الولايات المتحدة خلال العقود الأخيرة.

ويؤمن ترامب أن وجود عجز أو فجوة في ميزان التبادل التجاري الأميركي بين حجم الواردات والصادرات يعني بالضرورة ضعفا أميركيا، وهذا مبدأ لا يقتنع به أغلب الخبراء الاقتصاديين بالضرورة.

الإجراءات المتبادلة لرفع الرسوم الجمركية بين أمريكا وكندا والمكسيك تدخل حيز التنفيذ

عجز تجاري أميركي ضخم

بلغ حجم العجز التجاري الأميركي مع دول العالم عام 2024 ما يقارب من 920 مليار دولار، وذلك بزيادة مقدارها 17% عن العام السابق عليه، طبقا لبيانات مكتب الإحصاء الفدرالي.

وتعد الولايات المتحدة من أكبر دول العالم من حجم تجارتها الخارجية ولا تتفوق عليها سوى الصين. وبلغ حجم الصادرات الأميركية العام الماضي 3.2 تريليونات دولار، وبلغ حجم الواردات 4.1 تريليونات دولار.

وكانت أكبر الفجوات التجارية مع الصين بمقدار (295 مليار دولار)، يليها الاتحاد الأوروبي بمقدار (235 مليار دولار)، ثم المكسيك (172 مليار دولار)، وفيتنام (123 مليار دولار)، ثم كندا بمقدار (64 مليار دولار).

ودفع أداء الدولار القوي، وارتفاع قيمته أمام أغلب عملات دول العالم، إلى زيادة أسعار المنتجات والخدمات الأميركية، وارتفاع القدرة الأميركية على الاستيراد، مع ارتفاع نسبي في أسعار المنتجات الأميركية وهو ما يؤدي لانخفاض حجم الصادرات.

وتأتي قطع غيار السيارات وأدوية إنقاص الوزن، والأجهزة الكهربائية، ومواد البناء والمواد الغذائية على رأس الواردات الأميركية، في حين تصدر أميركا الكثير من الخدمات، والسيارات والأسلحة والمحركات والمواد الزراعية وقطع الغيار والأجهزة الإلكترونية.

جهل ترامب

يرى بعض الخبراء الاقتصاديين أن جهل ترامب بكيفية حساب بيانات الناتج المحلي الإجمالي، يجعله يؤمن أن العجز التجاري هو شيء سيئ ويرى ترامب أن معاملات التجارة الدولة ما هي إلا معادلة صفرية تنتهي بفوز طرف وخسارة الطرف الآخر.

وعلى العكس من أن أساس التجارة الدولية تعني أن كلا الطرفين قد يربحان من عملية التبادل، يرى ترامب أن التعريفات الجمركية يمكن استخدامها لإعادة الاعتبار لبلاده عالميا.

ويتجاهل ترامب حقيقة أن بلاده، ورغم معاناتها من عجز تجاري ضخم، فإنها ما زالت صاحبة أقوى اقتصاد في العالم لأن حجم الاستثمار يفوق المدخرات، في وقت تحتفظ فيه الدول التي لديها فائض في الميزان التجاري بأموالها ومدخراتها في السندات الأميركية الدولارية.

أهداف ترامب الثلاثة

لا يخشى ترامب ما يكرره كبار مساعديه من أن رفع التعريفات الجمركية سيؤدي إلى زيادة الأسعار، ويرى أن ذلك سيدفع لترشيد الاستهلاك، وتشجيع عودة التصنيع لأميركا.

وفي الوقت الذي يستبعد فيه العديد من المراقبين تحقيق أي من أهداف ترامب بخفض العجز التجاري الأميركي، يؤمن ترامب أن فرض هذه الرسوم تمكنه من تحقيق عدة أهداف، يمكن تلخيصها على النحو التالي:

  • أولا: أداة التفاوض، ويؤمن ترامب أن فرض التعريفات يعد وسيلة للضغط على شركاء أميركا التجاريين، كما أنها ورقة مساومة مهمة. وعن طريق الضغط بالتعريفات الجمركية، حركت المكسيك وكندا عشرات الآلاف من جنودهما لتأمين حدود الدولتين مع الولايات المتحدة، والحد من عبور المهاجرين غير النظاميين والمخدرات إلى داخل الأراضي الأميركية. وبهذه الطريقة يسهم فرض العقوبات، أو التهديد بفرضها، من تحقيق أهداف ترامب غير التجارية.
  • ثانيا: أداة عقابية، ويؤمن ترامب أنه يمكن التهديد بالعقوبات أو فرضها بالفعل على أي دولة تفكر في الخروج على قواعد النظام المصرفي العالمي، والتي يعد الدولار الأميركي هو عملتها المهيمنة. وحذر ترامب دولة مجموعة البريكس، وغيرها ممن يفكرون في تقليل استخدام الدولار الأميركي في معاملاتهم التجارية.
  • ثالثا: أخيرا يؤمن ترامب أن فرض العقوبات يخدم أجندته الطموحة، والتي عبر عنها بوضوح في حملته الانتخابية، والتي تعد أساس حركة لجعل أميركا عظيمة مرة أخرى (ماغا). ومن بين بنود هذه الأجندة حماية الصناعات المحلية، مثل صناعة الحديد والصلب من الممارسات التجارية غير العادلة المتمثلة في وجود بدائل مستوردة أرخص من نظيرتها الأميركية، إضافة لتشجيعه التصنيع داخل الولايات المتحدة بصفة عامة، وهو ما يخلق فرص عمل جديدة للقاعدة الشعبية الداعمة له وللجمهوريين.

وفي النهاية لا تعكس الموازين التجارية طبيعة الاقتصادات الناجحة أو الفاشلة، وتعد ألمانيا، على سبيل المثال، دولة ذات فائض تجاري ضخم، إلا أن اقتصادها الكلي يتجه للهبوط، وعلى العكس يأتي النموذج الأميركي الذي يتقدم دول العالم في حجم العجز التجاري في وقت يشهد فيه الاقتصاد نموا كبيرا ونسب بطالة محدودة جدا.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version