قال المؤرخ والأكاديمي الروسي اليهودي البروفيسور ياكوف رابكين إن مؤسسي دولة إسرائيل كانوا ضد الدين، مؤكدا أن المسيحيين الإنجيليين دعموا المشروع الصهيوني أكثر من اليهود أنفسهم.

جاء ذلك خلال حديثه في برنامج “المقابلة” الذي تناول فيه مسألة الفصل بين اليهودية والصهيونية وكذلك بين اليهود ودولة إسرائيل من جانب آخر، حيث يرى أن الأيديولوجيات والأساطير المحيطة بإسرائيل تعرقل الفهم السليم للواقع وتخلق حالة من الالتباس.

وولد البروفيسور رابكين في مدينة لينينغراد (التي تُعرف اليوم بسان بطرسبورغ) بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، ونشأ في أسرة ذات أصول متنوعة؛ حيث وُلدت أمه في وارسو بينما وُلد أبوه في بيلاروسيا.

وفي الاتحاد السوفياتي الذي ترعرع فيه، كانت اليهودية تُعتبر جنسية وليست ديانة، وهو أمر انعكس في الوثائق الرسمية، وأوضح رابكين أن الدين لم يكن حاضرا في حياة عائلته، في ظل مجتمع علماني ركز على القومية السوفياتية.

وأشار إلى أن تصنيف اليهودية كجنسية يعود إلى حقبة الإمبراطورية الروسية في القرن التاسع عشر، عندما كان اليهود يعيشون في نطاق استيطاني خاص ولم يُسمح لهم بالانتقال إلى المدن الكبرى.

ومع تراجع الالتزام بالممارسات الدينية، بدأ بعض اليهود يتساءلون عن هويتهم، ما أدى إلى تعريف اليهودية كجنسية، ولفت إلى أن هذه الفكرة انتقلت إلى الاتحاد السوفياتي ثم إلى دولة إسرائيل، حيث استمرت اليهودية تُعرف كجنسية بجانب كونها ديانة.

مخالف للتقاليد الدينية

وفي سياق حديثه عن الحركة الصهيونية، قال رابكين إن غالبية الحاخامات اليهود عارضوا مشروع إنشاء وطن قومي في فلسطين، معتبرين أن الفكرة تخالف التقاليد الدينية.

وأوضح أن الصهيونية لم تكن فكرة يهودية المنشأ، بل كان المسيحيون الإنجيليون هم من روَّجوا لها لقرون، ساعين إلى تجميع اليهود في فلسطين تحقيقًا لنبوءات دينية تتعلق بالمجيء الثاني للمسيح، ورغم ذلك، رفض غالبية اليهود في أواخر القرن التاسع عشر هذا المشروع، معتبرين أن العودة الجماعية إلى فلسطين يجب أن تحدث فقط عند مجيء المسيح.

وأكد رابكين أن مؤسسي دولة إسرائيل، مثل ديفيد بن غوريون، كانوا علمانيين استغلوا المبررات الدينية لتحقيق أهداف سياسية، ولفت إلى المفارقة في أن هؤلاء القادة أنكروا وجود الله، ومع ذلك استخدموا وعده بالأرض كتبرير للسيطرة عليها.

وأضاف أن تغييرات جوهرية حدثت بعد حرب 1967، حيث طوَّر بعض الحاخامات ما يُعرف بـ”اليهودية القومية”، التي ربطت الصهيونية بالتوراة لتبرير الاحتلال والاستيطان، وأشار إلى أن هذا التيار القومي اليهودي كان وراء العديد من الجرائم ضد الفلسطينيين، خاصة من قبل المستوطنين في الضفة الغربية الذين يرون في أفعالهم تنفيذا لأوامر إلهية.

كما أوضح أن اليهودية التاريخية رفضت العنف وتبنت السلمية، إذ لم تكن لليهود سلطة سياسية لأكثر من ألفي عام. ومع ذلك، أُعيد تفسير النصوص الدينية من قِبل المستوطنين لمنح شرعية للعنف.

خلط متعمد

وفيما يتعلق بالعلاقة بين اليهودية والصهيونية، أكد رابكين أن هناك خلطا متعمدا تروج له دولة إسرائيل لتبرير سياساتها، وأشار إلى أن غالبية اليهود حول العالم لم يدعموا الصهيونية تاريخيا، حيث رأى الحاخامات أنها انحراف عن التعاليم الدينية.

وأضاف أن عددا متزايدا من الشباب اليهود اليوم يرفضون الصهيونية ويشاركون في المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين، خاصة في ظل المجازر المستمرة في غزة ولبنان والضفة الغربية.

وأوضح المؤرخ أن اليهود عاشوا فترات سلمية في البلدان الإسلامية مقارنة بالمسيحية، حيث كانت المعاناة اليهودية غالبًا نتيجة اتهامات الكنيسة لهم بقتل المسيح، واستشهد في هذا السياق بإسهامات حاخامات وعلماء يهود كتبوا مؤلفاتهم بالعربية، مثل موسى بن ميمون، لتوضيح التعايش الذي عاشوه في ظل الحضارة الإسلامية.

وأضاف أن الصهيونية، كمشروع استعماري بدأ في أوروبا، كانت محط معارضة شديدة من اليهود المتدينين الذين فضلوا الاندماج في بلدانهم الأصلية، مؤكدا أن دعم الإنجيليين المسيحيين للصهيونية كان دينيًّا بحتًا، حيث رأوا فيها وسيلة لتحقيق نبوءاتهم المتعلقة بالمسيح، دون اعتبار للمصلحة اليهودية.

ويرى رابكين أن الصهيونية كحركة لم تمثل اليهود عبر التاريخ، بل كانت مشروعا استعماريا أوروبيا يعبر عن مصالح محددة، مضيفا أن الخلط بين اليهودية والصهيونية أضر بالفلسطينيين واليهود على حد سواء، كما أكد على أهمية التمييز بين اليهودية كدين والصهيونية كأيديولوجية لفهم أعمق للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي.

وعن تأثير حرب 1967، أوضح أن الدعاية الصهيونية ركزت على مخاوف اليهود من غزو الجيوش العربية، ما دفع الكثيرين لدعم إسرائيل كوسيلة لتعريف هويتهم، ومع ذلك، أظهرت التطورات الأخيرة في غزة وغيرها أن إسرائيل قد تكون “فخًّا مميتًا”، كما حذر الحاخامات الأرثوذكس قبل أكثر من قرن.

|

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version