يقول محللون وخبراء عسكريون إن المقاومة ما تزال في موقف قوة من الناحيتين السياسية والعسكرية رغم ما لحق بقطاع غزة من خسائر، وإن إسرائيل تعيش أزمة متعددة الأوجه بسبب عدم قدرتها على وقف الحرب أو تحقيق الأهداف.
فبعد 74 يوما من القتال، ما تزال إسرائيل قادرة على التوغل في قلب القطاع لكنها عاجزة عن بسط سيطرتها على متر واحد بشكل كامل بسبب المقاومة الضارية التي تواجهها، كما يقول الخبير العسكري اللواء واصف عريقات.
وقد أكد عريقات -خلال مشاركته في برنامج “غزة.. ماذا بعد؟”- أن إسرائيل بحاجة لتنفيذ 4 مراحل عسكرية هي: التقدم والتمدد والتطويق والتطهير، مشيرا إلى أنها لم تنجح في تنفيذ المرحلة الأولى حتى الآن بشكل كامل بسبب ما تنفذه المقاومة من كمائن واشتباكات من مسافة صفر.
كما أن المقاومة -حسب عريقات- تبدي روحا معنوية مرتفعة جدا حتى الآن بينما الجيش الإسرائيلي يقتل أسراه أو يقتل بعضه بعضا بعدما تمكنت المقاومة من تحويل الدفاع إلى نوع من الهجوم.
صراع داخلي
الرأي نفسه ذهب إليه الخبير في الشأن الإسرائيلي إيهاب جبارين بقوله إن الخسائر القياسية التي تلقتها إسرائيل خلال الأسبوعين الماضيين فقط تركت مزيدا من الآثار السلبية على تل أبيب.
ويرى جبارين أن إعلان الجيش جزءا من الخسائر “ليس بريئا”، وأن “النقاش الحاد الذي دار داخل مجلس الحرب يعكس الصراع المتزايد داخل هذه القيادة”.
وقال جبارين إن هذا التضارب يعكس صراعا انتخابيا بين أعضاء مجلس الحرب، مشيرا إلى أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بات معزولا تماما داخل هذا المجلس، في حين يحاول وزير الدفاع يوآف غالانت وعضو المجلس بيني غانتس تحييد رئيس الحكومة الحالي سياسيا.
وقال جبارين إن نتنياهو يمارس تكتيكا انتخابيا عبر حديثه بالعبرية لليمين الإسرائيلي؛ لأن ما يحدث في غزة سيلعب دورا محوريا في الانتخابات المقبلة، لكنه لن يفعل إلا ما يقوله باللغة الإنجليزية للولايات المتحدة، حسب تعبيره.
الموقف الأميركي
وفي حين ترفض الولايات المتحدة أي حديث عن وقف للقتال، فإنها في الوقت نفسه تحاول تحسين شروط إسرائيل خلال مفاوضات إطلاق سراح الأسرى، كما يقول أستاذ السياسات الدولية حسن أيوب.
ويرى أيوب أن واشنطن تريد أيضا الحيلولة دون تحقيق أي انتصار سياسي أو عسكري للمقاومة، وتحاول فرض تصورات أمنية على قطاع غزة رغم أنها تشعر بصعوبة قدرة إسرائيل على محو المقاومة.
وبناء على هذه المعطيات، فإن الولايات المتحدة -برأي أيوب- تحاول إيجاد مفاوضات تحت قصف أقل وتيرة لكي تكون في صالح إسرائيل.
وفي الاتجاه نفسه، يقول الخبير العسكري واصف عريقات إن كل ما يجري في غزة يتم بأمر من أعلى مستويات القيادة الإسرائيلية، واصفا الأمر بأنه “عملية انتقام على غرار ما حدث سنة 1948، وتتم بأسلحة وقيادة أميركية”.
ارتباك إسرائيلي وتماسك في المقاومة
وفيما يتعلق بالإشارات المتناقضة التي تصدر عن قادة إسرائيل، يقول أيوب إنها “تعكس ارتباكا داخليا، وعدم إمساك بمفاتيح التفاوض المطلوبة لأي صفقة محتملة، بينما المقاومة تعرف ماذا تريد تحديدا وتتمسك به”، وفق تعبيره.
ففي حين يواصل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الحديث عن المضي قدما في الحرب حتى تحقيق أهدافها، قال الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ إن إسرائيل تريد المفاوضات في ظل الحرب ووفق شروط المقاومة، كما أشار أيوب.
ورغم ذلك، فإن آخر ما تريده إسرائيل وواشنطن -وفق أيوب- هو أن يكون هناك وقف مؤقت جديد للقتال مقابل صفقة تبادل أسرى؛ خشية أن يؤدي هذا التوقف إلى وقف الحرب نهائيا قبل تحقيق النصر الصريح، والذي يبدو بعيدا حتى من وجهة نظر الإعلام الإسرائيلي.
وبما أن المقاومة تبلي بلاء أفضل من المتوقع في الميدان وتتبنى خطابا فلسطينيا عربيا يحظى بشرعية دولية متزايدة، فإنها تفضل عدم الجلوس للتفاوض على التفاوض وفق شروط تضعها إسرائيل التي تئن تحت وطأة الخسائر ولا تعرف ماذا تريد تحديدا، كما يقول أيوب.
في الوقت نفسه، يرى أيوب أن واشنطن تريد التركيز على التحديات الإستراتيجية الكبرى مع روسيا والصين، ومن ثم فإنها تبحث عن حل وسط يخرجها من هذا المأزق لا سيما أنها دفعت أثمانا كبرى سياسيا وعسكريا وماليا.
أما عريقات، فيرى أن إسرائيل ستجلس للتفاوض في نهاية الأمر لأنه سيكون أقل كلفة نظرا للأثمان الباهظة التي تدفعها في الآليات وجنود وضباط النخبة، ناهيك عن إهانتها عسكريا وإهانة السلاح الأميركي على مجموعة مقاتلين وليس على يد جيش منظم.