ترك الصراع المحتدم في السودان المرضى الذين يحتاجون إلى غسيل الكلى فريسة للموت، وأُهملت جثث القتلى حتى تحللت في المشارح وفي شوارع المدن مع احتدام الصراع الدائر هناك.
يأتي ذلك على الرغم من جهود المتطوعين وعمال الإغاثة لمواصلة تقديم الخدمات الصحية الحيوية.
وكان قطاع الصحة في السودان على حافة الانهيار بسبب نقص الموارد قبل نشوب الصراع، ثم تداعى منهارا في شهرين من القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه العسكرية في أنحاء البلاد.
وقالت الأمم المتحدة إن أكثر من 60 مستشفى توقفت عن العمل في مناطق القتال، وهناك 29 مستشفى عرضة للإغلاق أيضا بسبب انقطاع التيار الكهربائي والمياه ونقص الأطقم الطبية.
وقال المدير الإقليمي لأفريقيا في اللجنة الدولية للصليب الأحمر باتريك يوسف “على الرغم من كل الجهود التي يبذلها الأطباء السودانيون الذين يعملون في ظروف شديدة الصعوبة فإن هذا بالتأكيد ليس وضعا قابلا للاستمرار”.
وقال الدكتور محمد وهبي -الذي يدير واحدا من أكبر مستشفيات الأطفال في السودان بأم درمان التي تمثل مع بحري والخرطوم ما يطلق عليه السكان المحليون العاصمة المثلثة- إن المستشفى يستقبل عادة نحو 300 طفل مريض يوميا.
وقال “بداية الحرب، الدعم (السريع) وضعت عرباتها قدام (أمام) المستشفى وقواتها دخلت جوه (داخل) المستشفى، وأصبح المكان غير آمن للمرضى، كثيرون ابتعدوا ما عدا مرضى الكلى المضطرين للغسيل”.
وقبل أسبوعين، توقف المستشفى عن تقديم العلاج، حيث تضاءلت المستلزمات الخاصة بغسيل الكلى.
وقال بيان للجنة التمهيدية لنقابة الأطباء في السودان إن انقطاع التيار الكهربائي المستمر لأكثر من أسبوعين عرّض وحدة غسل الكلى في مدينة الأبيض لخطر الإغلاق، وأدى إلى وفاة ما لا يقل عن 12 مريضا بحاجة لغسيل الكلى.
ويقول سكان إن الطرق المؤدية إلى المدينة ذات الموقع الإستراتيجي تخضع للحصار، كما انقطعت عنها إمدادات الغذاء والدواء.
وقالت اللجنة التمهيدية لنقابة الأطباء إن المهندسين حاولوا الوصول إلى محطة كهرباء محلية لإعادة التيار، لكنهم تعرضوا للاعتداء قبل أن يتمكنوا من الوصول.
وقالت الجمعية الدولية لأمراض الكلى إن مرضى الكلى يمثلون مشكلة صحية كبيرة في السودان، إذ إن العلاج محدود ومكلف، ويعتمد ما يقدر بنحو 8 آلاف شخص في السودان على غسيل الكلى كي تستمر حياتهم.
وقال المدير العام للمستشفى الرئيسي في أمبدة بضواحي أم درمان علاء الدين إبراهيم علي إن المستشفى اضطر إلى خفض عدد زيارات المرضى للنصف وإغلاق غرف العمليات بسبب انقطاع التيار الكهربائي ونقص الوقود الذي يشغل مولد الكهرباء.
انهيار المشرحة
وغير بعيد عن المستشفى لم تتمكن إحدى المشارح من استمرار عمل نظام التبريد وبدأت 450 جثة في التحلل وتسربت الدماء على الأرض.
واتهم الجيش قوات الدعم السريع بإخلاء المستشفيات الرئيسية والسيطرة عليها بالقوة، وقالت قوات الدعم السريع في بيان في وقت سابق هذا الأسبوع إن المراقبين لاحظوا خلو كثير من تلك المستشفيات وكذلك محطات الكهرباء والمياه من المقاتلين.
وفي الوقت الذي تجد فيه الوكالات الإنسانية الدولية صعوبة في توسيع نطاق وصول المساعدات بسبب انتشار العنف حاولت إحدى لجان المتطوعين المحلية حل المشكلة، وتحاول العديد من هذه اللجان الحفاظ على استمرار تقديم الخدمات الصحية الأساسية.
وقال موسى حسن -وهو أحد أعضاء اللجنة- إنهم واجهوا مشكلات لشراء معدات ووقود لإبقاء عمل أنظمة التبريد، مضيفا أن سعر غالون الوقود ارتفع إلى ما بين 58 و83 دولارا من 11 دولارا قبل الحرب.
وأضاف حسن أن الشرطة والسلطات الأخرى اختفت حين بدأ الصراع، مما أعاق إجراءات الدفن.
وقال “لم ندفن أي جثة حتى الآن بسبب الاشتباكات من حولنا وغياب الأمن، حتى نتمكن من دفن الجثث لا بد من تصريح من النائب العام وصدور قرار بدفن الجثث”.
والوضع في دارفور بغرب السودان أكثر بؤسا، وشهدت الجنينة (المدينة الأكثر تضررا في المنطقة) موجات من الهجمات شنتها مليشيات عربية مدعومة من قوات الدعم السريع، فيما كانت معزولة عن شبكات الإغاثة الإنسانية والهاتف.
وقال رئيس جمعية الأطباء السودانيين الأميركيين ياسر الأمين إن “الخدمات الصحية لم تعد موجودة عمليا أبدا، إنها مدينة الموت”.
واضطر مستشفى الجنينة التعليمي -الذي يرتاده أكبر عدد من المرضى في ولاية غرب دارفور- إلى إغلاق أبوابه في أواخر أبريل/نيسان الماضي، وجرى إجلاء المرضى والأطباء.
وقال هشام جمعة -وهو معلم في مدرسة ثانوية بالمدينة- إنه رأى مقاتلين يستولون على المستشفى، قبل أن يفر إلى تشاد المجاورة في وقت سابق من يونيو/حزيران الجاري.
وقال جمعة لرويترز عبر الهاتف من تشاد “مرضى كثيرون توفوا، منهم جارتي، كانت تحتاج غسيل (كلى) كل 3 أيام، وما لقت (وجدت) طريقة تصل للمستشفى”.
وقال موسى إبراهيم -وهو مشرف إمدادات في الجنينة يعمل لحساب منظمة أطباء بلا حدود التي دعمت المستشفى- إن القتال في المدينة جعل جلب الضروريات الأساسية أو انتشال الجثث من الشوارع أمرا خطيرا.
وأضاف إبراهيم في بيان “تمكنا أخيرا من الوصول، لكن الجثث كانت قد تحللت لدرجة تعذرت فيها إزالتها، وأقصى ما نستطيع فعله الآن هو جمع الجثث في مكان واحد”.