لليوم الثاني على التوالي، تشهد منطقة وسط الخرطوم معارك عنيفة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، إذ يسعى الجيش إلى استعادة السيطرة على وسط العاصمة، الذي يُعد مركز الحكم والسياسة ويضم مقار منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الخدمية والصحية، بينما تتمسك قوات الدعم السريع بمحيط المنطقة، خاصة مقر القصر الرئاسي.

يأتي ذلك وسط تقدم للجيش، الذي نجح في قطع عدد من الطرق المؤدية للقصر والسيطرة على مبان شاهقة، كان آخرها العمارة الكويتية، الواقعة على بُعد 500 متر شرق القصر.

وبحسب مراقبين، اتبع الجيش السوداني خطة مُحكمة للسيطرة على وسط الخرطوم، الذي يعج بالقناصة والكمائن، في معركة تعد من أصعب حروب المدن وتتطلب تكتيكا إستراتيجيا دقيقا.

ونقلا عن مصدر عسكري للجزيرة، اعتمد الجيش على إستراتيجية “النفس الطويل” متجنبا الاندفاع، خاصة أن قوات الدعم السريع تتحصن داخل أبنية رئيسية، لا سيما في منطقة المقرن. ولهذا جهز الجيش وحدات قتالية مدربة خصيصا لاستعادة السيطرة على وسط العاصمة.

تكتيك

وتمثلت الخطوة الأولى في استعادة وسط الخرطوم بعبور قوة مقاتلة لجسري النيل الأبيض والإنقاذ، الرابطين بين بحري والخرطوم، والتمركز في منطقة المقرن، رغم خطورة العملية التي نُفذت بفعالية كبيرة.

وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، دفع الجيش برتل عسكري ضمّ عناصر من هيئة مكافحة الإرهاب التابعة لجهاز المخابرات العامة (هيئة العمليات سابقا)، إلى جانب قوات من شرطة الاحتياطي المركزي ومتطوعين من صفوف الجيش، بهدف القتال في منطقة المقرن الوعرة.

ونظرا لموقعها المكشوف، شكلت المقرن تحديا كبيرا، إذ كانت قوات الدعم السريع تتحصن في الأبنية الشاهقة، مما منحها أفضلية استهداف عناصر الجيش. ومع ذلك، تمكن الجيش من ترسيخ وجوده هناك، مستنزفا قوات الدعم السريع عبر القصف اليومي والمناوشات المستمرة، مما أرهق دفاعاتها تدريجيا، وفقا لمصدر عسكري.

جنود من الجيش السوداني يحتفلون بعد استعادة مدينة ود مدني (رويترز)

سلاح المدرعات

لم يسع الجيش إلى السيطرة على وسط الخرطوم عبر منطقة المقرن فحسب، بل نفذ تحركات من سلاح المدرعات، مما مكنه من الوصول إلى وسط المدينة.

وأفاد مصدر عسكري للجزيرة بأن الجيش دفع برتل “عزم الرجال” بقيادة العميد ركن أنور الزبير نحو وسط الخرطوم، وهو الرتل ذاته الذي أدار العمليات الحربية في أم درمان القديمة ونجح في استعادتها.

وبحسب المصدر، فإن “عزم الرجال” اكتسب خبرة ميدانية كبيرة في حرب المدن بعد معارك أم درمان القديمة بولاية الخرطوم في مارس/آذار 2023.

وأضاف أن قوات الرتل، إلى جانب وحدات من سلاح المدرعات، انطلقت من جنوب الخرطوم باتجاه وسطها، حيث سيطرت على مواقع إستراتيجية، أبرزها محطة شروني للنقل وأبراج النيلين القريبة من القصر الرئاسي.

لواء النخبة الأول

وخاض الجيش معركة وسط الخرطوم، التي تُعد الأكثر تعقيدا، عبر عدة محاور. فمن القيادة العامة، دفع الجيش بقواته عبر قوة أُطلق عليها “لواء النخبة الأول”، وهو تشكيل قتالي اكتسب خبرة في حرب المدن خلال مشاركته في معارك استعادة مصفاة الجيلي. ويتكون من مقاتلين من هيئة مكافحة الإرهاب بجهاز المخابرات العامة إلى جانب متطوعين يقاتلون في صفوف الجيش.

وتمكن اللواء من استعادة السيطرة على مناطق وأبنية إستراتيجية في شارعي الجامعة والسيد عبد الرحمن، من بينها مستشفى الزيتونة، الذي يعد من أطول الأبنية وسط الخرطوم، بالإضافة إلى مستشفى الخرطوم التعليمي وبرج أفريقيا.

جاء ذلك في إطار تنسيق محكم مع قوات العمل الخاص، مما مكّن الجيش من تمشيط شارع البلدية وجسر المك نمر، الذي يربط مدينتي الخرطوم والخرطوم بحري.

إسناد

وإلى جانب الجيش، شاركت في معارك وسط الخرطوم عدة كتائب إسناد منضوية تحت لوائه، من بينها كتيبة “البراء بن مالك”، كذلك كتيبة “الفرقان”، التي كانت من أوائل المجموعات التي تقدمت باتجاه محطة شروني للنقل.

إلى جانب ذلك، انخرطت في القتال “كتائب الثورية”، حيث تتركز مشاركتهم في معارك شرق القصر الرئاسي ومحيط مستشفى الزيتونة، في إطار العمليات المستمرة لاستعادة السيطرة على وسط الخرطوم.

أسلحة ثقيلة

وتشهد وسط الخرطوم ومحيط القصر الرئاسي استخداما لمجموعة واسعة من الأسلحة، الثقيلة والخفيفة على حد سواء.

ويقول مصدر أمني للجزيرة نت إن قوة الدعم السريع المتمركزة في وسط الخرطوم تُقدر بحوالي كتيبة مقاتلة (500 فرد أو أكثر).

وأضاف أن الجيش نفذ، فجر اليوم الخميس، ضربة جوية بواسطة المسيرات، استهدفت عددا من عناصر الدعم السريع أثناء محاولتهم الفرار من القصر، مما أدى إلى مقتل عدد منهم بدفاعات الجيش ومسيراته الانتحارية.

كما كشف المصدر عن وجود عناصر أجنبية تقاتل إلى جانب الدعم السريع في وسط الخرطوم، خاصة القناصة، مشيرا إلى أن معظمهم ينحدرون من دول مجاورة للسودان.

ترسانة المعركة

ويؤكد المصدر الأمني أن قوات الدعم السريع تستخدم مجموعة من الأسلحة المتنوعة في معارك وسط الخرطوم لعرقلة تقدم الجيش، أبرزها مدفع “23” المضاد للطيران، الذي تعتمد عليه في المواجهات المباشرة، خاصة في منطقة المقرن، إلى جانب مدفع “14.5” الرشاش ذي الكثافة النيرانية العالية، وأسلحة “دوشكا” وصواريخ الهاون وقذائف “آر بي جي”. كما تستخدم رشاش “القرنوف” باعتباره متحركا وفعالا.

وأشار المصدر إلى أن الدعم السريع يعتمد على صواريخ “كورنيت” المضادة للدروع كأسلحة قنص، حيث نشر قناصين مسلحين بهذه الصواريخ في أبنية شاهقة وسط الخرطوم، مثل وزارة الخارجية والعمارة الكويتية، التي استعادها الجيش مؤخرا. وقد نجح هؤلاء القناصة في عرقلة حركة الجيش على جسر المك نمر.

من جهته، يعتمد الجيش على المدفعية الثقيلة المتمركزة في سلاح المهندسين بأم درمان لقصف تحركات الدعم السريع قرب المنطقة الإستراتيجية القريبة من السوق العربي وسط الخرطوم، إضافة إلى استخدامه للمسيرات الانتحارية لمنع عمليات التسلل المتكررة لعناصر الدعم السريع المحاصرة في وسط المدينة.

وكان الجيش أعلن أن سلاح المدرعات يمكنه من فرض حصار على قوات الدعم السريع وسط الخرطوم من جميع الاتجاهات.

ومنذ أسابيع وبوتيرة متسارعة، بدأت تتناقص مساحات سيطرة “الدعم السريع” لصالح الجيش في ولايات الخرطوم والجزيرة، والنيل الأبيض وشمال كردفان وسنار والنيل الأزرق.

ويخوض الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ أبريل/نيسان 2023 حربا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 15 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدر بحث لجامعات أميركية عدد القتلى بنحو 130 ألفا.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version