أعلن فريدريش ميرتس زعيم المحافظين الألمان الذين فازوا بالانتخابات التشريعية عن نيته تشكيل ائتلاف حكومي مع الاشتراكيين-الديمقراطيين الذين حلّوا في المرتبة الثالثة.
وقال ميرتس من مقرّ “الاتحاد المسيحي الديمقراطي” في برلين “أنا عازم على إجراء محادثات جيّدة سريعة وبناءة مع الاشتراكيين-الديمقراطيين لتشكيل حكومة ائتلافية بحلول عيد الفصح”، أي بتاريخ 20 أبريل/نيسان المقبل.
مفاوضات شاقة
وبدأ ميرتس، الفائز في الانتخابات بفارق أقل من المتوقع، مفاوضات شاقة لتشكيل حكومة ينتظرها الأوروبيون لتكون قوة دفع في مواجهة الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين.
ولكي يتمكن من الحصول على أغلبية، يسعى زعيم الاتحاد الديمقراطي المسيحي في المقام الأول لتشكيل ائتلاف مع الاشتراكيين الديمقراطيين، رغم تحقيقهم نتائج أقروا بأنفسهم بأنها كانت “كارثية”. وفي حال حصل ذلك، سيحظى الحزبان معا بأغلبية ضئيلة في مجلس النواب.
ويدرك رجل ألمانيا القوي الجديد أنه لا يمكن لبلاده أن تبقى لفترة طويلة من دون حكومة في مواجهة التقلبات الاقتصادية والجيوسياسية الحالية التي تتمثل في المواقف الصادرة عن الرئيس الأميركي بشأن حرب أوكرانيا، والمخاوف من التحالف عبر الأطلسي والتهديدات الأميركية بزيادة الرسوم الجمركية، فضلا عن الأزمة التي يواجهها النموذج الاقتصادي الألماني القائم على الصناعة من قبل المنافس الصيني.
حتمية التحالف
وقاد ميرتس، وهو محام سابق، الذي لم يسبق له أن شغل مناصب وزارية، حزبه الاتحاد الديمقراطي المسيحي وحليفه البافاري حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي إلى الفوز.
لكن النتيجة التي حققها المحافظون في الانتخابات التشريعية التي جرت أمس الأحد (28.6%) لا تسمح لهم بالحكم بمفردهم، ولا سيما أن النتيجة كانت أقل من نسبة الـ30% التي توقعتها استطلاعات الرأي منذ أشهر.
من جانبه، ضاعف اليمين المتطرف ممثلا بـ”حزب البديل من أجل ألمانيا”، النتيجة التي حققها قبل 4 سنوات، وحل ثانيا بحصوله على حوالى 20.8% من الأصوات.
وقالت أليس فايدل زعيمة الحزب المناهض للهجرة والمؤيد لروسيا إن “هذه ليست نتيجة جيدة بشكل خاص تبعث على الثقة.. وستظل يدنا ممدودة للمشاركة في الحكومة وتحقيق إرادة الشعب”.
شولتس خارج اللعبة
وبعدما أعلن فريدريش ميرتس أنه لن يتحالف مع حزب البديل من أجل ألمانيا، لم يعد أمامه خيار سوى التواصل مع الاشتراكيين الديمقراطيين، الحزب الأقدم في البلاد الذي حصل على نسبة بلغت 16% من الأصوات، في ما يعدّ أسوأ نتيجة له منذ 80 عاما.
وأعلن المستشار المنتهية ولايته أولاف شولتس أنه يتحمل مسؤولية “الهزيمة المريرة”، ومن المتوقع أن ينسحب من الحياة السياسية.
ولخّصت صحيفة “زود دويتشه تسايتونغ” الألمانية اليومية النتيجة بالقول “إن الألمان قالوا لا بوضوح لأولاف شولتس خلال هذه الانتخابات، ولكن لم يقولوا نعم حقيقية لمنافسيه”.
ومن خلال التعهد بتشكيل تحالف بحلول عيد الفصح في 20 أبريل/نيسان على أبعد تقدير، حدد فريدريش ميرتس لنفسه هدفا طموحا.
وكانت ألمانيا أُصيبت بشلل جراء انهيار ائتلاف شولتس مع حزب الخضر والليبراليين. ومن هذا المنطلق، أكد المرشح لمنصب المستشار الجديد أن “الخارج لا ينتظرنا يتعين علينا أن نعود للعمل بسرعة على المستوى الداخلي، لنستعيد حضورنا على الساحة الأوروبية”.
غير أن الهشاشة التي تعاني منها الأحزاب التقليدية الأخرى لن تكون عنصرا مساعدا في تسهيل الأمور بالنسبة إلى المحافظين. وبعد حملة انتخابية شهدت استقطابا غير مسبوق، قد يكون من الصعب التوصل إلى تسويات لتشكيل ائتلاف.
خط متشدد
وحرر ميرتس خليفة أنجيلا ميركل ومنافسها السابق، نفسه من إرثها خصوصا في ما يتعلق بقضايا الهجرة، من خلال تقديم مقترحات جذرية لمحاربة الهجرة غير النظامية.
ولكن رهانه على الحصول على أصوات من حزب البديل من أجل ألمانيا بفضل هذا الخطاب المتشدد إلى حد التماهي مع اليمين المتطرف خلال الحملة الانتخابية، لم يُثمر.
ورغم نسبة المشاركة القياسية في الانتخابات منذ إعادة توحيد البلاد (حوالي 84%)، فإن الناخبين لا يبدون تفاؤلا قويا، إذ يخشى 68% منهم ألا يتم تشكيل حكومة مستقرة بعد الانتخابات، وفقا لاستطلاع رأي أجرته مؤسسة “إنفراتست ديماب”.
من جانبها، توقعت زعيمة حزب البديل من أجل ألمانيا مصيرا مأساويا للائتلاف المستقبلي بين الحزب الاشتراكي الديمقراطي والاتحاد الديمقراطي المسيحي، الذي لن يتمكن، على حدّ تعبيرها، من الاتفاق على قضايا الهجرة أو الميزانية.
وقالت أليس فايدل التي تحظى بدعم إدارة ترامب، “ستجرى انتخابات جديدة بسرعة كبيرة جدا”.
من ناحية أخرى، تأمل أوروبا في حدوث استقرار في ألمانيا وفي دور فعّال لبرلين بعد الانقسامات التي شهدها الائتلاف المنتهية ولايته.
وأكد ميرتس المؤيد بشدة لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، أن تعزيز الدفاع الأوروبي سيكون الأولوية المطلقة بالنسبة إلى الحكومة الجديدة، حتى تتمكن القارة من تحرير نفسها من الولايات المتحدة، خصوصا في ظل التقارب بين واشنطن وموسكو لفرض تسوية للحرب في أوكرانيا.