وبينما تسعى أنجولا إلى تحقيق مستقبل مستدام، فمن الواضح أن ازدهار البلاد على المدى الطويل يكمن في شمسها وتربتها وليس في نفطها.

ويكمن مستقبلها في تسخير مواردها الشمسية الوفيرة والأراضي الصالحة للزراعة الشاسعة لتحويل المناطق الريفية المهملة إلى مراكز للإبداع والنهضة الاقتصادية. إن القيام بذلك من شأنه أن يولد فرص الأعمال والعمل الكريم، وخاصة للشباب والنساء، وتنويع الاقتصاد الذي هيمن عليه النفط لفترة طويلة.

إن النفط، الذي يشكل 30% من الناتج المحلي الإجمالي لأنجولا وأكثر من 90% من صادراتها، يعمل إلى حد كبير بمعزل عن بقية الاقتصاد. ورغم أنها تحقق إيرادات كبيرة، فإنها تخضع لتقلبات كبيرة في الأسعار، ولا تخلق سوى عدد قليل من فرص العمل، ونادرًا ما تتصل بالشركات المحلية.

ونتيجة لذلك، أصبحت المجتمعات أكثر عرضة للفقر، حيث بلغ معدل البطالة حوالي 30%، ومعدل بطالة مذهل بلغ 53% بين الشباب تحت سن 25 عاما.

ويعكس النزوح الجماعي إلى العاصمة الأنغولية لواندا هذا الضعف. ويتركز الآن ما يقرب من ثلث السكان في مقاطعة لواندا، مما يترك المجتمعات الريفية خالية من السكان ومتخلفة. إحدى النتائج هي فاتورة الغذاء المتزايدة، حيث تستورد البلاد ما قيمته حوالي 3 مليارات دولار من المواد الغذائية كل عام.

وتؤثر نزوح جماعي مماثل من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية على التنمية الريفية المستدامة في معظم أنحاء أفريقيا. اعتبارًا من عام 2023، بينما بلغ معدل التحضر في أنغولا 69 في المائة، وصلت المعدلات في جميع أنحاء القارة إلى 91 في المائة في الجابون، و76 في سان تومي وبرينسيبي، و74 في غينيا الاستوائية، و72 في بوتسوانا. ويؤدي هذا في كثير من الأحيان إلى تفاقم التحديات المتعلقة بالإسكان وندرة المياه والأمن الغذائي.

وبوسع أنجولا أن تقود الطريق إلى عكس هذا الاتجاه من خلال الاستفادة من مواردها الطبيعية الرائعة. وتتميز ببعض من أعلى مستويات الإشعاع الشمسي في العالم. ومن الممكن تسخير هذا المورد الطبيعي القوي لتزويد المناطق الريفية بالكهرباء (حالياً، يفتقر ما يقرب من نصف سكان البلاد إلى القدرة على الوصول إلى الكهرباء) وتنشيط القطاع الزراعي. علاوة على ذلك، تتم زراعة حوالي 10 بالمائة فقط من الأراضي الصالحة للزراعة في أنغولا. إمكانات الزراعة هائلة.

ولكن يظل التحدي الرئيسي قائما: كيف يمكن جذب الشباب إلى المناطق الريفية التي فروا منها، والعودة ليس كملاذ أخير، بل كبديل اقتصادي وسبل العيش واعد؟

يمكن العثور على الإجابة في الزراعة الحديثة، وليس في القطاع التقليدي الذي كان يتطلب عمالة يدوية كثيفة في الماضي. إن النهضة الزراعية في أنجولا، التي تدعمها الطاقة النظيفة وتتحول بفضل التكنولوجيا، يمكن أن توفر ثروة من الإمكانيات للابتكار والنمو.

وتشير النجاحات المماثلة في دول أخرى إلى ما هو ممكن. وأعلنت تنزانيا مؤخرا أن أمنها الغذائي وصل إلى 128 في المائة، حيث تقوم البلاد الآن بتصدير فائض المحاصيل، بدعم من كهربة الريف، والتدريب الذي يركز على الشباب، ومبادرات توزيع الأراضي.

وفي الهند، نجح المزارعون أصحاب الحيازات الصغيرة في تعزيز إنتاجية محاصيلهم بشكل كبير من خلال أنظمة الري التي تعمل بالطاقة الشمسية، مما أظهر كيف يمكن للتكنولوجيا أن تحدث ثورة في الزراعة التقليدية. وفي فيتنام، أدى تبني ممارسات زراعية مستدامة وتحسين إدارة المياه وسلاسل التوريد إلى تعزيز النمو الزراعي، حيث بلغت صادرات القطاع أكثر من 60 مليار دولار.

وفي أنغولا، يمكن للاستثمارات في الزراعة التي تعمل بالطاقة الشمسية أن تلبي الطلب المحلي على الغذاء وتضع الأساس للصادرات ذات القيمة العالية، مثل الأفوكادو أو المحاصيل المتخصصة. ومن خلال التعاون مع المجتمعات المحلية لتحديد مواقع البنية التحتية وتطويرها بشكل استراتيجي – بدءاً بالاحتياجات الأساسية من الطاقة والاتصال – يمكن للمناطق الريفية أن تصبح مراكز للابتكار الزراعي. توفر سلسلة القيمة الزراعية بأكملها، بدءًا من التسويق والخدمات اللوجستية وحتى تطوير المنتجات، فرصًا تجارية متنوعة وممتازة.

أدركت حكومة أنغولا أهمية الزراعة، وسلطت الضوء على الأمن الغذائي باعتباره أحد الركيزتين في خطة التنمية الوطنية، وأطلقت برنامج تسريع الزراعة الأسرية وتعزيز الأمن الغذائي. ومع ذلك، هناك حاجة إلى المزيد لتحفيز تنمية المناطق الريفية.

ويشمل ذلك تدخلات متعمدة لتسهيل ممارسة الأعمال التجارية، والسياسات المرنة، والتدريب على المهارات في الزراعة الرقمية والمعتمدة على البيانات، وآليات التمويل المبتكرة الخاصة بالزراعة.

ويأتي أحد الأمثلة على هذا التمويل المبتكر من نيجيريا، حيث نجح نظام تقاسم المخاطر القائم على الحوافز للإقراض الزراعي (NIRSAL) في تعبئة أكثر من 273 مليون دولار في هيئة قروض مضمونة. وقد وفر ذلك التأمين والدعم الفني لآلاف المزارعين، كما وجه سياسات الحكومة لتعزيز النمو الزراعي.

وبالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة إلى تخطيط دقيق لضمان ألا تؤدي التنمية الزراعية إلى تدهور النظم البيئية الصحية أو فقدان التنوع البيولوجي. ومن الممكن أن تساعد المبادرات والتدريبات التي تشجع الممارسات المستدامة المنخفضة الانبعاثات الكربونية، مثل تقنيات الحفاظ على التربة، والزراعة المائية، والري بالتنقيط، وتنويع المحاصيل، في التخفيف من هذه المخاطر، وضمان حفاظ النمو الزراعي في أنغولا على صحة أنظمتها البيئية.

ومن خلال الاستثمار الاستراتيجي ودعم السياسات، تتمتع أنغولا بالقدرة على تقليل اعتمادها على الواردات الغذائية، وخلق سبل عيش كريمة لشبابها، والظهور كمركز للجنوب الأفريقي للزراعة المتنوعة والمنتجة والمستدامة. والآن حان الوقت لكي تتحرك أنجولا، فتستفيد من شمسها وتربتها لقيادة الطريق وتحويل هذه الإمكانات الهائلة إلى ازدهار دائم وشامل للجميع.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلف ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version