الصين باتت تحتكر ثلثي الإنتاج العالمي من السيارات الكهربائية (رويترز)

قفزات كبرى إلى الأمام

لسنوات، درجت السردية الغربية على رد القوة المتنامية للصين في مجال الصناعات المتقدّمة للممارسات التجارية غير العادلة التي تتبعها، والتفافها على قواعد التجارة العالمية، وسرقة وتهريب ونسخ للتكنولوجيا الغربية بشكل رديء.

اعتمدت الصين في البدايات على شيء من ذلك، لكن الصحفي والكاتب الأميركي توماس فريدمان يعتقد -في مقال لصحيفة نيويورك تايمز- أن تلك السردية كانت بمنزلة “خديعة كبرى” تشير -بحسبه- إلى تمادي الغرب في حالة إنكار للواقع، ويضيف أنه “بينما كنا نائمين، حققت الصين قفزة كبيرة إلى الأمام في التصنيع عالي التقنية لكل شيء”.

فقد دفعت تصورات الرئيس ترامب وطريقة معالجته لما يراه “الخطر الصيني” وحروبه التجارية خلال فترة ولايته الأولى (2017-2021) الصين لمضاعفة جهودها لتحقيق الاستقلالية والتفوّق العالمي في قطاعات مهمة، مثل السيارات الكهربائية والروبوتات والمواد النادرة، وأن تصبح مستقلة عن أسواق وأدوات أميركا بشكل كبير.

وفي هذا السياق، يشير تقرير المعهد الأسترالي للسياسة الإستراتيجية (ASPI) بعنوان “السباق العالمي نحو قوة المستقبل” إلى تفوق صيني نوعي بفارق بيّن عن الولايات المتحدة في مجال التكنولوجيا الدقيقة والحساسة.

وحسب تقرير عام 2023، باتت الصين رائدة عالميا في 37 من أصل 44 تقنية حساسة مثل الدفاع، والفضاء، والروبوتات، والطاقة، والبيئة، والتكنولوجيا الحيوية، والذكاء الصناعي، وتكنولوجيا الكم، بينما تتقدم الولايات المتحدة في 7 مجالات فقط، بينها أنظمة الإطلاق الفضائية والحوسبة الكمية.

حققت الصين الاستقلالية ثم التفوق، وغزت الأسواق العالمية تدريجيا. ويؤكد توماس فريدمان في مقال بنيويورك تايمز أن “ما يثير الخوف هنا هو أننا (أي الولايات المتحدة) لم نعد نصنع الكثير من الأشياء التي ترغب الصين في شرائها، فهي قادرة على صنع كل شيء تقريبا، على الأقل بتكلفة أقل، وفي كثير من الأحيان بشكل أفضل”.

من جهته، يرى الصحفي والمحلل الاقتصادي نوح سميث في تقرير على مدونته أن “هذا المستوى من الهيمنة الصناعية من قبل دولة واحدة لم يشهده العالم إلا مرتين، من قبل المملكة المتحدة في بداية الثورة الصناعية، ومن قبل الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة”.

وحسب تقرير سميث، فإن ذلك يعني بالضرورة أنه في ظل حرب إنتاج ممتدة (كما يحدث فعليا)، ليس هناك ما يضمن أن العالم بأسره موحدا يمكنه هزيمة الصين بمفردها، وهي التي اكتسحت أسواقا عالمية كثيرة خصوصا في جنوب العالم.

وحسب أرقام وكالة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية، لم تكن حصة الصين تتجاوز 6% من الإنتاج الصناعي العالمي عام 2000، وباتت نحو 30% عام 2023، وبحلول عام 2030، يتوقع أن تحتكر الصين 45% من إجمالي التصنيع العالمي، وهو ما يعادل أو يتفوّق على إنتاج الولايات المتحدة وجميع حلفائها، وفق أرقام الوكالة.

أطلقت بكين عام 2015 خطة “صنع في الصين 2025″، وباتت تسيطر عمليا على 80% من سلسلة التوريد العالمية للطاقة الشمسية، كما تجاوزت صناعة بناء السفن الصينية قدرة الولايات المتحدة بأكثر من 200 ضعف، حسب تقرير لمكتب الاستخبارات البحرية الأميركية، وتمتلك الصين شبكة سكك حديد عالية السرعة، هي الأضخم في العالم، بطول 45 ألف كيلومتر.

أما في صناعة السيارات، فلم تكن الصين حتى أواخر تسعينيات القرن الماضي من كبار منتجيها أو مصدريها، وفي عام 2023 باتت أكبر مصنعي ومصدري السيارات الكهربائية والسيارات بشكل عام، إذ أنتجت 8.9 ملايين سيارة كهربائية (نحو ثلثي الإنتاج العالمي) حسب بيانات صندوق النقد الدولي.

فحتى عام 2019، كانت شركتا “شاومي” (Xiaomi) و”هواوي” (Huawei) متخصصتين في صناعة الهواتف الذكية، ثم أصبحتا تصنّعان أيضا السيارات الكهربائية، وباتت شركة “بي واي دي” (BYD) للبطاريات بدورها رائدة عالميا في السيارات الكهربائية، متجاوزة شركة “تسلا” الأميركية وشركات غربية أخرى، وفي المقابل تخلت شركة “آبل” الأميركية عن مشروعها لإنتاج السيارات الكهربائية.

يشير الخبراء إلى أن العالم يتحول تدريجيا إلى السيارات الكهربائية ذاتية القيادة، وهو ما قد يجعل الصين تهيمن فعليا على سوق السيارات الكهربائية وسوق السيارات ذاتية القيادة أيضا في المستقبل القريب.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version